إخوة من أبناء الجماعة على طريق الشهادة والفداء
هم إخوة من أبناء جماعة الإخوان المسلمين السوريين، على طريق الشهادة في سبيل الله؛ بما عُرِفَ عنهم من ثبات على الحق، ورغبة في الفداء، وتمسّك بما عاهدوا الله عليه..
... الإخوة من أبناء المنطقة الشرقية في سورية المسلمة الثائرة.. نشأوا وترعرعوا على شواطئ الفرات الممرعة، الواعدة بمستقبل سورية لكل أبنائها بلا تمييز، ولا تسلّط ولا احتكار، ولا تعالٍ باسم الطائفة أو الارتباط بالقوى الكبرى القريبة والبعيدة..
من هؤلاء الشهداء الذين قضوا على الطريق المبارك، الأخ الصادق المجاهد، أبو طارق -خضر العكل- رحمه الله تعالى...
كان الأخ أبو طارق؛ من أبناء هذه الجماعة؛ صدقاً في القول، وإخلاصاً في العمل، وتطلعاً بأمل وثقة بمستقبل هذه الدعوة المباركة وانتصاراتها.. وعندما بلغت الجماعة أشدها في المنطقة الشرقية على أيدي هؤلاء الشهداء المخلصين، كان الأخ أبو طارق الأول في الإشراف والتربية، والأول في العمل والحركة، وكل ما يمكن أن نقول فيه من صفات في هذه الكلمة لن تكون وافية بحقه، ولا جامعة لسيرته، ولا كافية في الوفاء له.. الأخ أبو طارق من أولئك الرجال الذين يؤثرون الصمت على زائد الكلام وفضوله، والعمل الجاد الهادف على الأقوال والشروحات، والتحقيق بالفعال على الادعاء بالإنجاز. كان يتألم وهو يسمع ادّعاء المدّعين، وتشدّق المنظّرين.. كان يمتعض من كلام تجار الأحاديث الحالمة؛ منمّقة العبارات محلّقة الخيالات..
كان في طليعة القوم عزيمة ومروءة ونخوة؛ وهو بطبعه لا يزاحُم ولا يماري، وذلك هو خلق العاملين، وديدن الواصلين.
وأخ آخر من أولئك النفر الصادق من إخواننا في المنطقة الشرقية؛ وهو الأخ الحبيب أبو قيس رحمه الله تعالى، عبدالرحمن محمد الكبيسي، الذي بقي صامداً ثابتاً؛ ولم يخرج من مدينة الميادين حتى لقي ربه مؤمناً صابراً؛ وهو وسط النار ولا يحترق، وفي قلب العاصفة وهو يسخر من ريحها الصفراء... الأخ أبو قيس لا يختلف عن الأخ أبي طارق كثيراً في صمته وثباته الهادئ الدؤوب.. بل لعلّ أبرز ما فيه ذلك الثبات على المبدأ، والإصرار على الطريق الذي يعتقد أنه هو الحق بلا مساومة عليه، ولا حديث فيه ولا تراجع عنه بلا تردد أو حسابات دنيوية.. كان يعمل أكثر مما يقول وفي صدره قضية؛ هي كل دنياه وكل ما يعنيه في حركته وفكره وهواجسه.. وعندما أسترجع سيرة أخي المرحوم أبي قيس يقفز إلى ذاكرتي الحديث المعروف عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث قال عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما سبقكم أبو بكر بصوم أو صلاة، ولكن بشيء وَقَرَ في صدره"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد رأينا إخواناً لنا بحمد الله تعالى يُذكّروننا بأولئك الأصحاب الكرام في أطرافٍ من سيرهم المباركة الغنية بكل معاني الخير والسمو والفلاح، ونحن نتأسى بهم، ولن نصل إلى تلك الأطرف من سِيَرِهِم العطرة، ولكن نتعلق بما عند الله سبحانه لمن سار على آثارهم وهم القدوة والأسوة والمثل النبيل.
وأخ ثالث، وهم بحمد الله كُثُر، لكننا نتكلم عن بعض من أولئك الذين غادروا هذه الدار، وبقي لنا من آثارهم ذلك العطر الذي يَتَضَوَّعُ في دنيانا، ونحن نستذكر تلك السير المباركة الصادقة.. ذلك الأخ المرحوم أبو معاذ الحريري، من بلدة سفيرة، شرق حلب، فقد كان رحمه الله نموذجاً متفرداً في اقترابه من إخوانه في الميادين، حيث بدأ بالسؤال عندما جاء إلى المدينة، وسجّل في مدرستها الثانوية، وبدأ يسأل ويحاول المعرفة عن الجماعة، وعن بعض أعضائها المعروفين، حيث عرف الأخ أبو محمود -شكور- رحمه الله وآخرين، ولعله عرف أبو سعيد وأخي أبو عمر..، وقد حصل ذلك ونحن نحاول أن نتوسع في عملنا، ونرى في هؤلاء الشباب مستقبلاً لهذه الجماعة.. وقد جرت لنا معه ومع غيره لقاءات، حتى حميت الأحداث وكان ملاحقات حتى اضطر الإخوان إلى اللجوء إلى الصحراء، وكان الأخ أبو طارق في رأس الركب الذي قاد هذه المسيرة آنذاك مع إخوة آخرين، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر؛ نسأل الله القدير أن يجزيهم جميعاً خيراً وبراً وسعادة، دنيا وأخرى...
كان الأخ أبو معاذ جاهزاً لأي مهمة، فكان يقوم بدور المرأة صاحبة البيت في الصحراء، حيث يلبس ثياباً نسائية حتى يغطي على الإخوة من عيون جواسيس النظام ومن العيون المتطفلة التي تخدمهم.. حيث قضى الإخوة أشهراً، كان عندهم الأغنام التي ترعى الكلاء حول البيت، وهم يخرجون بها في تلك البادية المحيطة بمنازلهم، والأخ أبو معاذ رحمه الله يمثل المرأة التي تَرُدُّ عنهم أعين المتطفلين.. وقد مكثوا بهذه المهمة أشهراً حتى أنجزوا الكثير من المهام لعمل الجماعة في المنطقة، والتي حققت الأمن والسلام لأعداد كثيرة منهم.. وبعد استقرار الإخوة في بغداد، انصرف أبو معاذ إلى الدراسة حتى تحصّل على شهاداته العلمية، وكما كان ناجحاً في مهامه التعبوية، كان ناجحاً في دراسته وتحصيله؛ وقد أرى من المناسب أن أذكر تلك العفة النادرة، عندما كان الإخوان يقدّمون بعض المصاريف المادية لحاجات الإخوة الشخصية، كان رحمه الله يأبى أن يأخذ منها شيئاً، ويقول لهم وماذا أعمل بهذه المصروفات طالما أنا مع إخواني هنا، نأكل ونشرب وتؤمن لنا الحاجات الضرورية، حتى وصل مع إخوانه إلى بلد الاستقرار وأخذ مثل إخوانه نصيبه مثلهم، من مأوى ودراسة ونشاط.
كان جاداً ويطلب ماله مثل الآخرين بحق.. فتلك صفات من التعامل كشفت معادن الرجال.. وما أصاب الآخرين من بلاء أصابه، ولكن أبا معاذ رحمه الله كان مخلصاً في عمله، محافظاً على دينه واستقامته حتى لقي الله في حادث الحج في مكة المكرمة مع واحدة من بناته، رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة والأجر..
هذه كوكبة من إخواننا في المنطقة الشرقية، وهي لا تمثّل إلا عينة من نماذج كثيرة، قدّمت ما عندها من جهد وسعي وعمل.
جمعنا الله بهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً
وسوم: العدد 854