بؤس الشباب
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
لعل من الخطب الملم، والبلاء الذي ليس فوقه بلاء، واقع الشباب الذي نشفق عليه، ونتمنى له النجاة، فهذه المهج الغضة التي تتأرجح بين اليأس والرجاء، والأمل والقنوط، في غد يرفع عنهم أغلال البطالة، ويدفع عنهم مذلة الحرمان، يتغلل في حناياها شعور بأنها بائسة تعسة، فهي لا تجد ما تنفق، ولا تنال ما تتمنى، فهذه الطائفة التي يرثى لها قوم، ويسخر منها قوم آخرين، ما يزيد معاناتها لذعاً، وآلامها مراراة، أنها أسرفت في الالحاح، وأطنبت في الالحاف، عساها تجد من يعصم أرواحها المنهكة من الضعف، وعزائمها الفاترة من الخمود، لقد رسمت هذه الناجمة خطة ومضت في تحقيقها، ولم تكن تعلم أن خطتها محفوفة بالأذى، محاطة بالخطر، فهي بعد أن تسلحت بالعلم، وتخرجت من أروقة الجامعات، كانت تعتقد أنها سوف تناضل النضال الذي يليق بالرجال، وأن على عاتقها فقط تجثم الأعباء الثقال، ولم يدر في خلدها أن الوظيفة سوف تنازلها هكذا متحدية متصدية، لقد كلفتها هذه الشقية حركة ونشاطاً، وسعياً واضطراباً، إلي مرافق ودواوين الدولة دون غناء، أما خطب الساسة ووعودهم التي تدعوها إلي التعلل بالأمال، والتعلق بالخيال، فلا تنخلع لها قلوب، أو تبتهج لها نفوس، لأن مسامعها اعتادت على هذه الأصداء التي قهرتم على كظم الحس، وكتمان الشعور.
لقد فكرت جموع الشباب وقدرت، ثم بحثت ونقبت، ونثرت كنانتها كما يقول من أرسى دعائم الملك لبني أمية الحجاج الثقفي، فاختاروا من سهامها أمضاها وأنفذها وأكثرها فتكاً بالوطن وهي الهجرة عنه، بعد أن أعجزتها الظروف عن النهوض بجلائل الأعمال تكرمة له، ولكن نوائب الزمن التي سلطت عليهم من كل ناحية، وأخذت عليهم كل سبيل، هي التي حدت بهم لاتخاذ مثل هذا القرار الذي يدفع السودان تبعته، وليس من الحيف في شيء أن يسأل كل حادب على الوطن هذا السؤال، وعلى سادتنا أن يجيبوا على هذا السؤال في صراحة ووضوح، لماذا يتهافت نواطير الشباب على الهجرة بعد أن أرضوا أنفسهم من العلم والتحصيل؟ ولماذا ذهبت عبثاً تلك الجهود الجبارة التي بذلتها أسر تلك الجموع حتى يظفروا بعد سنوات الطلب بتلك المناصب التي تكفل لهم ولغيرهم الحياة الهانئة المطمئنة؟ وهل يعتقد الحزب الصمد أن السكون سيتحول إلي حركة، والجمود إلي نشاط، بعد أن تطوي هذه الفئة لجج الاغتراب؟ ولماذا لم يلتفت البرلمان الموقر لهذه القضية التي ينبغي أن تكون في قمة أولوياته، أو يحفل بها؟ ومن الذي يعصمنا من بأس العدى وبطشهم إذا دارت رحى الحرب، واشتدت نائرتها؟ إن الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن شبابنا لم يحزم أمتعته بحثاً عن المغريات، وسعياً لحصد النزوات، ولكن لأنه فقير معدم، ويأبى أن يرى عائلته التي أنفقت كل درهم ودانق من أجل تعليمه فقيرة معدمة، لم ترتضي هذه الثلة أن تكابد صروف الجهد، وألوان العناء، في ديار الغربة إلا بعد أن جرفتها الفاقة، وكدر العيش، وموت الأمال.
إن من خطل الرأي، وقبح التأويل، أن نرمي شبابنا بكل سوءة شنعاء، ومعرة دهماء، وحسبنا أننا قد أضعنا على بلادنا أحلام جزلة، وسواعد فتية، وهمم لا تطاول، ما أتمناه أن يتخذ أرباب الحكم والتشريع خظظ محكمة تستأصل أسباب هذه الهجرة، وتمحق دواعي هذا الاغتراب، فلا شك ولا ريب أن الشعوب تعول على شبابها في الزود عن حياضها، وتنمية وتطوير مقدراتها.