عود على بدء، في "القول الذي لا بد منه"
الإصرار على الخطأ والتعلق العنيد بالوهم، والتمادي في الباطل ضربٌ من العبث لا طائل وراءه، ولا جدوى منه، ولا خير فيه، فهو تخبط في تيهٍ لا نهاية له، ولا قرار فيه مما يترفع عنه أصحاب الأحلام الكبيرة، ويتعالى عليه ذوو الهمم العالية، كما تتجافى عنه نفوس حملة المبادئ الشريفة، والأهداف السامية الرفيعة.. يصدق هذا المعنى فيما يعرض الناس من أمور عادية جارية، وتواضعات فيما بينهم متعارفة، واتفاقات سائدة محدودة فما بالك إذا كانت القضية في مصائر أمم، وتطلعات شعوب، وأشواق أجيال وأجيال مضت عاضَّة عليها، ضنينة بها، هائمة في عشقها، مضحية بالغالي والنفيس في سبيل تحقيقها.. وأجيال أخرى قادمة ليس لها من دونها حياة، ولا ترى في غيرها أفقاً لمستقبل أو إشراقاً لنهوض، أو بادرة لنجاة...
تلك كانت وقفتنا مع الأخ صاحب الدراسة المقترحة "الذي كان شيئاً ثم أصبح هو نفسه شيئاً آخر لها كان ملئ السمع والبصر، ومحط أمل منتظر، ومعقد رجاء لا تخالطه ربية، ولا يشوبه كدر.. ثم غدا شماعة يعلق عليها الخائبون أوهامهم الفاشلة، ويمررون من خلاله خورهم القاتل، وتخبطهم المتخاذل، ثم يتيهون معه في مهامه يضربها القتام من جوانبها، ويحيطها العماء في أنحائها، ولا تفضي إلا إلى آل ليس وراءه ماء، ووبال ليس له دواء، وحسرة قبضتها ندم وضياع.. إنهم تخيلوا الموهوم ثم خالوه حقيقة فتيقنوه، شأن كثير من الناس.. حتى كأن حالنا، كما قال البحتري:
لم يكن في النية العودة إلى هذا الموضوع، ولا حدت بنا رغبة إلى مثل هذه الأحاديث - بعد أن سودنا فيه عشرين صفحة - فريدة في بابها، جهيرة في صوتها، شاملة في موضوعاتها، قاطعة في حجتها وبرهانها.. وكنا على رجاء عريض وأمل واسع، أن يأخذ الأخ كلامنا على محمل الجد، ويرى في مقالنا خالص النصح، ويتأكد من قولنا صريح الحقيقة، فيتصل بمن يعرفه - عميق المعرفة - التزاماً وغيرةً وحرصاً.. ولعلنا نعلم - بشرح منه – دوافع ما عنده مما خفي علينا من طروحاته، كما نبين له بهدوء وتروٍ، ما وراء سطورنا من بينات، وما قصدنا بردنا من غايات - وبخاصة أنا حجزنا - ذلك المقال، عن النشر فترة من الزمن بعد إرساله إليه، معتقدين أنها كانت كافية لوصولها إليه واطلاعه عليه.. لكنَّ الأمل خاب والرجاء تبدد، وواجهنا من الصلف والإعراض ما قطع الشك باليقين وحسم الموقف بلا تخمين،.. إننا أمام خبيء تذرع بزخرف القول، وهوى تجمّل بمعسول الكلام، وتدبير استبطن السم الزعاف، ثم هي من قبل ومن بعد، أمانٍ صادفت خوالي القلوب فتمكنت منها، وأحلامٌ واهمة تربعت على خرائب النفوس فاستولت عليها.. إنه سراب يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ووجد الله عنده، فوفاه حسابه..
ذلكم هو الشر الذي طالما حرصنا على كفكفته، والسقوط الذي عملنا جهدنا على تداركه، والتردي في مهاوي الفتنة والانحراف - وكم كنا في غنى عنه - حتى كانت النهاية الصارخة - رغم النذير العُريان - التي كشفت التدبير الخفي، والداء الدويّ، والهوى المستحكم.. تلك كانت رغبتنا في الرد، ودافعنا في القول، ووقفنا مع الحق.. الذي لا نرى خلاصاً في غيره، ولا هداية في سواه.. شعوراً منا بجسامة المسؤولية، وثقل الأمانة، ونفاسة الهدف والمطلب والغاية.. مرددين مع شوقي:
في التفاتة فاحصة إلى الوراء، ونظرة ممعنة في صحائف النهضة الإسلامية - قبل قرن ونصف القرن من الزمان - وفي سير أعلامها المجاهدين، ورموزها الصابرين - ومع طلائعها المباركة انطلاقاً من الأفغاني وعبده وحسن البنا، ومن سار على نهجهم بإيمان، واتبع خطاهم بإحسان، وبارك جهودهم بعزم ووعي وتفان.. لا بد أن ترى ما يبهرك من الإيمان أرسخه وأقواه، ومن اليقين أثبته وأنقاه، ومن الوعي أكمله وأهداه، ومن الصبر والاحتمال ما يهزك إعجاباً وإجلالاً ويملأ نفسك تقديراً ومهابة، في وقت كانت عناصر بطولاتهم أشبه بالمعجزات، ومفردات إبداعاتهم أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، حيث تفتحت كل تلك الروائع على واقع أظلم من سواد الليل، وتخلف أمرَّ من جرعات العلقم، ومشكلات أعقد من ذنب الضب.. لكن عزائم أولئك الرواد كانت أقوى من ذلك الحال البائس، ووعيهم أمضى من جلاميد التخلف، وثباتهم أشدَّ - رغم قوى الظلام القاهرة - من سكون الليل الطويل، لقد وقفوا مبدعين في ذلك الوعي، مبتكرين في أساليب التحدي والإصلاح، محتالين لعوامل الشدّ المتخلف، والانحراف العنيد، كما واجهوا البغي الشرس والتقوّل الأثيم.. ثابتين على طريقهم بخطى لا تعرف التردد، متطلعين إلى أهدافهم بنظراتهم تهتك أسدال الظلام، وتبدد حلكة الليل البهيم، عازمين على تحقيق غايات واضحة، دونها القهر والعسف والطغيان.. فما وهنوا لما أصابهم في سبيلها، ولا ضعفوا أمام عثراتها، ولا استكانوا، ولكنه البذل والصبر والمضاء...
هذا حال السلف من رواد النهضة الإسلامية في العصر الأخير وقد وقفنا على طرف منه على الأسطر القليلة، لنقيس تلك الحال على حالنا اليوم ونقارن بين أعلام تلك النهضة، ودعاتنا هذه الأيام.. أليس في حالنا ما يخجل ويُعيب.. عندما نلين لأقل ريح، وننحني أمام أدنى عاصفة، وتزلزلنا مجريات الأحداث، لأنها تكدر صفو المستمعين، وتنغص عيش الهانئين.. كأن تلك الراحة هي الجنة الموعودة، والبحث عن السلامة والمبتغى المقصود.. بما بال أولئك الإخوة الذين ولدوا في كنف دعوات ناشطة، وتربوا تحت ظلال حركة هادفة، وشبوا يحملون رسالة سامية، كما ترعرعوا بين ظهراني دعاة مربين وقادة مخلصين، أناروا لهم من الطرق ما خفي والتبس، ومن المناهج ما تكشف وتبلج.. فلماذا تتنكس العزمات، وتخور القوى ويرتجف القاصد المستنير فرقاً عند أول الصدمات، وتنكسر الهمم لأدنى المزعجات، وترتد أهدافنا على أعقابها بلا غاية سامية ولا راية مرفوعة.. أهذا هو الصبر الذي كان على الطريق أول الخطى، ومع المسير الزاد والبشرى، وثمرته في العاقبة في الأشهى والأبهى..
أين هذا الصبر من نفوس ضاقت به ذرعاً فما وسعت، وخاست بعهده فما وفت، وتجافت عنه فما برت به وما ربحت.. وممن..؟ من نفر قدمتهم الظروف فما أحسنوا، ورشحتهم الأقدار فما تقدموا، ودفعتهم جماعتهم إلى الصفوف الأولى فحمحموا وأحجموا، لقد كان من نصيب هذه الحركة منهم الوكس الجائر، والحظ العاثر، ثم أليس هذا هو البخس والتطفيف، الذي جرّ على الحركة - بأيدي هذا النفر إياه - التعثر في المسير، والتخذيل أمام العدو والنصير.. كانت تريدهم أبراراً عاملين، فانقلبوا عليها جفاة ناكرين، كانت تعدهم ليكونوا صابرين صادقين، فأداروا ظهورهم مولين مدبرين..
بعد رعاية حانية، وكفالة شاملة وإغراء عريض، حظ هذه القضية فيهم عاثر وهدفها منهم خاسر.. لأنهم عاشوا لأنفسهم وطافوا حول ذواتهم، وانشغلوا عنها بمصالحهم، وذلك هو البغي الفاحش - وهو عليهم مرتد - وهي منهم - بإذن الله - في سلامة وعافية..
هل نذكر من أسباب هذا التردي الوبيل، والانحراف الشنيع، تلك الأماني الزائفة، والشعارات الخادعة، وزخارف الدعايات المضللة التي يعرضها الإعلام المدخول، ويمثلها حواة الأفكار الهابطة، وسماسرة الغزو النكد.. بزيفهم المكشوف، وخداعهم المأفون، ومكرهم بالليل والنهار، هل يريدون اجتيالنا عن حق عرفناه فالتزمناه، وطريق سلكناه فعشقناه، وهدف ارتضيناه حتى نلقى الله عليه.. هل يصح ونحن بهذه المثابة من حق وقوة ومنعة، أن نذهب مع الريح حيث ذهبت، وأن ننساق مع الدهماء، حيثما اتجهت، وأن نردد أقوال العامة ونحاكي الإمعات، ثم نزعم أننا نريد للقافلة السلامة، ولحالتنا المتعبة الصلاح، وللقضية الخير والانتصار..
ما دهانا – وقد ثقلت علينا الأعباء، واسودّت في وجوهنا الآفاق، واحتشدت أمامنا جحافل الشر والنفاق – نحمل وريقات نلملم بها قمامات الأفكار، ونجمع في سطورها حثالات الإعلام، ونحشو عباراتها بملتاث الأقلام، ثم نقدم طروحاتنا بما يناقض سواد الليل وبياض النهار...
هوىً متبع، وإعجاب ذي رأي برأيه، حمل بعض القوم بتقديم تلك النظريات، وجعل منهم منظرين لطروحات يزعم أنها تحقق المستحيل، وتخرج الزير من البير – كما يقولون -.. هل كانت تلك فلتة من لسان، أو إعراب عن بيان، أم تنفيس عن قلب عانى من عضّ الزمان، لم تكن – "ولم تقف عند قل كلمتك وامش"، بل هو نشرٌ للصحف بكل وسيلة، وحشرٌ للجمهور بمن حضر بعد دعوة من لم يحضر، وحشدٌ للأنصار على الأفكار المقترحة بتسويق رديء، ودعاية مبتذلة.. وآخرها ذلك المنتدى الملحق بموقع الجماعة بكل جرأة وغباء.. والحق أن ذلك النشر المفتعل والترويج الرخيص لم يكن ليحدث لولا أنها كانت رغبة مجموعة ضالعةٍ في هذا التدبير الخطير، والكيد المقصود، والشر المستطير لما وراء هذه الدراسة التي زعموا – أنها مقترحة - ....
لقد أدركنا مثل هذه المقاصد من البداية، ولم نغفل من مرامي تلك الطروحات مع اللحظة الأولى لإعلانها، لكننا منَّينا النفس بسلامة القصد، وبراءة النية، لكن السر انفضح، والمستور تكشف، وظهرت أبعاد المخطط بكل تفاصيلها.. فهي مجموعة تلك الدراسة تفصح عن دواخلها، وتعلن مشروعها لدى اجتماعها المرتقب السنوي أو نصف السنوي هذا الشهر، وهي تنوي تقديمه لذلك المحفل – بورقتهم المشؤومة التي تحمل الأماني العذاب!! والأوهام المحلقة الكذاب!! في الصلح مع النظام الذي لا يصالح، والرغبة في العودة إليه بما لا يرغب، والارتماء عليه وهو عنهم في شغل شاغل، وعداء بالأحقاد داغل، وهو يواجههم دائماً بكبر وصلف وإهمال..
بعد هذه الخطوة السافرة، والكرة الخاسرة، نكون على بينة لا غموض فيها من هدف هذه الدراسة المقترحة، التي جاءت متخطية كل الثوابت، متجاوزة كل الخطوط، هازئة بكل الجهود، لمن سبق من أبناء هذه الجماعة، أو هو قائم فيها، أو هو ما قادم إليها، ولك أن تتصور – أخي القابض على الجمر – فظاعة هذا المسعى، وتفاحش هذا التدبير، والانهيار المنتظر منه، والدمار اللاحق من ورائه، لقد أخذ هذا التيار طريقه إلى الكارثة، غير عابئ بالحرمات، ولا مراعٍ لما يجره توجهه هذا من خطر دائم وفشل قادم، وبخاصة أن عمله لم يكن في يوم من الأيام بمثل هذا النشاط المتوقد، والحراك الدؤوب، لكنها المخالفة التي تدفع إلى الحماس، والعناد الذي يؤدي بباطله إلى اليأس، والصراخ الذي يعلو " ليكن بعدي الطوفان ".. وإلا فأين التشاور الواسع بين الإخوان، والحوار الشامل على جميع الأصعدة، والأخذ بالأصلح والأحوط، والابتعاد عن دوافع الإحباط ومآلات المجازفة غير المحسوبة، والتردي المريع حتى ولو كان في غضب الله...
أين التربية على الصحيح من المبادئ، وأين الصياغة السوية للشخصية الإسلامية، لماذا نخفق في كل هذا، فنندفع إلى مقولات استفزازية، وطروحات مفاجئة مدهشة، وخطوات في التحرك عن الكثيرين تفسيرها، وحار العقلاء في مسوغاتها.. إلى أن حدث ما حذر منه بعض الغيارى على هذه الدعوة، وقلة من النابهين في هذه القضية، فقرأنا لهم "هذه المقولات" لا نشكك في الوسائل من أجل تطويرها، ولا بالذرائع من أجل تقويمها، ولكن بالأهداف من أجل تحويرها، وبالثوابت لتحويلها، وهي ترى الأسود أبيضاً، والحسن قبيحاً، والعدل ظلماً وباطلا..
والآن بماذا نسوّغ هذا الأمر، هل نعيده إلى الزمن الثقيل الذي طال على النفوس فجزعت، أو بالأحداث التي تراكمت فأيأست وأحبطت، أم بالدعايات التي يتولاها إعلام مدخول فتهتز أمام جبروته العقول، وتنحني له القامات، وتنهزم أمامه العزمات، أم أن وراء كل هذه التصرفات عوامل نفسية، واضطرابات سلوكية، ومحركات شخصية.. الذي يمكن أن نصل إليه الآن وبعد كل هذه التطورات الشاخصة، والتفاعلات القائمة، والأخبار الأخيرة المتسربة، أن لكل هذه العوامل حضورها الفاعل وتأثيرها المتكامل.. بل الأمر يتعدى كل ذلك إلى ما سبق من زمن لمجموعة "القيادة والسيطرة" التي مهدت لكل هذا الانهيار وهي غير خافية على أحد - وفيما لحق من انتظار لوعود السلامة!! وإشارات الوسطاء التي يرتاح إليها حملة هذه الأحلام الكواذب، وتجار أمانيها الزائفات، وقد منّتهم - على مدى مسيرة هذه الجماعة - ثم فجعتهم مرة من بعد مرة - وتاريخ هذا السقوط محفوظ في ذاكرة الأجيال، مدوّن في قلوب الرجال، ولكن أنَّى للمدنف الولهان أن يرعوي عن تقبيل ذا الجدار وذا الجدار، ومتى يسلو المحب الولهان عن حبيب جفاه وعشيق ارتضاه، ولكن عن هوى ليلى وحبي زيارتها فإني لا أتوب..
إذن ليس الأمر هو إصلاح الجماعة، ولا النهوض بها من كبوات لحقت، أو انتكاسات قلعت وأخرت..، وإن الشعارات التي عرضتها "الورقة" التي سقطت - ورغم ما فيها من جرأة على الحق متجاورة -، وإثارة للمشاعر فاضحة، وعبث في مواضع لا تحتمل هذا الهزل، وإلا فما معنى أن ننقلب على "المسلمات" إذا كانت كما قيل " مسلمات فهي مقبولة للجميع لا تحتاج إلى تغيير ولا هي موضع تساؤل أو تبديل.. فتأمل القضية الثانية التي تثيرها الورقة حول محور المقاومة في النظام السوري وإيران وحزب الله، وهي تدعي أن هذا المحور هو صاحب الحق كل الحق وغيره على الباطل، فإذا كان الأمر كذلك، فمن قال إننا ضد الحق الذي يمكن تلمسه فيه، لكننا لسنا مع الباطل الذي يخفيه، ويتظاهر بغيره، أما مقولة الفصل بين الديني والسياسي، فقد انهارت أمام ما قدمناه في خطابنا السابق من حجة ظاهرة وبرهان دامغ.. ولن ندخل في تفاصيل أخرى، تجاوزتها الأحداث، وظهر ما وراء أكمتها ما ظهر..!
بقي لنا أن نعيد على صاحب " الورقة " ومن يحيط به ما كتبناه في صدد دعوته للارتماء في حضن النظام السوري.. " إن هذه الدعوة تخرج عن نطاق العقلانية وهي تحمل كل معاني الانهزام، وأخشى أن أقول إنها أشبه بالتولي عند الزحف.. أما أنها غير عقلانية، فإن من يعرف النظام وعداءه لكل ملامح العدل والخير والإصلاح لا يمكن أن يتحدث بمثل هذا النمط من الأفكار، وأما أنها تحمل معاني الخيبة والانهزام فلأنها خيانة لأجيال من المسلمين قدمت الغالي والنفيس لتنصر دين الله، وتعلي كلمة الحق، ثم يأتي من يرجو كلمة عطف من هذا النظام المجرم، أو إشارة رضى من جلاديه، وأما أنها أشبه بالتولي عند الزحف، فلأننا أبناء دعوة، المحنة فيها مرحلة أساسية في انتصارها، وقضية مسلمة في جهادها، وإن أي تردد في الثبات على عقيدتنا والتمسك بثوابتنا باسم السياسة أو ضروراتها، أو المصلحة وتوابعها هو نكوص عن الحق وتخلِّ عن موجباته.."...
هذه بعض ملامح هذه الورقة قلنا فيها رأينا سابقاً، وأكدناه الآن، ونكشف بمحمل هذا المقال أن القضية أبعد من خطوط متهالكة في هذه الورقة، أو أفكار مهلهلة في سطورها، إنما هي رسالة ذات معنى، وبريد من حبيب إلى حبيبه، مغزاها - يا هذا - نحن هنا برَّحنا الغرام، وشفَّنا الوجد، وانهارت قوانا من الوله، نطلب من الحبيب نظرة، وننتظر منه التفاتة،.. لك ما تريد - أيها الحبيب - فقد أسقطنا كل حقوقنا، ونسينا كل ثوابتنا، وتخلينا عن كل أهدافنا، وارتمينا تحت أقدامك، بما بقي لنا - إن كان بقي من - كرامة -، وتجرّدنا في حضرتك حتى من آخر ثيابنا، ها نحن الآن عرايا،.. كلّلَنا الخزي، ولبسنا العار، وأوهننا الذل عصاة مارقين،.. أسقطنا الندم، فافعل ما تشاء، ولك العتبى حتى ترضى، .. ولا حول ولا قوة إلا بالله...
وسوم: العدد 850