ما وراءك يا عصام؟...
د. محمد عقل
قال المفضل : أول من قال ذلك الحارث بن عمرو ملك كِنْدة ، وذلك أنه لما بلغه جمال ابنة عوف بن محلم الشيباني وكمالها وقوة عقلها دعا امرأة من كندة يقال لها عِصام ذات عقل ولسان وأدب وبيان ، وقال لها : اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف ، فمضت حتى انتهت إلى أمها ، وهى أمامة بنت الحارث ، فأعلمتها ما قدمت له ، فأرسلت أمامة إلى ابنتها ، وقالت : أي بنية ، هذه خالتك أتتك لتنظر إليك ، فلا تستري عنها شيئاً إن أرادت النظر من وجه أو خلق ، وناطقيها إن استنطقتك ، فدخلت إليها فنظرت إلى ما لم تر قط مثله ، فخرجت من عندها وهي تقول : ترك الخداع من كشف القناع ، فأرسلتها مثلاً ، ثم انطلقت إلى الحارث فلما رآها مقبلة قال لها : ما وراءكِ يا عصام؟ قالت : صرح المخض عن الزبد ، رأيت جبهة كالمرآة المصقولة ، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل ، إن أرسلته خلته السلاسل ، وإن مشطته قلت عناقيد جلاها الوابل. وحاجبين كأنما خُطّا بقلم أو سُوِّدا بحمم تقوّسا على مثل عَيْن ظبية عَبْهَرَة بينهما أنف كحدِّ السيف الصّنيع حَفّتْ به وَجْنَتَان كالأرجُوان في بياض كالجُمَان شُقّ فيه فم كالخاتم لذيذ المبتسم فيه ثَنَايا غُر ذات أشَر تقلَّبَ فيه لِسَان ذو فصاحة وبيان بعقل وافر وجواب حاضر تلتقي فيه شَفَتَان حَمْرَاوان ...وأطنبت في وصف جمالها ومفاتنها، فأرسل الملك إلى أبيها فخطبها، فزوّجها إياه.
وروى أبو عبيد (ما وراءكَ) على التذكير وقال : يقال : إن المتكلم به النابغة الذبياني قاله لعصام بن شهبر حاجب النعمان وكان مريضاً ، وقد أُرْجِفَ بموته ، فسأله النابغة عن حال النعمان ، فقال : ما وراءك يا عصام؟
ومعناه ما خلفك من أمر العليل ، أو ما أمامك من حاله ، ووراء : من الأضداد .
قلت: يجوز أن يكون أصل المثل ما ذكرت، ثم اتفق الاسمان، فخوطب كل بما استحق من التذكير والتأنيث.
وأما قول النابغة :
( فإني لا ألومك في دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام؟ )
يضرب في الاستخبار عن الشيء.
وقد وردت عبارة (ما وراءكَ يا عصام؟) في قصيدة "عليا وعصام" أو "رلى عرب" التي نظمها الشاعر اللبناني قيصر المعلوف المتوفى سنة 1960م.
مجمع الأمثال للميداني
المستقصى في أمثال العرب للزمخشري