سلطة الأمة في النظام الإسلامي
[باختصار من مقال منشور في مجلة الوعي الإسلامي - العدد 437 –]
ينفرد النظام الإسلامي عن النظم البشرية وعن النظم الدينية في أوروبا، بإرساء نظام الحكم أو الخلافة على قواعد منها:
أولاً: رئاسة الدولة تُستمد من سلطة الأمة عن طريق الاختيار، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم".
ثانياً: يباشر الحاكم عمله ومهمته بمقتضى عقد بينه وبين الشعب. هذا العقد هو البيعة، وهي بيعة خاصة بينه وبين أهل الحل والعقد بوصفهم نوّاباً عن الشعب، ثم بيعة عامة بينه وبين الناس جميعاً.
وأهل الحل والعقد ينوبون عن الأمة ويمثلون العلماء وحكام الأقاليم ورؤساء القبائل والمجموعات المهنية والعلمية، والحاكم لا يختار هؤلاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب إلى الناس أن يختاروا له نقباء عنهم.
ثالثاً: يرتكز هذا النظام على الشورى، وهي تختلف عن الديمقراطية في أمور، وتتفق معها في أمور:
1- النظام الديمقراطي يخول نواب الأمة سلطة التشريع من دون الله، ولا يجوز لأحد في الإسلام التشريع مع الله، لأن أهل الشورى ليس لهم ولا للحاكم عصمة تخولهم التحليل والتحريم مع الله تعالى.
فالسلطة التشريعية ليست مطلقة بل مقيدة بالشريعة الإسلامية، فلا يجوز لهم التشريع إلا من خلال القرآن والسنّة، ولا يجوز الاستبداد بالسلطة وإهدار الحقوق والحريات لمجرد أن أغلبية المجلس قد وافقت على ذلك، فهذه الحقوق ثابتة في القرآن والسنة فلا يملك أحد أن ينتقص منها.
2- وتتفق الشورى مع الديمقراطية في أمور أهمها: أن الأمة هي التي تختار أهل الشورى، وهي التي تختار الحاكم ولها عزلُ هؤلاء ومحاسبتهم.
ففي بيعة العقبة الثانية حضر سبعون رجلاً من أهل المدينة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً، يكونون على قومهم بما فيهم". حديث صحيح.
فالبيعة عقد يُلزم الشعب بالطاعة والولاء للحاكم في غير معصية. عن عبادة بن الصامت قال: "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثَرَةٍ علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم فيه من الله برهان". رواه البخاري.
لهذا عرّف ابن خلدون البيعة بأنها العهد على الطاعة، وهي تدل على أن الخليفة أو الأمير نائب عن الأمة.
وبيعة الطاعة هي البيعة العامة من الشعب، وهي عقد بين الشعب والحاكم، وتجعل الطاعة للحاكم ما أطاع الله ورسوله.
وأهل الحل والعقد يمثلون الأمة في اختيار الحاكم ومحاسبتهم له وعزلهم إياه، ولكن هذا الاختيار ليس نهائياً، إذ يجب عليهم تقديم الحاكم المرشح منهم إلى الأمة، فلا يصبح إماماً وخليفة إلا بمبايعة الشعب له عن رضا واختيار. قال ابن تيمية: "لو أن عمر بن الخطاب وطائفة معه قد بايعوا أبا بكر وامتنع سائر الصحابة عن مبايعته لم يصبح إماماً، إنما أصبح إماماً بمبايعة جمهور الصحابة".
وتختلف البيعة للرسول صلى الله عليه وسلم عن البيعة للخلفاء من بعده، فالبيعة له بيعة طاعة وانقياد، لأن اختياره كان من الله تعالى، كما أن التشريع الصادر عنه كان بوحي من الله، وأما ما خرج عن دائرة الوحي فهو خاضع للمشورة بين الصحابة، كما حدث في غزوة بدر وغزوة أحد وفي غزوة الأحزاب، وفي غير ذلك من أمور الدنيا.
يقول الإمام الباقلاني: "وهو في جميع ما يتولاه وكيل للأمة ونائب عنها، وهي من ورائه تسدده وتقوّمه... وتخلعه وتستبدل به غيره متى اقترف ما يوجب خلعه".
والخلافة تمتاز عن النظم البشرية بأن رئيس الدولة كآحاد الناس، فيعاقَب مثلهم أمام القضاء. كما أنها ليست نظاماً دينياً كالحكم الديني الكنسي. حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله". رواه البخاري.
ولقد التزم الصحابة بهذه النصوص والقواعد التي تقرر أن الحاكم يختاره الناس ويحاسبونه، فليس معيّناً من الله كما هو الحال في النظام الديني في أوروبا في العصور الوسطى، حيث كان يزعم الحكام أن الله قد اختارهم لهذا المنصب. إنه عندما اختار الصحابة أبا بكر وبايعوه لرئاسة الدولة، قال في خطاب تولي هذه الأمانة: "أيها الناس، إني وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني". ثم ختم بيانه للناس بقوله: "أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإن عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
عزل المسؤولين:
لا يجوز للوزير عزل من عيّنه الخليفة من الولاة، ويجوز للخليفة أن يعزل من ولاه الوزير.
ويُعزَل الوالي إذا أخطأ، أو أهمل، أو خان الأمانة.
وقد سار الخلفاء الراشدون على عزل الوالي لمجرد الشبهة ولو لم يثبت ضده فعل مشين.
يقول العز بن عبد السلام: "إذا أراد الإمام عَزَلَ الحاكم إن أرابه منه شيء، لما في إبقاء المريب من المفسدة".
وسوم: العدد 854