ما ترك العلمانيون أو الحداثيون بابا للنيل من الإسلام إلا طرقوه
ما ترك العلمانيون أو الحداثيون بابا للنيل من الإسلام إلا طرقوه وقد استفزهم إبليس وجلب عليهم بخيله ورجله وشاركهم أموالا وأولادا ووعدهم غرورا
أخبرنا القرآن الكريم عن طلب إبليس اللعين بعد عصيانه من رب العزة جل جلاله أن يؤخره إلى يوم الدين ليمضي في إغواء بني آدم ، فاستجاب الله عز وجل لطلبه ، وتركه ليذهب فيما عزم عليه من كيد بالبشرية فقال جل شأنه :
(( قال فاذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ))
هذا النص القرآني يصور تصويرا عجيبا ما فعله وما يفعله إبليس اللعين ببني آدم من إغواء وتضليل ، والصورة مقتبسة من واقع الناس ،ذلك أن إبليس اللعين يبدو كقائد جيش مكون من خيالة ورجالة ، وهو يحرضهم لخوض حرب فساد وإفساد في بني آدم ليشاركهم أمولهم وأولادهم ، وليعدهم الوعود الكاذبة انتقاما منهم لأن أباهم آدم عليه السلام كان سببا في طرده من رحمة الله عز وجل ،وسببا في عذاب أبدي ينتظره ،كلما فكر فيه ازداد حنقا عليهم وكيدا لهم .
وعلينا أن نصور قائد جيش بفرسانه ورجاله، وقد علت جلبته وهو يحرضهم في عملية استفزاز تستهدف ضحاياه من بني آدم . ولا شك أن خيالته ورجالته هم قبيله وذريته من الجن وممن يغويهم من بني آدم . وجلبته تشتد كلما بدا تقصير من جنده تماما كما يحصل للقادة في الحروب البشرية . والغريب في جيش إبليس اللعين أن عملية استفزازه لبني آدم تجعل بعض هؤلاء يلتحقون بجيشه رجالا وركبانا ، ويخضعون أيضا لجلبته ، ويتحولون إلى حنده لتضليل بني جلدتهم ،و إلحاقهم هم أيضا بجيشه ليزداد عددا .
ولقد وردت في كتاب الله عز وجل قصص كثيرة عن حروب إبليس اللعين التي خاضها نيابة عنه من استفزهم من بني آدم ، وجلب عليهم بخيله ورجله أو حشرهم في جموعه، وساقهم إلى الشر سوقا . ولقد ناب عنه في بعض تلك الحروب طغاة وجبابرة من بني آدم كفرعون وأمثاله ، فصاروا يقومون مقامه في استفزاز غيرهم والجلب عليهم بخيل ورجل .
ولا يخلو زمان من الأزمنة من حرب من حروب إبليس اللعين المتواصلة دون انقطاع . وفي زماننا هذا يقوم العلمانيون أو الحداثيون بإدارة حرب من حروبه نيابة عنه ، وهي حرب ككل الحروب التي استهدف الإسلام من قبل باعتباره ألد أعداء إبليس هو ومن اتبعه من بني آدم الضالين .
ومعلوم أن العلمانية أو الحداثة كتصور أو كنمط حياة كانت بدايته في بلاد الغرب الذي ورث رسالات سماوية طالها التحريف ، وهو تحريف كان وراءه إبليس اللعين الذي استفز من حرفوها ، وجعلهم جنودا في جيشه . وكان التحريف سببا في تشويه دين الله عز وجل الذي جاء في تلك الرسالات خصوصا رسالة موسى وعيسى عليهما السلام . وبتشويه دين الله فيهما ضاق الناس به ذرعا ، وقد أفرز التحريف أوصياء على الدين جعلوا يستغلونه ، ويجمعون الأموال باسمه ، ويستحوذون على الأراضي والأملاك حتى صاروا أغنى طبقة في المجتمع ، وكان ذلك سببا في النفور من الدين وثورة الإلحاد والكفر عليه ، ونشدان بديل عنه يسد مسده ، فكانت النتيجة هي العلمانية أو الحداثة التي تنادي بما يسمى مجتمعات مدنية أو لا دينية لا دور فيها للدين ، ولا دخل له في الحياة بل مكانه هو هامش الحياة .
وليست العلمانية أو الحداثة بالأمر الجديد الطارىء على حياة البشرية بل كان كثير من الأقدمين يسيرون على نهج شبيه بنهج العلمانيين والحداثيين في التصور والاعتقاد في هذا العصر . ألم يثر أمثال فرعون على دين الله عز وجل ويقدمون ما يعتقدونه بديلا عنه ؟ فما هو الفرق بين هؤلاء وبين العلمانيين والحداثيين في عصرنا ؟ إنهم جميعا يلتقون عند هدف الصد عن دين الله عز وجل ليفسح المجال لما يعتقدون، فيكون بديلا عنه .
ولم يكتف إبليس اللعين بتجييش العلمانيين والحداثيين في بلاد الغرب بل توسعت دائرة حربه بعدما التحق به علمانيو وحداثيو الغرب كجنود استفزوا من في بلاد الإسلام لإلحاقهم بالجندية الإبليسية ، وكان لهم ما أرادوا ، وبدأت حرب شرسة على الإسلام لها عدة جبهات نذكر منها ما يلي :
ـ جبهة التشكيك في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان في طليعة هذه الجبهة من يسمون بالمستشرقين الذين أوعز إليهم إبليس القول بأنهم أدرى بهما من غيرهم ، فتصبوا أنفسهم قضاة يحاكمون أئمة وعلماء المسلمين ، ويشككون في علمهم ومعرفتهم بذريعة استخدام الطرق والمناهج الموصوفة بالعلمية ،وكانت تلك هي طريقتهم في استفزاز من اندهشوا من طرق جلبهم بخيلهم ورجلهم من المستلبين من المحسوبين على الإسلام الذين تلقفوا عنهم طرقهم الماكرة والخبيثة للنيل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وترويجها وتسويقها في بلاد الإسلام لتضليل أبنائه خصوصا الأغرار والعوام منهم ممن لا دراية ولا مناعة علمية لديهم .
وعن هذه الجبهة تفرعت عدة جبهات منها ما تخصص في التشكيك والتقليل من قيمة وقدر لغة القرآن الكريم ، ووصف قواعدها وضوابطها بأنها عقيمة ومتجاوزة ، وقدمت بدائل عنها نشأت في محاضن العلمانية أو الحداثة.
ومنها ما تخصص في التشكيك والتقليل من قيمة الفكر الإسلامي ، ووصفه بالجمود والتحجر ، وقدمت بدائل عنه نشأت هي الأخرى في مهد العلمانية والحداثة .
ومنها ما تفرغ للمجتمع المسلم لهدمه انطلاقا من استهداف نواته الصلبة التي هي الأسرة مع التركيز على المرأة التي هي حجر الزاوية في تلك النواة ، وتخصصت تلك الجبهة في نقد هذا المجتمع ونواته وحجر زاويتها وتقديم بدائل عن ذلك مما تم تصنيعه في المصانع العلمانية الحداثية التي صارت تقدم نموذج مجتمع لا يدين بدين الإسلام ويرفع شعار المطالبة بحرية الإنسان كي يفعل في نفسه وفي حياته ما يشاء تمردا على ضوابط وقوانين الدين الإسلامي . وكانت هذه الجبهة التي تخوض الحرب على المجتمع المسلم هي أخطر جبهة على الإطلاق لأنها تستهدف عموم المسلمين الذين يسهل استفزازهم والجلب عليهم بخيل إبليس اللعين ورجله .
أما جبهات استهداف الفكر الإسلامي، فلا تعود على العلمانيين أو الحداثيين بطائل لأنهم يواجهون بأصحاب الفكر من المسلمين بما يسفه جلبتهم الواهية و يصد استفزازهم الفاشل ، وإن كان بعض أشباه المتعلمين يقعون ضحايا استفزازهم خصوصا من الأغرار والعامة الذين ينخدعون برفعهم شعارات الفكر المتحرر أو حرية الفكر التي تعني عندهم تحديدا عزل الفكر الإسلامي من واقع الناس وإلزامه بهامش الحياة لا بالوجود في صميمها .
ولقد بات إبليس اللعين الذي جند العلمانيين أو الحداثيين يشاركهم أموالهم وأولادهم وقد جعلوا كل ذلك رهن إشارته، وسخروه له تسخيرا ، فصارت الأموال توظف وتصرف للفساد والإفساد بشتى الطرق والأساليب الماكرة والخبيثة ، والتي ترفع شعارات ضالة مضلة من قبيل شعار حرية الفكر والتعبير وهي حرية أصبحت تتجاوز كل حد ، ولا يضبطها ضابط ، وشعار الفن والثقافة، وتحته يسوق منتوج هدفه الفساد والإفساد والضلال والتضليل كما هو الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للمهرجانات المختلفة التي لا تكاد تنتهي ، والتي كلها عبارة عن بدائل علمانية وحداثية تدفع في اتجاه صرف الناس في مجتمع مسلم عن حياة يحكمها الإسلام ليتحقق التكريم الذي خص به الله تعالى بني آدم ، وهو التكريم الذي أثار حفيظة إبليس اللعين هو وقبيله من الجن والإنس ، فطلب مهلة إلى قيام الساعة لينزعه من بني آدم نزعا . وها هي المشاريع العلمانية أو الحداثية البديلة قد جعلت هم الإنسان منصرفا إلى غريزة الجنس ، وهي مشاريع تهدف إلى إطلاق هذه الغريزة دون قيود لتبلغ أبعد حد لها بما يسمى مثلية ورضائية وإجهاض ...، وهي بدائل يرفضها الإسلام ويجرمها ويحرمها ،لهذا ترتفع أصوات العلمانيين والحداثيين لرفع تحريمها وتجريمها تمهيدا لإباحية مطلقة لا حدود لها ولا ضابط تفجر المجتمع المسلم بتفجير نواته الصلبة التي هي الأسرة عن طريق جعل الغريزة الجنسية هدفا وغاية، وهي في التصور الإسلامي وسيلة للمحافظة على النوع البشري وفق ضوابط ليضطلع بدوره في الحياة خليفة لله في الأرض مكرما مسخرا له الكون بما فيه وممتحنا ليحاسب ويجازى على ما قدمت يداه بعد رحيله إلى دار البقاء .
ومقابل هذا التصور الإسلامي تقدم العلمانية أو الحداثة تصورها الذي ينفي الامتحان والمحاسبة والانتقال إلى حياة أخرى ، وهو ما عبر عنه قول الله عز وجل : (( وأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى )) .
ونتساءل هل العلمانية أو الحداثة شيء غير الإعراض عن الذكر وإرادة الحياة الدنيا بلا آخرة ، وهل هي إلا ضلال عن سبيل الله ، وإساءة للكرامة البشرية؟
كما نتساءل هل ترك العلمانيون أو الحداثيون بابا لم يطرقوها للنيل من الإسلام ؟ ألم يسنفزهم إبليس اللعين ،ألم يجلب عليهم بخيله ورجله ؟ ألا يشاركهم أموالهم وأولادهم ، وقد جعلوا كل ذلك في خدمة الفساد والإفساد ؟
وفي الختام نقول للعلمانيين أو الحداثيين إن شأنكم وأنتم تستهدفون الإسلام بالإقصاء من الحياة كشأن فريق كرة قدم يريد ملعبا بشبكة واحدة ملغيا شبكته ليتاح له وحده تسجيل الإصابات من أجل الفوز ، لهذا لا بد لكم من العودة من خيالكم إلى الواقع الذي هو وجود شبكتكم أيضا في الملعب ، والتي تستهدفها إصابات الإسلام ، وفريقه أقوى من فريقكم، ومدربه هو رب العزة جل جلاله بينما مدربكم هو إبليس اللعين الذي يعدكم غرورا وفوزا مستحيلا في بلد مسلم .
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
وسوم: العدد 849