سُنة الاصطفاء: مفارقات بين العرب والغرب
الاصطفاء والمصطفون:
معلوم أن الله سبحانه وتعالى اصطفي من الملائكة رسولاً ، ومن الناس رسلاً ، ومن الأزمنة أزمنًة ، ومن الأمكنة أمكنًة ، يقول تعالى {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(آل عمران:74)..ولكن ليس كل المصطفين على مستوى واحد، يقول تعالى:{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(آل عمران:163)..فهناك المفضلون والأقل تفضيلاً ، وفي آخر الصف غير المغضوب عليهم والملعونون..وارتقاء درجات التفضيل يكون وفق ميزان الإيمان والعمل الصالح..حسنًا..فمن هم المصطفون؟.
{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ*ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(آل عمران:33-34).
لقد ذكر السياق القرآني آدم ونوحًا فردين; وذكر آل إبراهيم وآل عمران أسرتين. إشارة إلى أن آدم بشخصه ونوحًا بشخصه هما اللذان وقع عليهما الاصطفاء. فأما إبراهيم وعمران فقد كان الاصطفاء لهما ولذريتهما كذلك ، على القاعدة التي تقررت في سورة البقرة عن آل إبراهيم : قاعدة أن وراثة النبوة والبركة في بيته ليست وراثة الدم، إنما هي وراثة العقيدة: {وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُك لِلنَّاسِ إمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة:124).
من هم ذرية آل إبراهيم وآل عمران اليوم؟..تجد أولاد إسماعيل منتشرين في شبه الجزيرة العربية وعرب فلسطين والشام ومصر وغيرهم من الدول العربية..
لا شك أن شبه الجزيرة العربية هي مهبط معظم الأنبياء ، ثم أن أولي العزم منهم - قبل الرسول صلى الله عليه وسلم - هاجروا من أوطانهم ، وأقاموا فترة في مصر وغيرها من بقاع شبة الجزيرة العربية.. لذا نجد كثير من نسل الأنبياء وأقاربهم إضافة لنسل الرسول صلى الله عليه وسلم منتشرون - ولا شك - في جميع الدول العربية ، ويؤكد ذلك قوله تعالى:{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(الأنعام:87)..
إن الاصطفاء لا يأتي صدفة ، فلا يوجد صدفة عند الله ، وإذا أنعمنا النظر في تاريخ العرب البائدة ، نجد أن الله قد أهلك كل الأقوام الظالمة التي كفرت بأنعم الله بأن أتاهم عذابه ونكاله ليلاً أو نهارًا ، ولم يبق إلا نسل الصالحين ، واقتضت حكمة الله أن يكون هلاكهم بأمره ، ولم يجعل أقوام العرب تهلك بعضها بعضًا حتى لا ينالهم الوزر.
أما في التاريخ الأوروبي نجد أن الله لم يهلك الأقوام الظالمة ، بل جعل هلاكهم على يد من هم أكثر منهم ظلمًا وضراوة ، فقد قتل الجرمان الكثير من الكلت والرومان ، ثم جاءهم الهن وهم قوم من الجرمانيين ولكنهم كانوا أكثر منهم وحشية ، ثم جاءهم الفايكنج ، وهم أكثر منهم ظلمًا وقسوة ، وقتلوا منهم الكثير ، وعاشوا وأيديهم ملوثة بدماء قبائل بأسرها.. إذن فقد كانت القاعدة في أوروبا هي البقاء للأقوى وليس للأصلح.
العلامات البينات بين العرب والغرب:
لقد ترك لنا الحق تعالى الكعبة المشرفة آية واضحة في أرضنا وأمرنا أن نحج إليها ، وهذا مقام إبراهيم ، وهذا حجر إسماعيل ..وفي القدس حيث أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا قبر هود ، وهذا قبر صالح وهناك قبر يوسف..عليهم السلام جميعًا.
وكما ترك لنا آثار الأنبياء والصالحين ترك لنا أطلال الأقوام الظالمة التي كفرت بأنعم الله فهنا كانت ثمود ، وهذه قبور قوم عاد ، وتلك أطلال سدوم وعمورة باقية عبرة لمن يعتبر بما حدث لقوم لوط.. فكل هذه العلامات موجودة وثابتة ، حتى يستيقن جيل بعد جيل ويرى ما فعل آبائهم في الماضي، كما يقارن الآيات العلمية التي وردت في القرآن الكريم بآخر ما وصل إليه العلم فيجدها سابقة له.
أما الغرب فلا يوجد لديهم رسالة مباشرة ولا أسوة حسنة ، ويخيم على البلاد ظلام دامس من المادة والماديات ، فلا نرى أي أثر أو علامة لآثر أحد من الأنبياء أو الصالحين، ولم نجد في تاريخ حكام أوروبا حاكم في عدل أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم أجمعين، بل يشهد لمعظم حكام أوروبا بالقوة والقسوة والتجبر والتكبر وحب الدنيا والسلطان.
الطريف أننا لا نجد حتى أثر للقوم الظالمين كعبرة وعظة ، لقد إنعدم أثر هؤلاء أيضًا وسكن مكانهم من قتلوهم وأخذوا ديارهم..ولكن نسمع عن القديس " جورج " حامي إنجلترا والقديس "دنيس" – والحافظ هو الله – وإذا أنعمنا النظر في سير هؤلاء القديسين نجدهم أنهم كانوا من الشرق وعاشوا في الشرق على سبيل المثال القديس " جورج " الاسم العربي هو " جرور " في اللد كذلك معظم القديسين عاشوا في شبه الجزيرة العربية.
وهناك ظاهرة أخرى تلفت النظر ، وهي أن معظم القبائل العربية التي كانت مسيحية قبل البعثة النبوية قد دخلوا في الإسلام أفواجًا في صدر الإسلام..أما القبائل الأوروبية – وهي أيضًا مسيحية - فلم تدخل قبيلة واحدة منها في الإسلام عندما فتح المسلمون الأندلس رغم تسامح المسلمون معهم، وعندما سقطت دولة الإسلام في الأندلس فعلوا بالمسلمين الأفاعيل التي يندى لها جبين الإنسانية..أتحسب أن الله يهدي لنوره من يعذبون ويقتلون قوم لأنهم يقولون ربنا الله؟ إن الله يهدي من يعلم أن في قلبه خير للبشرية.
أسطرة جسد المسيح ولعبة الانتهاك:
تتفق الأناجيل الأربعة المعتبرة على أن عيسى عليه السلام قام من القبر بعد ثلاث أيام وكلم مريم المجدلية كما ظهر لباقي التلاميذ..والمرأتان التي ذهبتا إلى القبر وجدتاه فارغ وقد زحزح الحجر من على بابه..ومع نجد أكثرهم يقول بأن قبر المسيح في فلسطين ، وأرسلت أوروبا الحملات صليبية تترى ، وقتلوا الألاف من المسلمين بحجة حماية قبر المسيح..ولا يعلم مكان المسيح عليه السلام إلا الله سبحانه وتعالى.
ورغم ذلك يؤكد الغرب - ومن على طريقتهم - على أن المسيح قد صلب لكي يفديهم ، وهذه الفكرة أدخلها بولس اليهودي ، فكان اليهود قديمًا يأتون بشاة ثم يحملونها أوزارهم ثم يتركونها تهيم في الصحراء اعتقادًا منهم بأنه حملت آثامهم وأوزارهم ، وقد بعدت عنهم..فنقل بولس فكرة الفداء إليهم على هذا الشكل حتى يكسب أكبر عدد ممكن من المضللين:" أفعل ما تشاء فالمسيح يفديك "..فهل هذا عدل الله؟!..ولماذا يفدي المسيح القتلة والمجرمين؟!!..يقولون:لأنهم يؤمنون به..ولكن سنة الله في الظالمين أنه كلما كثرت ذنوبهم زاد تحجر قلوبهم وزاد حبهم للذنوب..والمؤمن الحقيقي لا ينهب ولا يسرق ولا يستغل ولا يقتل ولا يبيد من هم أضعف منه.
الحقيقة أن كل كذبة من أكاذيبهم احتاجت إلى كذبة أكبر لتغطيها ، حتى طمست كتبهم، لأسباب سياسية ويحتفظوا بتقاليدهم الرومانية ، واليوم أصبح إيمانهم عبارة عن تعصب وتوازنات سياسية ومادية، لذلك الآن قد تركوا الجسد المقدس وفلسطين بأثرها لمن يعتقدون أنهم من صلبوا المسيح.
هل ظُلم الغرب؟
لقد وصلت المسيحية إلى أوروبا سليمة نقية كما جاء بها المسيح عليه السلام بأنه بشر نبي لا ألوهية فيه ، وقد أيد هذه الحقيقة (1730) من كبار القساوسة ، ولم ينكرها إلا (318) ، ومعهم الأمبراطور قسطنطين وجنده ، فأخذوا في اضطهاد مخالفيهم .. واستمر الباطل يضطهد كل من يقول الحق عبر الأجيال حتى انقرضوا، وبقى الباطل يصول ويجول.
وتقضي سُنة الله في أن كل من يأتيه الحق ظاهرًا وينكره ، لا يأتيه بعدها واضحًا ونقيًا، لذا دخلت عليهم فرق مضللة مثل الغنوصية والنسطورية واليعقوبية وغيرها ، حتى جاءهم الحق مع المسلمين الفاتحين..لكنهم انبهروا بحضارة المسلمين ، واقتبسوا منها كل ما هو مادي ، أما الجانب الإيماني العقدي، فقد فكان صعبًا على عقول وقلوب تهيم عشقًا للذهب والفضة..ثم جاءهم الحق مرة أخرى مع الأتراك العثمانيين عند فتحوا القسطنطينية وأسقطوا إمبراطورية الروم الشرقية ، ولكنهم لم يسلموا.
بعد أن ضعفت دولة الإسلام في شرق أوروبا وسقطت دول الإسلام في الأندلس..تمكن الغرب من الأرض ، ولكنهم عتوا عن الحق ، وعاثوا في الأرض فسادًا يرهبوا الآمنين ، ولم يفرقوا بين أطفال رضع وشيوخ ركع ، واستلوا على الأرض وهتكوا العرض..وتركهم الله الحكيم الخبير يفعلون ما يشاؤون ، وسهل لهم ذلك حتى تنكشف طبيعتهم البربرية ، قال تعالى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(آل عمران:187).
لم يكتف أبناء أوروبا بما فعلوه بمسلمي الأندلس فقد شدوا الرحال إلى قارات العالم الجديد وبلاد الشرق الأدنى والأقصى - بحجة الاكتشافات الجغرافية - ، واستولوا عليها ونهبوا ثروات البلاد وأبادوا العباد ، ولم يعتبروا بالأقوام التي انتقم الله منها من جراء ظلمهم ، يقول الله تعالى:{وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}(الشعراء:130-131) ، فمن يبطش بخلق الله مصيره محتوم وفي اللحظة التي يختارها الله سبحانه وتعالى. ولا راد لقضائه.
كل إنسان محاسب على عمله:
لا عذر للغرب إن لم يأمنوا بالله، فسوف يحاسبهم الله حسابًا عسيرًا وينالوا عذابًا أليمًا ، لأن الله خلق في الإنسان الفطرة السليمة التي تمكنه من الإيمان والاستقامة ، ومعنى أنه لم يؤمن أنه قد أفسد فطرته السليمة بظلمه وتكبره بحيث أن أصبح الظلم حاجبًا بينه وبين نور الله ، وكلما تمادى في ظلمه أصبحت رؤيته النور أصعب، ومن ثم يتحجر قلبه ، ويصبح كافرًا تمامًا، يقول الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}(الأعراف:172-173)..
إن سُنة الله في عباده الظالمين أن لا يهبهم أولاد صالحين إلا في حالات نادرة ولحكمة يقتضيها، وقد أكد على ذلك سيدنا نوح عليه السلام حينما أخبر عن قومه:{إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}(نوح:27)..وضرب الله سبحانه وتعالى لنا مثلاً آخر في سورة الكهف حينما قتل العبد الصالح الولد حتى لا يرهق والديه طغيانًا وكفرًا في المستقبل..فمبدأ الطيبون للطيبين ينطبق هنا أيضًا ..يقول الحق سبحانه وتعالى:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}(التوبة:85).
لقد علمنا الله سبحانه وتعالى أن ندعوه بأن يجعل ذريتنا قرة عين لنا:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ..} (الفرقان:74)..لذا فقد دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لذريتهما بأن يكونوا مسلمين ، متقين يقومون بأداء المناسك بما يرضي الله ، كذلك دعت إمرأة عمران للسيدة مريم رضي الله عنها.
أما الظالمين فلا يدعون لذريتهم ، ولو دعوا ما استجيب لهم ، لأنهم بدأوا حياتهم بالقتل وسفك الدماء ، ثم إنكروا حقيقة الدين لما جاءتهم لأسباب سياسية ثم قتلوا من يقول الحق ، وبداية الشيء مهمة عند الله سبحانه وتعالى ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا ، لذا فقد منع الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة في مسجد كانت بدايته غير خالصة لوجه الله ، يقول تعالى:{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(التوبة:109).
فترات التمكين:
من يدرس تاريخ الدنيا يجد أن الله سبحانه وتعالى يعطي كل قوم فترة قوة ، ويمكنهم من السيطرة على غيرهم ليرى ماذا يفعلون، فالإنسان لا يظهر معدنه الأصلي إلا في لحظة القوة أو عند الشدائد.. فقد مكن الله القدماء المصريين في الأرض قرابة أربعة آلف سنة - تخللها فترات ضعف – ولم يعطي الحق تعالى أي أمة أخرى فترة تمكين بهذا الطول بعد القدماء المصريين ، فباقي الامبراطوريات لم تلبث أن دالت وزالت بعد بضع قرون.. ذلك بسبب عقيدة التوحيد عند القدماء المصريين وورعهم ، وإيمانهم بأن هناك حساب في الآخرة ، فقد كانوا يعدون لذلك ترتيبات كبيرة ، ولذلك حينما بغى فرعون وتكبر لم يهلك أهل مصر بل إستدرجه الله سبحانه وتعالى خارجها وأهلكه هو وكل من طاوعه. بل نجى الله جسده ليكون آية وعبرة لمن يأتي بعده من القوم الظالمين ، يقول تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}(يونس:92).
وتميز معظم الجنس العربي بالطيبة والعدل أيام تمكنهم ، فلم يقم أي من البابليين أو الأكاديين وعرب شبة الجزيرة العربية بإبادة الناس ليأخذون ما في أيديهم، ويشهد على ذلك تشريعات القدماء المصريين ثم قوانين حمورابي سنه (1800ق.م)، ثم حلف الفضول في مكة قبل الإسلام، ولم تخلو جزيرة العرب من الموحدين الذين عبدوا الله جيل بعد جيل من عهد آدم ونوح وآل إبراهيم حتى البعثة النبوية. وكانت للعرب أخلاق وبعض العادات الحسنة ، لذلك فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق ويزيد الجمال جمالاً ، ويزيل الغبار على ما طمسه الزمن ، ومدح الله الأمة فقال تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(آل عمران:110)..وتستمر نفس الصفات في المستقبل مع تنفيذ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران:104) .
خيارات النصر بأيدي العرب:
اليوم العرب مبتلون بالضعف والتخلف والوهن ، والغرب مبتلى بالتمكين والقوة والتقدم المادي ، ولو صبر العرب وتمسكوا بالإسلام مع الحرص على العلم والأخذ بأسباب التقدم فلن يضرهم كيد الغرب شيئًا، كما أن الصبر والجهاد ضد الباطل مطلوب من المؤمن . ومن الممكن أن يكون الجهاد بالعلم والدعوى الحسنة ، يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران:200).
المصادر
القرآن الكريم
- في ظلال القرآن، سيد قطب ، دار الهجرة للنشر والتوزيع ، ط2،القاهرة: 1416هـ.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، النهضة المصرية، ط 7،القاهرة:1964م.
- تاريخ الاستعمار والتحرر في إفريقيا وآسيا ، عبد الحميد زوزو ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر:2009م.
- مدخل إلي دراسة التاريخ الأوربي الوسيط ,علي الغمراوي ، القاهرة 1977م.
وسوم: العدد 846