أنا أقدم منك إذاً أنا أصلح وأتقى منك
أنا أقدم منك
إذاً أنا أصلح وأتقى منك
علي أبو عون
مهما أوتيتَ من حكمة؛ ومهما منحك الله من عقل ورزانة؛ ومهما أَجْهدتَ نفسك في الحصول على الشهادات العليا، والدورات التدريبية والتطويرية، ومهما أبدعت في ميدان العمل فإن صخرة كؤود كافية لأن تهدم كل ما سبق ألا وهي صخرة الأقدمية، تلك التي وقفت حاجزاً منيعاً أمام طموحات كثير من الشباب في مواقع العمل المختلفة، فحرمتهم من تبوء المناصب، وتصدّر المجالس، وتحقيق الآمال، وبلوغ المرام.
إن كثيراً من المؤسسات ومفاصل العمل الإدارية حاجتها إلى طاقة الشباب أكثر من حاجتها إلى حِكْمة الشيوخ وحنكة الكبار لما يتطلبه هذا الأمر من متابعةٍ وتواصلٍ مستمرٍ يَعْجَزُ كبار السن عنه - هذا إن سَلّمْنا انعدامَ الحكمةِ والذكاء في فئة الشباب كثقافة يحملها بعضُ الكبار- ، لأن المناصبَ الإدارية تختلف عن المناصب الشورية تمام الاختلاف، فالأولى تحتاج إلى الإبداع والجهد والمثابرة والطاقة المندفعة والمتوازنة في نفس اللحظة، أما الثانية فحاجتها إلى الحكمة والخبرة وسعة الأفق أكثر.
يرفع البعض في حملته الانتخابية ( أنا مع تقلد الشباب لهذا المنصب أو ذاك ، وأنا أدعم الشباب في الحصول على متطلباتهم ، وتحقيق رغباتهم في التغيير) حتى إذا فاز وجلس على كرسي العرش تغيرتْ نبرتُه، وعلا صوتُه في وجه أي شاب طموحٍ : من أنت حتى تتحدث هنا ، أو تتقلد هذا المنصب، أنا أقدم منك، إذا أنا أصلح منك ..
نموذجُ الحكام العرب -باسْتِمَاتتهم في الدفاعِ عن مُلْكِهم- نموذجٌ متغوّلٌ ولكن بشكل مصغّر في مجتمعاتنا العربية، فالذي يجلس على كرسي الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة أو المنظمة لا يزيحه عن ذلك الكرسي إلا الموت، ليرَثَ الأمرَ بعده مَنْ هو أتعس منه حظاً وحالاً، وهكذا دواليك، وهذا الأمر ليس مقتصرا على رأس الهرم، بل على الهرم كلِّه، فعندما يُرْفَعُ شعارُ التغيير يتغير الرئيسُ إلى عضوٍ والعضوُ إلى رئيسٍ ونائب الرئيس إلى أمين سر والوزير إلى مستشار، والدائرة مغلقة على هؤلاء الأشخاص فقط، لا يدخلها إلا مَن أتى الإمارةَ بقلبٍ مريض، محاولين أن يخدّروا بعض الشباب الطموح في بعض المواقع أو الأعمال التي ترهق كاهلهم، وتحول دون الاستفادة من طاقتهم المنتجة، فبدلاً من أن يكون منتِجَاً يصبح ترساً في آلةٍ يتحطم مع مرور الأيام.
من الواجب علي والضروري أيضاً أن أحترمَ مَنْ هو أكبر مني سناً، أن أحترم تاريخَه النضالي المشرق، وأحترمَ شيْبَتَه في العمل، وألا أتجاوز حدود الأدب في معاملتي معه، ولكن دون أن يدفعه هذا الأمر إلى الاستخفاف بغيره ممن هم أصغر منه سناً، أو ممن كتب الله عليهم أن يُخْلَقوا بعده.
هذه المواهب وتلك الطاقة التي يتمتع بها الشباب يجب أن تسخرّ في خدمة الأمة بشكل أفضل، وأن يجد الشباب البيئة الملائمة التي من خلالها ينطلقون إلى فضاء أرحب وعطاء أوسع، لتدور عجلة الإنتاج بشكل أسرع، فالتجارب أثبتت أن وجود الشباب في مفاصل العمل بل وعلى رأس العمل يعطي للعمل ثورية متجددة، وحماسة متقدّة، وعطاءً منقطع النظير.