أي منطق يحكم من يزعمون أن الشرائع الوضعية ملزمة لشرع الله عز وجل دون أن يكون ملزما لها؟
من المفروض أن البلدان التي تصرح دساتيرها بأن دينها الرسمي هو الإسلام أن يحكمها شرع الله عز وجل في كل أمورها وأحوالها إلا أن واقع الحال فيها أنها جميعها تأخذ بهذا الشرع في أمور معينة كالأحوال الشخصية ، بينما تأخذ بشرائع وضعية في غالبية أمورها وإن تعارض شرع الله عز وجل معها .
ومعلوم أن الشرائع الوضعية المهيمنة اليوم في المعمور تعود إلى وضعية ما بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت بغالب ومغلوب ، واقتسم الغالبون الغنائم وعلى رأسها بعد السيطرة على ثروات ومقدرات شعوب مستضعفة حق سموه حق النقض أو الفيتو ، وهو حق ينقض كل حق لا تقبله الدول الخمس التي تنعت بالعظمى ، وسر عظمتها أنها تملك أسلحة الدمار الشامل ،وهي تلوح بالتهديد بها ضد كل من يخرج عن طاعتها .
وفي ظل هذا الوضع برزت فكرة ما يسمى بالقوانين الدولية أو المتعارف عليها دوليا ، وهي شرائع من وضع الدول القوية والتي تعتبر ملزمة للدول الضعيفة التي من ضمنها الدول التي تنص دساتيرها على أن الإسلام هو دينها الرسمي .
ولقد تناسلت تلك القوانين ، وشملت كل نواحي الحياة ، وأصبحت تزاحم شرع الله عز وجل في بلاد الإسلام وأصبح الخروج عنها يعتبر خروجا عما يسمى شرعية دولية ، وهو خروج يستوجب يعاقب عليه بفرض قيود تكون أحيانا في منتهى القسوة عبارة كالحصار الخانق على سبيل المثال وغيره من الإجراءات العقابية .
وتتبنى الأنظمة في البلدان الضعيفة تلك القوانين مرغمة مخافة أن تصنف تصنيفا يعرضها لسخط أو نقمة الدول القوية صاحبة تلك القوانين . وتستعمل الدول القوية تلك القوانين كأوراق ضغط لابتزاز أنظمة وشعوب الدول الضعيفة .
ومن تلك القوانين الوضعية المفروضة عن طريق الضغوط ما يتعارض في البلاد الإسلامية تعارضا صارخا مع شرع الله عز وجل ، وتحاول أنظمتها إقناع شعوبها باعتمادها مسايرة لما تسميه معايير دولية .
ومن تلك القوانين ما يندرج تحت ما تسميه الدول العظمى صاحبة تلك القوانين حقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق تتعلق بالمرأة ، وهي قوانين تستهدف بالضبط وضعية المرأة المسلمة لنقلها إلى وضعية المرأة الغربية العلمانية باعتبارها الوضعية السوية والمستجيبة للمعاييرالمتعارف عليها دوليا . وبذريعة اعتماد تلك المعايير تم تغيير أحوال المرأة المسلمة في عمقها ، وأخرجت رغما عنها إلى ما حرمه عليها الشرع الإسلامي ، فنزع عنها لباسها الشرعي للكشف عما لا يسمح بالكشف عنه من جسدها ، واستهدف عفافها عن طريق تزيين الفاحشة لها ، وصور لها ذلك على أنه من حقوقها ومن صميم حريتها الفردية ، فانساقت بسهولة لهذا الخروج من ضوابط شرع الله عز وجل ، وصارت تعلن تمردها عليه ، وتحتمي بالقوانين الوضعية المناقضة له بل تطالب بإدانته ومحاكمته .
وتتولى طوابير علمانية خامسة مستنبتة عمدا في البلاد الإسلامية نيابة عن أصحاب تلك القوانين الوضعية الدعاية لها وتسويقها والاستماتة في الدفاع عنها ، وإعلان حرب لا هوادة فيها على شرع الله عز وجل واصفة إياه بكل نعت مشين من قبيل نعته بالتطرف والإرهاب والظلامية والأصولية والتخلف ... إلى غير من النعوت القدحية التي يشفي غلة حقدهم عليه .
وينتهي بهم المطاف إلى القول بأن القوانين الوضعية المتعارف عليها دوليا تعتبر ملزمة لشرع الله عز وجل ، بينما لا يلزمها، وبمثل هذا الحكم الذي لا يستقيم له منطق يراد إقصاؤه من واقع المسلمين لتحل محله تلك القوانين الوضعية التي هي قوانين دول الفيتو وترسانة أسلحة الدمار الشامل التي تنصب نفسها آلهة آمرة ناهية ، ويدها طولى تلاحق من تشاء ممن لا يخضع لقوانينها ، ومتى وأنى تشاء ، وفي نفس الوقت ترفع شعارات حقوقية مناقضة لواقع حالها . ولو صدقت في تلك الشعارات لخجلت من اعتمادها على الفيتو وعلى ترسانة أسلحة الدمار الشامل وهي بهما تجور، وتظلم، وتغزو، وتنهب، وتستبيبح كرامة الإنسان المسلم في كل ربوع العالم طالما ظل متشبثا بدينه وبشرع خالقه سبحانه وتعالى.
وسوم: العدد 853