حلول مناسبة استكمال وحدتنا الترابية فرصة لتجديد العهد مع الإخلاص في حب الوطن فعلا لا قولا
حلول مناسبة استكمال وحدتنا الترابية فرصة لتجديد العهد مع الإخلاص في حب الوطن فعلا لا قولا وعدم الخلط بين مطالب معيشية ودعوات انفصالية
تكرار حلول المناسبات الدينية والوطنية لا يعني مجرد الاستفادة من عطل مؤدى عنها بالنسبة للموظفين والعمال ، كما أنه لا يعني الاكتفاء فقط بما تعنيه وبملابساتها بل لا بد أن تكون فرصة تستغل للاستفادة والإفادة .
ومناسبة استكمال وحدتنا الترابية التي شاء الله أن يكون أسلوبها غير الأسلوب الذي نلنا به استقلالنا وجلاء المحتل عن جزء من وطننا حيث تفتقت العبقرية المغربية عن فكرة تسيير مسيرة شعبية إلى صحرائنا المحتلة لتعود إلى الوطن الأم ، هي فرصة تتكرر سنويا ليجدد الشعب المغربي فيها العهد مع حب هذا الوطن والإخلاص له ليس بمجرد الإدعاء بل بالجهود الملموسة وبالعطاء.
ولا يمكن أن يدعي أحد في هذا الوطن مهما كان وضعه حبه والإخلاص له ،وهو يتبنى موقف المتفرج المنتقد والمتشفي والمتربص به ... وما إلى ذلك من نعوت وصفات سلبية لا تفيد الوطن في شيء .
ومن المؤسف أن قطاعا عريضا من الشعب ينتقد ، ووسائل التواصل الاجتماعي تعج بالانتقادات وكأن من ينتقدون كلهم يقومون بواجبهم على أكمل وجه في هذا الوطن . وقد يظهر كل من هب ودب في فيديوهات مصورة في وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد مشهدا من المشاهد أو يثير قضية من القضايا أو مشكلا من المشاكل يتخذها منطلقا للنقد ، ولكنه في المقابل لا يخبرنا عمّا فعله هو شخصيا لحل مشكل أو تصحيح وضع بل يكتفي بتحميل المسؤولية لغيره ، ولا يجيد سوى عبارة : " شوفو يا خوتي ماذا يحصل " انظروا ماذا يحصل . ولو أنه ساعة تصويره ما كان يريد الإخبار عنه قدم شيئا لكان أجدى وأنفع . ويتلقف عنه جمهور عريض طويل ما صوره بطلب منه ليشاركوه تبادله على أوسع نطاق دون أن يتدخل أحد عمليا أو إجرائيا لتصحيح وضع أو حل مشكل ، والكل ينتظر من يعلق الجرس حتى إذا علقه فعّال انبرى القوّالون من جديد لتبادل الإخبار بفعله عبر وسائل التواصل الاجتماعي مرددين عبارة : " شوفو ماذا فعل الفعّال " . فما أكثر من يقولون في هذا الوطن ، وما أقل من يفعلون ومع ذلك لا يسلمون من قول من يقولون .
ولهذا لا بد من أن تكون مناسبة استكمال وحدة وطننا الترابية فرصة تقديم شيء لهذا الوطن ، وإذا عز ما يقدم أو تعذر فليصمت القوّلون . ورحم الله أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي صعد المنبر يوما ليخطب الناس يوم جمعة، فقال كلمته الشهيرة بعد حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس أنتم في حاجة إلى رجل فعّال ولستم في حاجة إلى قوّال " وكانت أبلغ خطبة على الإطلاق .
وما أحوج هذا الوطن الغالي في هذا الزمان تحديدا إلى من يصدق في حبه له و واقع الحال أن الأنانية ضاربة أطنابها في النفوس التي يفضل أصحابها مصالحهم الشخصية على الصالح العام الذي إنما به تتحقق فعليا مصالحهم . ومن المؤسف جدا أن يسود منطق التفرج والتباكي بدموع التماسيح على هذا الوطن الغالي ، وهو كاليتيم في مآدب اللئام . والأشد أسفا أن يأكل فيه الآكلون الغلة ويلعنون الملة .
ومن الغريب أن نجد نوعا من الناس يستفيدون بغير وجه حق من خيرات هذا الوطن، ولكنهم في المقابل متبرمون منه يزعمون أنه يفكرون في تركه ومغادرته . ومن مثل هؤلاء من حدثني عنهم أحد الفضلاء أذكره كمثال ولا أروم به الحصر رجل اغتنى في هذا الوطن من خلال تسويق سلع صينية يخزنها في اسطبلات مهجورة مخصصة لتربية المواشي بعيدا عن المراقبة المفضية إلى أداء الضرائب في عملية تهرب ضريبي جبانة ومكشوفة ، وحدث أن سرق منه هاتفه الخلوي، فصب جام غضبه على هذا الوطن ،وهو يشتم ويعلن ويدين سرقة هاتفه دون أن تحضره سرقته الموصوقة لهذا الوطن بتهربه من أداء حق من حقوقه . وما أكثر من على شاكلة هذا الذي يأكل الغلة ويلعن الملة ، وحين تحل مناسبة وطنية كهذه تجد حديثه عنها حديث سخرية واستهزاء وانتقاد وسخط ولا مبالاة .
وشر من مثل هؤلاء من يركبون المطالب المعيشية للتنكر لانتمائهم إلى هذا الوطن في عقوق مشين كتلك المتهورة التي أقدمت على إحراق علمه الذي هو رمز مقدس زاعمة أنها تدافع عن حق من أسروا في تظاهر من أجل مطالب معيشية مشروعة لتتحول إلى شغب لم ينج منه حتى بيت الله عز وجل ، وكشف النقاب فيما بعد أن القصد من وراء تلك المطالب المعيشية مؤشرات على دعوات انفصالية مقنعة يرمز إليها برفع أعلام طائفية عوض العلم الوطني ، وقد أكد ذلك إحراق هذا الأخير مؤخرا فوق أرض محتل الأمس ، فضلا عما صاحب جريمة الإحراق من تصريحات تؤكد بوقاحة الدعوة إلى الانفصال عن رحم هذا الوطن الغالي .
و لهذا لا يجب أن يوجد مكان في هذا الوطن لمن يحمل ذرة من فكرة الدعوة إلى الانفصال عنه سواء كان ذلك في شماله أو في جنوبه أو في غيرهما. وكل من يتعاطف مع من يسوق لمثل هذه الفكرة يعتبر شريكا له في جرم تسويقها . ومن لم يرض بالعيش فوق أرض هذا الوطن وتحت سمائه مع شعبه ،فإن استطاع أن ينفذ إلى غيره من الأقطار فلا يتردد في ذلك شريطة ألا يعود ليأكل من خيراته ،ويلقي بزبالته فيه ساخرا منه منتقدا له ، متعاليا على شعبه ،وهو لا يقدم له شيئا ، وإنما يأخذ ولا يعطي ، علما بأن الأخذ يجب أن يكون على قدر العطاء إن لم نقل بل يكون العطاء أكثر منه.
وفي الأخير نقدم أحر التهاني للمخلصين في حب هذا الوطن الغالي ونحييهم على تفانيهم في ذلك خصوصا الذين يتبعون أقوالهم بأفعال ، ويعطون أكثر مما يأخذون ، ويعملون بجد وتفان في صمت راجين الأجر عند خالقهم، ولا يبالون بشكر مخلوق ولا بانتقاده وكفرانه ، وغايتهم خدمة وطنهم بإخلاص إذا قصّر غيرهم في ذلك ، ولا يشغلون أنفسهم بالحديث عن ذلك التقصير بل يواجهونه بصدق العطاء وبالتضحية لأنهم على يقين أن الله عز وجل سيرى عملهم ورسوله والمؤمنون .
وسوم: العدد 850