النفط السوري وتصارع الضباع والذئاب عليه
يتشدق النظام السوري دوماً بأن سورية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي ليس لديها ديون خارجية، ولماذا الديون الخارجية في وقت يقوم الأسد وأعوانه بنهب البلد، ثم يسدون العجز من ثروات سورية وجيب الشعب وعرق جبينه، وكمثال بسيط على سرقات نظام الأسد لثروات سورية، هو سرقة مبيعات النفط السوري الذي لم يدخل بنس واحد من عائداته إلى خزينة الدولة منذ اكتشافه عام 1968.
واليوم تتبادل روسيا وأمريكا الاتهامات بسرقة النفط والغاز السوري، ومحاولة كل منهما وضع يده على هذه الثروات بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، مستغلة الحالة المأساوية التي وصلت إليه سورية على يد نمرودها بشار الأسد، فقد اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زخاروفا"، الولايات المتحدة بتهريب أكثر من 30 مليون دولار من النفط شهرياً من حقول الشمال الشرقي في سورية.
وأوضحت زاخاروفا، أن تصرفات الجيش الأميركي في سورية ليست قانونية وشككت في نوايا استراتيجية واشنطن هناك.
وبحسب مراقبين، لا تبدو واشنطن لا عازمة على ترك حقول النفط هذه في المستقبل المنظور بذريعة أنها تحرسها من خطر وقوعها بأيدي عناصر داعش، في حين تطالب موسكو أن تبقى منابع وحقول النفط تحت سيطرة نظام دمشق، وليس بعهدة الإدارة الأميركية، وهو أمر لمح إليه مجرم الحرب بشار الأسد في تصريحاته الأخيرة، عندما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس الشفاف في سعيه للسيطرة على النفط السوري.
في المقابل تبرر واشنطن مسألة بقاء قواتها قرب حقول النفط في الشمال الشرقي لسورية، وتعتبر أن هذا الأمر ضروري لتمكين الأكراد من الحصول على التمويل اللازم لإبقاء إدارتهم الذاتية واستكمال مهامهم هناك، خصوصا تلك المتعلقة بحراسة السجون التي تأوي المئات من عناصر تنظيم داعش.
وباتت قضية الوجود الأميركي قرب منابع النفط السورية، تثير الكثير من التساؤلات بيد أن موسكو هي من ترفع راية كشف هذه الورقة.
وحتى يقف القارئ على الحقيقة المُرة عن بداية سرقة هذه الثروة الهائلة؛ وحرمان الشعب السوري من التنعم بها، لابد من مراجعة الخط الزمني للنفط في سورية:
في العام 1968 بدء إنتاج النفط في سورية قبل أن يتسلم الحكم حافظ الأسد عقب غدره برفاقه عام 1970 بما أطلق عليه بالحركة التصحيحية وتسلمه السلطة ومقدرات البلاد، ومن ذلك العام وحتى العام 2001 لم يدخل حافظ الأسد قيمة النفط المباع في الخزينة، ولم يدخل في الموازنة العامة، وذهبت مليارات الدولارات إلى بنوك خارج البلاد باسمه واسم أخيه رفعت الأسد وأولاده.
في عام 1980 أسست شركة الفرات للنفط، وقامت هذه الشركة بأعمال التنقيب عن النفط واستثمار حقول النفط في سورية، وكانت عائلة الأسد لها 65%، في حين تملك مجموعة شركات أجنبية ترأسها شركة هولندية والتي كان وكيلها محمد مخلوف 35 %. وفي العام 1980 أسست شركة نفط اسمها ليدز ومثرها في دمشق شارع أبو رمانة، وهذه الشركة يملكها مناصفةً محمد مخلوف (والد رامي مخلوف) ونذار أسعد (قريب محمد مخلوف)، وقد سجل محمد مخلوف حصته بأسم شقيق زوجته غسان مهنا، وهو موظف سابق في شركة النفط والغاز السورية، وتم لاحقاً سحب عقود معظم الشركات النفطية مثل توتال الفرنسية وتوقيع العقود مع شركة بترو كندا لأن رامي مخلوف هو وكيلها الحصري في سورية.
ومن عام 1995 وحتى عام 2004 بلغ الإنتاج ذروته بـ 600 ألف برميل يومياً أي ما يعادل ثلث إنتاج الكويت، كما ورد في نشرة "الإكونوميست إنتاليجانس يونت"، وهذه الكميات غير مسجلة بمنظمة الأوبك كي لا يتم ملاحقات الكميات والأسعار، حيث أن النفط السوري يباع وبعلم الجميع في السوق السوداء، فإذا كان سعر البرميل في منظمة أوبك 110$ تقوم مافيا النظام ببيعه بـ 85$ بشرط الدفع فوري وكاش وبالدولار وهذا كله لا يدخل ميزانية الدولة، ولا يعلم أحد أين تذهب هذه الأموال.
في العام 2001 قرر بشار الأسد أن يدخل قسم من قيمة النفط المباع في الموازنة العامة. وخلال الفترة من عام 2001 وحتى 2010 كانت أرقام الموازنة تؤكد أن النفط والغاز لا زال يُنهب لصالح بشار الأسد ورامي مخلوف والأربعين حرامي من أسرته.
في العام 2004 وبعد 20 عام من ضخ 600 ألف برميل يومياً، وفجأة (وبعد توقف النفط العراقي، مصادفة غريبة) صرحت الحكومة السورية بتدهور كميات النفط السوري، ولم تعد الأرقام تعكس الواقع، رغم أن كل التقارير النفطية كانت تبشر بمستقبل نفطي واعد لسورية، وذلك لأن شركة اللص رامي مخلوف "غالف ساندس بتروليوم" البريطانية (رامي يمللك 5.7% منها) دخلت على الخط لنهب النفط السوري، كخلف لوالده محمد مخلوف، وبدأ يتلاعب في أرقام الانتاج مما انعكس على انخفاضها الحاد على الورق، وذلك في غياب أي رقابة على قطاع النفط في سورية، وذلك لأنها غير مسجلة في أوبك أسعار النفط بالدولار الأمريكي.
لقد كانت الموازنة العامة لعام 2004 تساوي 460 مليار ل. س (9.2 مليار دولار)، وإنتاج النفط يساوي 219 مليون برميل سنوياً (600 ألف برميل يومياً)، وسعر النفط العالمي لهذا العام حوالي 50$ للبرميل، رغم أن الحكومة السورية تدعي أنها تبيع بسعر منخفض، وأنها بعد دفع حصة الشركات الأجنبية 35% (ومنها شركات آل مخلوف) يبقى صافي عائدات الحكومة السورية من إيرادات برميل النفط حوالي 32.5$، فبحسبة بسيطة 219 مليون برميل × 32.5 يساوي 7.1 مليار دولار، كما تنتج سورية 8,76 مليار متر مكعب من الغاز الحر سنوياً (24 مليون متر مكعب يوميا) قيمتها 8,76 مليار × 0,3 $ تساوي 2,6 مليار دولار سنوياً، أي المجموع من النفط والغاز فقط يساوي 9.3 مليار دولار، أي أعلى من إجمالي الموازنة 9.2 مليار دولار. والسؤال بما إن الضرائب والرسوم والاتصالات، وباعتراف العطري رئيس الوزراء تغطي معظم الموازنة، فأين تذهب كل هذه المليارات الفائضة كل عام.
الموازنة العامة لعام 2006 تساوي 495 مليار ل. س (9.9 مليار دولار)، وإنتاج النفط يساوي 155 مليون برميل سنوياً (425 ألف برميل يومياً) وسعر النفط العالمي لهذا العام 75$ للبرميل أي حصة الحكومة 65% تعادل 48.75$ وبحساب 146 مليون × 48.75$ تساوي 7.1 مليار دولار، وتنتج سورية 8,76 مليار متر مكعب من الغاز الحر سنوياً (24 مليون متر مكعب يوميا) قيمتها 8,76 مليار × 0,3$ يساوي 2,6 مليار دولار سنوياً. أي المجموع من النفط والغاز فقط يساوي 9.7 مليار دولار في وقت أن الموازنة العامة 9.9 مليار دولار
في العام 2008 قرر رامي مخلوف التخلص من شركائه في "غالف ساندس" وأسس شركة "دجلة للنفط" لينهب النفط السوري وحده. ومقرها حالياً في مكتب رامي مخلوف في بناء الشام القابضة بجانب شمسين على طريق الأردن، في ريف دمشق واللوحة موضوعة على جدار البناء الخارجي.
في العام 2010 صدرت الأوامر لبشار لإخراج النفط مجدداً من الموازنة العامة لترك الساحة خالية للص رامي. فقد صرح المهندس ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء وبكل وقاحة في الشهر السابع من عام2010 ان النفط خرج من حسابات الموازنة في سورية، وقال، خلال اجتماع الهيئة العامة لغرفة صناعة حلب: "ان مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة ثلاثة، أولها النفط الذي لم يعد يضخ إلى الموازنة العامة كما السابق، وثانيها فوائد الشركات العامة والتي تقتصر على المؤسسة العامة للاتصالات، التي تُعد المؤسسة الوحيدة الرابحة بين الشركات، ولا تزال تضخ إلى الميزانية بشكل جيد فيما لا تكاد بقية الشركات تحقق التوازن (اعتراف صارخ بفشل النظام)، أما المورد الثالث المتبقي لنا هو تلك الضرائب والرسوم والذي يشكل 70% من موارد الموازنة".
الموازنة العامة لعام 2010 تساوي 754 مليار ل. س (15.08 مليار دولار)، وإنتاج النفط يساوي 128 مليون برميل سنوياً (350 ألف برميل يومياً)، وسعر برميل النفط 110$ حصة الدولة منها 71.5$ وبحساب 128 مليون × 71.5$ تساوي 9.1 مليار دولار، وتنتج سورية 8,76 مليار متر مكعب من الغاز الحر سنوياً (24 مليون متر مكعب يوميا) قيمتها 8,76 مليار × 0,3 $ يساوي 2,6 مليار دولار سنوياً. أي المجموع من النفط والغاز فقط يساوي 11.7 مليار دولار في وقت أن الموازنة 15.08 مليار دولار. وهذا هو العام الذي أعلن العطري أن النفط لن يدخل في الموازنة كما ذكرنا سابقاً، أي 11.7 مليار دولار تذهب للمجهول، وبكل وقاحة يصرح بذلك رئيس الوزراء.
الموازنة العامة لعام 2011 تساوي 835 مليار ل. س (16.7 مليار دولار)، وإنتاج النفط يساوي 141 مليون برميل سنوياً (387 ألف برميل يومياً) 141 مليون × 71.5$ تساوي 10 مليار دولار، وتنتج سورية 11,3 مليار متر مكعب من الغاز الحر سنوياً (31 مليون متر مكعب يوميا) قيمتها 11.3 مليار × 0,3 $ يساوي 3,4 مليار دولار سنويا. أي المجموع من النفط والغاز فقط يساوي 14.7 مليار دولار في وقت أن الموازنة 16.7 مليار دولار.
في 5/10/2011 صرح وزير المالية السوري أنه تم اعتماد السعر التقديري (حصة الحكومة السورية من 110$) لبرميل النفط الخفيف بـ 75 دولاراً والثقيل بـ 65 دولاراً في الموازنة العامة لعام 2012.
في 15/12/2011 أقر مجلس الشعب الموازنة العامة لـ 2012 بقيمة 1326.550 مليار ل.س (حوالي 26.5 مليار دولار) بزيادة 10 مليار دولار عن العام الماضي وهي زيادة فلكية تعني إما استعدادهم للمغادرة ووضع هذا الرقم دون مبالاة عن العجز الذي سيحصل للموازنة، أو صحوة ضمير متأخرة جداً جداً.
السارق الأول بشار الأسد لم يعد بمقدوره منافسة السارقين الكبار أمريكا وروسيا، فهؤلاء حيتان وهو لا يستطيع حتى استراق النظر إلى ما يسرقونه من الثروات السورية، فهو كابن آوى يتطلع إلى ما يتبقى من فتات تخلفها الضباع والذئاب، وبما تتصدق به عليه ولية نعمته طهران بطرق ملتوية بدعم من العرب الضالين، لترفده وترفد آلة حربه ببعض ما تتمكن من إيصاله إليه من نفط وغاز.
وفي الوقت الذي استولى فيه النفط والغاز والموارد الطبيعية على اهتمام الأمريكيين والروس وغيرهم، تمضي تركيا ومعها الجيش الوطني السوري، قدما وبخطى ثابتة نحو تنظيف أوكار الإرهاب الانفصالي من خلال عملية "نبع السلام" شمالي سورية، لتعمل على بسط الأمن، وتهيئة الأجواء المناسبة والظروف الملائمة، لعودة النازحين والمهجرين السوريين إلى منازلهم.
إذا كان الخلاص من الارهاب بجميع أشكاله الأيدولوجية والانفصالية، الشرط الأساس لوحدة الوطن السوري، وبناء مؤسسات الدولة من جديد، فإن عودة دوران عجلة الحياة الاقتصادية، هي صمام الأمان لعودة النازحين والمهجرين إلى بلادهم، لكي يساهموا في سرعة التعافي المنشود، وكلاهما مرتبط ارتباطاً مصيرياً بنجاح عملية نبع السلام، وينتظران ما ستسفر عنه زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكي ترامب.
وسوم: العدد 850