تصفيح المبادئ تحت مطارق المصالح !!!!
تتأسس الأحزاب والحركات والدعوات على حزمة من المبادئ العامة التي تنتمي للصلاح والإصلاح في ظاهر أمرها ، وإلى رؤية سابغة لما يوصف بالخير العام . الذي يزخرفه البعض بدين ويزخرفه آخرون بدنيا .
وتنطلق هذه الكيانات على تعدد منابتها ومشاربها مستصحبة تلك العناوين العامة المضيئة التي تستقطب شرائح أكبر من الناس ، كما تستقطب المنارات على الشواطئ البعيدة السفن والربابين ..
وكلما أبعدت هذه الكيانات أكثر في مجاهل الدروب ، وعلا السالكين في أطرها وعثاء السفر ، تسلل الوهن والضيم إلى هذه المبادئ ، وبدأ الناس يرققون هذه المبادئ أو يخسسونها ، أو يعيدون تشكيلها أو تأويلها كما يفعل الحداد بقطعة الحديد بين الكير والمطرقة والسندان ..
كثير من المؤمنين بالمبادئ المقصية طرقا وتصحيفا وسحبا يجدون أنفسهم "صفرا" في مرحلة من مراحل الطريق ..
يرددون بكل الحسرة والألم ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) .. واحترق كل شيء كان يعول عليه مع ما هو عليه من الضعف والكبر. ؟؟؟؟
فلا هم مقتنعون باستمرار ، ولا هم قادرون على استئناف ، ولا هم يجدون طولا للبداية من جديد ..
على كل الدروب وعند كل المنحنيات تجد أقواما يشكون كفرس عنترة ؛ بعبرة وتحمحم .. تأبى عليهم المروءة ويأبى عليهم الوفاء أن يكتبوا عن " تجاربهم المرة " التي خاضوها بالإجمال أو التفصيل ..
وفي الوقت نفسه تظل تجد قوما يدافعون عن أنفسهم بأنهم " الثابتون على عهودهم " ما غيروا ولا بدلوا ولا قدموا ولا أخروا .. وإنما هم قوم من " المفسرين القدامى أو الجدد " على طرائق من قال قبلا . إنما الصيام " حفظ سر الإمام " وما الزنا إلا " وضع نطفة علمهم الشريف في غير موضعها " والحج " معرفة الإمام وقصده بالبيعة"..
في متواليات عمليات الاستحالة حالة بعد حالة طبقا عن طبق يصعب عليك أن تنسب سكة المحراث أو محراك الموقد إلى أصلها من كتلة الحديد الصلب الذي لا ينطق إلا بصلابة الحق وعناده ..
أي معيار من معايير علم الوراثة يمكن أن يعيننا على نسبة قوم لآبائهم في هذا الزمن البئيس ، حيث لا قوانين مانديل تعيننا ولا الشفرة الجينية ترشدنا ..
كانت الصلابة أول صفة للأجسام " المتحيزة المتميزة " وأصبحت الرخاوة والميوعة والمطاوعة هي كل ما يفاخر به المفاخرون ..
من أهم الصفات الفيزيائية التي كانوا يطلقونها على المعادن قابليتها : جيدة النقل للحرارة وللكهرباء قابلة للطرق والسحب والتصفيح ..فهل ينطبق هذا على الدعوات والمبادئ وأديان البشر وعقائدهم وعقولهم وقلوبهم . هل يمكن أن نقول " من كل دين شعرة ، كما كنا نقول من كل بستان زهرة ..أو أن هذا حال الناس اليوم ؟!
من دلالات القابلية للسحب أن ينسحب المعدن على شكل أسلاك رفيعة كل سلك يقوم بنفسه ويستقل ويعتزل بها حتى ولو كان بسماكة شعرة كما نراه في خيوط النحاس في سلك الكهرباء . والتصفيح أن تصبح قطعة الحديد الصغيرة صفحة رقيقة كبيرة من التي يقال في مثلها : " رقّ حتى انخرقا " وهكذا كان البعض يدعون حتى تخلص لطيفهم من كثيفهم فكانوا أرق من أثير ..
وسوم: العدد 849