من أنتج الحليب.. ساد غيره
من أنتج الحليب.. ساد غيره
معمر حبار
مشكل الحليب الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام، دفع بصاحب الأسطر إلى العودة بعقارب الزمن إلى 42 سنة إلى الوراء، حين كان تلميذا بابتدائية بن سونة. يتذكر جيدا كوب الحليب الذي كان يُقدّمُ للأطفال صباحا قبل الدخول إلى القسم، وعلى الساعة العاشرة أثناء الاستراحة. ومازال الآباء والأجداد، يحدّثون الأبناء والأحفاد، بكوب الحليب، الكبير الحجم، الذي يُقدّم للتلميذ صباحا، أثناء الاستدمار الفرنسي للجزائر.
إن إمتناع المدارس عن تقديم كوب الحليب للتلاميذ، بسبب ندرته، أو سوء مذاقه ورائحته، أو إرتفاع سعره بالنسبة للبعض، ولّد عادة سيّئة للطفل، حيث أصبح يرفض نصيبه من الحليب في البيت، مانجر عنه مشاكل صحية في صغره وكبره.
بغض النظر عن الأسباب التي ذُكرت عبر أعمدة الصحف وموجات الأثير، فإن الوفرة المالية التي تعيشها الجزائر، وكذا الإمكانات المادية المتوفرة، تجعلها في غنى عن مايعيشه المجتمع من طوابير حول أكياس الحليب.
وللتدليل على ذلك، يكفي التأكيد بأن مقاطعة فرنسية، تنتج 9.4 مليار لتر من الحليب، وفي نفس الوقت، تستورد الجزائر، 7.4 مليار لتر من الحليب، مايعني أن مقاطعة واحدة، تفوق طاقتها الإنتاجية في مجال الحليب فقط، احتياج مجتمع بحجم الجزائر.
حين أثيرت فضيحة الرسوم المسيئة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، طالب أهل الفكر والدين وعامة الناس من الشعوب العربية والإسلامية، مقاطعة منتجات الدنمارك والدول الأوربية المساندة لها. وبعد محاولات لتعزيز عملية المقاطعة، لم يستطيعوا تنفيذها على أرض الواقع، والسبب في ذلك، أن المجتمعات العربية والإسلامية، وجدت نفسها تابعة بشكل مطلق للدنمارك والدول الغربية المؤيدة لها، فيما يخص الحليب ومشتقاته..
فالأم وهي حامل تستهلك الحليب الدنماركي. والرضيع وإلى أن يشب ويكبر، ينمو ويتغذى على الحليب الدنماركي. ومائدة الصباح والمساء، لاتوضع إلا وفوقها الحليب الدنماركي. أما عن الجبن بمختلف ألوانه وأشكاله، فلا تخلو مناسبة أو فرح، إلا وهو يزين الموائد والأطباق.
ولو وضعت أمامك، قائمة مساحة كل ولاية جزائرية، وقارنتها بمساحة الدنمارك، لألفيت أصغر ولاية جزائرية، تساوي أو تكبر الدنمارك. ويكفي أن الجزائر تحتل المرتبة 10 عالميا من ناحية المساحة، ب 2,381,741 كم² ، والدنمارك تحتل المرتبة 133، ب: 43,094 كم²، أي تفوقها ب 13.3 مرة.
أثناء بداية أزمة الحليب، كتب أستاذ جزائري، عبر عموده، يقول: أن مشكلة الحليب لاتكمن في شكل أو لون الكيس، إنما يكمن في تطوير إنتاج الحليب، وتدعيم الاكتفاء الذاتي، والسعي للتقليص من استيراد الحليب، والضرب بيد من حديد على الأيادي التي تتلاعب بقطرة الحليب.
إن قطرة الحليب لاتقل أهمية عن قطرة النفط. ودولا صغيرة المساحة، كهولندا وسويسرا والدنمارك، تملك قرار نفسها، وتتحكم في غيرها، لأنها تنتج حليبها بنفسها، وتصدره لغيرها، وتمنعه عن من يخالفها ويعارضها، ويترجاها من أمسى أسير حليبها. ويكفي أن قائمة العقوبات التي فرضت على بعض الدول العربية، تتضمن حظر تصدير الشوكولاطة السويسرية، لأن المعني بالعقوبة، لايستطيع أن يصبر على منعها.