يا "قيس سعيد" لوْ دامت لغيركَ ما وصلتْ إليك!
الفرق شاسع بين مَن يرحل، وله لسان صِدقٍ في الآخِرين، وبين مَن تلاحقه اللعنات!
الفرق شاسع جداً بين مَن أحسنوا إلى أُمتهم، وبين مَن خانوا أوطانهم وخذلوا أمتهم!
الفرق شاسع جداً بين مَن صاروا قدوةً حسنةً للأجيال، وبين مَن ضربوا مثلَ السوء!
الفرق شاسع جداً بين مَن رضيَ اللهُ عنهم، وبين مَن سخِطَ اللهُ عليهم ولعنهم لعناً كبيرا.
حسْب (ساكن قرطاج) ما شاهده بنفسه، وما رآه بعينه خلال السنوات القليلة الماضية ... مِن السقوط المخزي للطغاة والمستبدين؛ فمنهم مَن سِيقَ إلى أعواد المشنقة! ومنهم مَن دِيسَ بالنعال والأحذية! ومنهم مَن هرب بلا رجعة! ومنهم مَن اقتيد إلى السجون! ومنهم مَن قُتِلَ شر قتلة!
لقد رحل هؤلاء الطغاةُ ليس عبر صناديق الاقتراع، بلْ بالثــورات الشعبية!
لقد رحل الطغاةُ العرب –إلاَّ قليلاً منهم- وصاروا عِبرةً للمُعتبرين، ومثلاً للآخِرين!
لقد رحل الجبابرة؛ الذين تعاطوا "أفيون العظمة"، حتى استفحل بهم الداء، وسقطوا في مرض الشعور بالقداسة والعصمة، مِمَّا جعل الطاغية منهم يتحدث في خُطبِه كالإله الذي يُوحي بأمرهِ ما يشاء!
لقد رحل هؤلاء الجبابرة الجبناء دون أن يشعر بالأمان رغم ترساناتهم العسكرية، ورغم تعاونهم مع البلطجية والمجرمين؛ الذين حوّلوا البلادَ إلى شلاَّلات من الدماء!
كمْ مِن طُغاةٍ على مدار التاريخ، ظنوا مقدرتهم على معاندة سُنَن الله الكونية، فعجَّلوا بزوال عروشهم ... وكانت نهايتهم الحتمية دليلاً على بلاهتهم!
وها هيَ بقية الأنظمة المستبدّة تتهاوى مثل كُثبان الرمال، وها هيَ جدارن الخوف التي صنعها الطغاة تتساقط سقوطاً مُريعا ... فاعتبروا يا أُولي الأبصار!
رحِمَ اللهُ "أبا العتاهية" القائل:
أَمَا وَاللَّـهِ إِنَّ الظُّلْمَ لُـؤْمٌ *** وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إلى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي *** وَعِنْـدَ اللَّهِ تَجتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا *** غَـدًا عِنْدَ الإِلَهِ مَنِ الْمَلُومُ!
* * *
حتى هذه اللحظة؛ لا يوجد في العالَم العربي كتابٌ مفتوح سوى (قيس سعيد)!
طوال حملته الانتخابية النزيهة؛ لم تخرج شخصيته عن منظومة القيَم الأخلاقية الرفيعة؛ بِدءاً مِن احترامه للغة العربية، وعِفّة لسانه، وتواضعه الشديد، وانحيازه للمواطنين، وزهده في المنصب الذي يسعى إليه، وتأييده لمطالب ثورة الياسمين، وحرصه على توطيد العلاقة مع دول الجوار، ودعمه لقضايا أمته، وفي مقدمتها "القضية الفلسطينية"، وإعلانه أنَّ "إسرائيل" عدوّ الأُمة، وأنَّ "التطبيع" مع الصهاينة خيانة عظمى يجب محاكمة مَن يقترفها!
عندما أعلن ترشّحه للرئاسة؛ نأى بنفسهِ عن التحزُّب السياسي، والأيديولوجي، وصرّح بأنه مستقل! واتخذ مِن عبارة "الشعب يريد" شعاراً لحملته!
طوال فترة حملته الانتخابية، تبنَّى خطاباً معتدلاً ونهجاً تقشفياً في إدارة حملته، فلا ملصَّقات دعائية مبهِرة في البلاد كحال مرشحين آخَرين. إنما اعتمد على المتطوعين من مؤيديه، حتى أنه رفض الدعم المالي الذي تُقدمه الحكومة للمرشحين لتمويل حملاتهم!
في مختلف جولاته، أكّد على حرصه على تمكين الشعب التونسي، وأن تتحول سيادة القانون من الدولة إلى المجتمع، "حيث يستبطن الفرد احترام القانون ولا يكون مُجبَراً على طاعته" كما جاء في إحدى تغريداته.
في تغريدته الأولى، قال: "لستُ في حملة انتخابية لبيع أوهام والتزامات لن أُحقّقها، بلْ أنا ملتزِم بما أقول وأعِد به، عكس وعود الأحزاب التقليدية التي لم يكن حظ الشعب التونسي منها إلاَّ كحظ المتنبي من وعود كافور الإخشيدي"!
أثناء المناظرة الشهيرة مع منافسه؛ أكَّد أنَّ قضاءً مستقلاً أهم مائة مرة من الدستور، وأنَّ تطبيق القانون على الجميع ينبغى أن يتم بلا تمييز!
في واحدة من تغريداته، قال: إنه حال فوزه، سيؤدي عمله ويعود إلى منزله كأيّ موظف، وإنه سيتخلى عن مظاهر الترف والمواكب والامتيازات التي يحصل عليها رئيس الجمهورية. كما دعا إلى التخلص من مظاهر الترف والامتيازات التي يحصل عليها النواب.
في تغريدةٍ أخرى؛ قال: أعِد التونسيين بالعدل والحرية وعلوية القانون على شاكلة الفاروق عمر بن الخطاب، الذي يُعتبر رجل دولة بامتياز ونموذجاً يُحتذى به في الحزم والعدل.
بعد فوزه مباشرةً، أعلن أنَّ ما حدث "ثورة جديدة فى نطاق الشرعية الدستورية القائمة".
* * *
يا "قيس سعيد" احذر عاقبة المفسدين، ومكْر الله بالطغاةِ المتألِّهين!
يا "قيس سعيد" أعِد أحلام "الربيع العربي" الذي راهن السفَلَةُ على زواله!
يا "قيس سعيد" اعلم أنَّ التاريخ يكتبه الثوَّار، ويصنعه الأحرار!
كُن القائد الذي أشرقت في عهدهِ شمسُ الحرية، وتحقَّقتْ أحلام الشباب!
أسرِع؛ وسجِّل اسمك في لوحة الشرف العربي، ومفاخر المسلمين!!
وسوم: العدد 847