ويسألونك عن المرشد الجديد.. قل هو بيتر!
سليم عزوز
أخيراً، تمكنت بحول الله من الوقوف على اسم المرشد العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، بعد القبض على المرشد الدكتور محمد بديع، صاحب مقولة ‘سلميتنا أقوى من الرصاص’، وكان مثلي على يقين، من أن جماعة كجماعة الإخوان، لا يمكن أن يظل موقع المرشد العام فيها شاغراً. فقد اكتشفنا أن المرشد هو ‘بيتر غريست’، الزعيم الروحي لطاقم قناة ‘الجزيرة’ الانجليزية بالقاهرة!
‘بيتر’ نجل الحاج ‘غريست’ تم إلقاء القبض عليه في القاهرة مؤخراً، وتم تقديم الأجهزة الأمنية التي تمكنت من أداء المهمة بنجاح، على أنها أتت بالذئب من ذيله، بالرغم من أن هذا الذئب كان مختبئاً في أحد الفنادق الكبرى. وظلت برامج ‘التوك شو’ ليلة كاملة تحتفي بهذا الانجاز الأمني العملاق، وفشلت محاولات قناة ‘الجزيرة’ في وقت لاحق نفي التهمة، عندما استدعت والد ‘بيتر’، الذي قال إن نجله كان يؤدي عمله، وبدا شكلاً كما لو كان قساً من القساوسة الغربيين، فلم يشفع هذا الظهور، والتأكيد على أن ‘غريست’ خواجة أباً عن جد، في إدخال الغش والتدليس على الرأي العام!
الذي يؤكد أن رسالة الحاج ‘غريست’ لم تنجح في تبرئة نجله ‘بيتر’، أن النيابة العامة بعد واقعة ظهور ‘والد المتهم’ أصدرت بياناً تاريخياً، أكدت فيه على المعاني ذاتها، التي ساقتها الأجهزة الأمنية، فالخلية الاخوانية، التي جعلت من أحد فنادق القاهرة وكراً له اعترفت بالانتماء إلى جماعة إرهابية، ولم يعد الأمر يلتبس عليها الآن، فبمجرد ذكر كلمة ‘إرهابية’ تتجه أنظارنا نحو المقطم، حيث المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين!
الاعتراف سيد الأدلة، والمتهمون اعترفوا بالانتماء لهذه الجماعة وأن مهمة المرشد العام الجديد ‘بيتر غريست’ كانت تتلخص في قيامه بحذف وإضافة للمواد المكتوبة والمصورة، التي كان يتم تداولها.. يا له من قاتل محترف، يقتل الكلمات!
وهذا المجرم ‘العتويل’، لم يكتف بما سبق، ولكنه كان يتولى سداد المستحقات المالية نيابة عن أعضاء التنظيم، الذي كان ينفق يومياً مبالغ طائلة!
وعندما قرأت كلمة ‘طائلة’، في عريضة الاتهام، وجدتني على يقين من صحة الاتهام، فأخونا في الإسلام ‘بيتر’، لم يكتف بإنفاق الأموال وفقط، ولكنه حرص على أن يكون ما ينفقه مبالغ ‘طائلة’، وهذا مما هدد الأمن والسلم الدوليين.. ‘طائلة’ يا ‘بيتر’؟!
عابرة للقارات
من ‘روائع الاتهامات’ أن الخلية الإخوانية النائمة في أحد فنادق القاهرة المطلة على النيل، والتي يحدها من اليمين كوبري 15 مايو، ومن الشمال السفارة التونسية، تبين أن بحوزتها أسلحة مضادة للطيران، وصواريخ عابرة للقارات، تتمثل في أجهزة بث، وأجهزة لاسلكية، وهواتف نقالة، وقد سميت نقالة لأنه تم نقلها عبر الإبل من صحراء تورا بورا، وأن الخلية استخدمت هذه الأسلحة الفتاكة، في نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الرأي العام.
وكان لمثلي أن يغفر كل هذه الأفعال الدنيئة، لولا أنه تبين أن الخلية الاخوانية، هي المسؤولة عن تكدير الرأي العام، وأنا من كنت اسأل قبل القبض على عناصر الخلية، لماذا استيقظ من النوم صباح كل يوم وأنا ‘متكدر’، وقد صرت الآن لست متكدراً البتة، بعد أو وضعت الأجهزة الأمنية يدها على الخلية المسؤولة عن توريد مادة ‘التكدير’ في الطعام.
كل الصحافيين الذين تم القبض عليهم في زمن الانقلاب العسكري بمصر، تم توجيه تهمة ترويج أخبار كاذبة لهم، دون إحاطتنا علماً بهذه الأخبار وصحتها. وساع مهمته صناعة الشاي والقهوة في احد المواقع الالكترونية، تم إلقاء القبض عليه عندما تمت مداهمة الموقع، وكانت التهمة الموجه له: نشر أخبار كاذبة. وعلى أيامنا كانت الأخبار الكاذبة يتم دحضها بالأخبار الصحيحة، لكن في ظل الانقلاب فالأخبار الكاذبة لا تذكر على سبيل الحصر، فهي فقط تعد دليل إدانة يؤخذ بسببها الصحافي من الدار إلى النار، وربما تكمن مشكلة ساعي موقع ‘الإسلام اليوم’ في أنه لم يتدخل لمنع الصحافيين من نشر الأخبار الكاذبة، وبدلاً من أن يضع الشاي الساخن أمامهم، يضعه فوق رؤوسهم!
يا الل،ه يبدو أنني بالفعل بحاجة الى قدح من الشاي الصعيدي المعتبر، وقد حالت سلطات الانقلاب دون ذلك، لكي أتعذب وأنا اشرب شاياً كالشاي. والسيدة وزيرة الإعلام قالت مبكراً أن من يظهر على قناة ‘الجزيرة’، ليس مرحباً به في مصر، باعتبار ان مصر هي عزبة السيد الوالد!
على ذكر الأخبار الكاذبة، ففي الأسبوع الماضي، تم إحراق عدد صحيفة ‘الوطن’ الموالية للانقلاب، لأن المانشيت الرئيس للعدد كان عن ثروة عبد الفتاح السيسي التي قدرها بـ 30 مليون جنيه، استناداً إلى ما قالت الصحيفة انه مصادر عائلية، وهو نوع جديد من المصادر، على من يدرسون مادة الصحافة في الجامعات أن يدخلوه ضمن المنهج الدراسي المقرر.
اختراع الرقم
في تقديري أن قيمة الثروة هي من تأليف القائم على النشر، ربما لأنه نظر الى حاله فاعتبر أن 30 مليون جنيه تدخل في باب ‘الفكة’، ولم ينظر لحال عموم المصريين الذين يسألون الله ثمن ‘النشوق’، فقرر مجاملة السيسي باختراع هذا الرقم، قبل أن يقف على انه كانت كالتي قتلت صاحبها بحجر وهي تبعد ذبابة عن وجهه.
لقد أذيع أن صاحب الصحيفة هو صاحب قرار المصادرة، والذي قال إن هيئة التحرير هي التي قامت بذلك عندما تأكدت أن المعلومة ليست صحيحة.. حسناً وما هي المعلومة الصحيحة لا سيما وأنه السيسي وباعتباره مرشحاً لرئاسة الجمهورية فهو مطالب بإعلان إقرار الذمة المالية له، ولأجل هذا تراجعت أنا عن الترشح؟!
عندما يقال إنه تم العثور على أجهزة لاسلكية مع متهم فلا تندهش، فكثيراً ما نشر أنه تم العثور على ‘لاب توب’ في حوزة متهم، أو أنهم في لحظة مداهمة منزله عثروا على هاتف جوال من ماركة ‘أيفون’، وكأنه يستخدم في التجسس على مقر القيادة المشتركة لقيادة الجيوش في الجبال، إبان موقعة ‘ثعلب الصحراء’.
كان يمكن لـ ‘بيتر’ أن يشعر بالغبن، إن لم تكن عملية القبض عليه تمت بالصوت والصورة، فليس هو أقل من المرشد الذي سبقه، وقد ظل التلفزيون الرسمي والقنوات الخاصة تبث ليوم كامل عملية القبض عليه، كما لو كانوا ألقوا القبض على أيمن الظواهري، ولإثبات القدرة الأمنية الخارقة، التي تعلم أن يُخبئ القرد ابنه!
مع أن المسألة لم يكن فيها انجاز أمني يذكر، فالإخوان ليسوا أهل كر وفر، وهم مثار سخرية من الجماعات الدينية الأخرى لهذا الفشل، فلم تكن لديهم خطط للهرب، ولهذا كان الهروب في شقق مملوكة لإخوان أيضاً، وعندما ذهبوا لإلقاء القبض على أحد البرلمانيين الإخوان، في شقته بمدينة نصر وجدوا المرشد، لكن المرشد ‘بيتر غريست’ كان أكثر ذكاء عندما اختبأ في أحد الفنادق، ولهذا لم يتمكنوا من إلقاء القبض عليه بنفس سرعة القبض على زملائه في التنظيم.
الأجهزة الأمنية كانت تسعد في كل مرة تلقي القبض على اخواني هارب، فرحة الأبله ليلة دخلته، لنسهر مع برامج ‘التوك شو’، سهرة صباحي على أنغام ‘النهاردة فرحي يا جدعان’.
في حين، أن تنظيمات الكر والفر، جعلت الأجهزة الأمنية في حرج بين، فوزير الداخلية ظل يعلن أنه يعلم ان يختبأ عاصم عبد الماجد القيادي بالجماعة الإسلامية، وظل يبشرنا بأنه سيقع في يد قوات الأمن بعد ساعات، ثم بعد ساعة، ولم تأت الساعة، فقد ظهر عبد الماجد في الدوحة، وجن القوم، وطار صوابهم، وذهبوا يطلبون من الانتربول القبض عليه، مع أن هذا الطلب يكون بعد صدور حكم قضائي واجب النفاذ، لكن إصرارهم على الخطأ دفع الانتربول ليقر بعدم شرعية السلطة الحاكمة في مصر، وبالتالي ليس لها أن تخاطبه من الأساس، فبُهت الذي طلب.
حرمة البيوت.. وحرمة الأعراض
عندما تم القبض على المرشد العام تم تقديمه بالصوت والصورة، وعندما داهموا منزل نائب المرشد العام للجماعة خيرت الشاطر كانت الكاميرا معهم وهم يظهرون أنفسهم للرأي العام العالمي على أن عصابة هي التي استولت على الحكم في مصر، فداست على كل المحظور دستوراً وقانوناً بثقل البيادة، فلم تراعي حرمة البيوت، أو حرمة الأعراض!
لكن كان واضحاً أن سلطة الانقلاب تريد أن تفزع الناس، فلم يفزعوا، وكانت مداهمة الاستوديوهات بالصوت والصورة، وفي إطار سياسة الصدمة والرعب تم القاء القبض على الضيوف أيضاً، وكان هذا كاشفاً عن أن القمع صار هو أساس الحكم!
الانقلاب أغلق فضائيات، لم يكن بان موقفها، أخذاً بالأحوط، واللافت أنه في اللحظة التي تم فيها اقتحام مكتب قناة ‘الجزيرة’ بالقاهرة كان اثنان من المنحازين للانقلاب وضد الإخوان على الهواء مباشرة مع نوران سلام، هما حسن نافعة وعبد الخالق فاروق، ولم ير ثلاثتهم في هذا الفعل ما يستحق النقد أو الاستهجان، وإنما استمروا يهاجمون حكم الإخوان، الذي لم يروع صحافياً، ولم يداهم فضائية، ولم يغلق محطة تلفزيونية، رغم التجاوز، وإساءة استعمال حرية الرأي!
المدهش، أن الانقلاب الذي أغلق كل هذه الفضائيات في ليلة واحدة، لم تصدر في عهده سوى فضائية واحدة تليق به، هي ‘الفلول’، لأنه انقلاب استهدف ان ينتصر لهؤلاء الفلول. و’الفلول’ تملكها رمز الانقلاب الأصيل سما المصري، ولعل سؤالاً يطرح نفسه: كيف منحوا هذه الفضائية رخصة بالبث.. ولعل الإجابة عليها بسؤال آخر: ولماذا لم يمنحوا هذه القناة وصاحبتها رخصة، ونحن نشاهد أنه ما لم يذكر اسم عبد الفتاح السيسي في محفل حتى يكون الرقص هو اللغة المعتمدة لإثبات التأييد الشعبي الجارف.
فنانات الزمن الناصري وعهد السيسي
لا أدعي أنني شاهدت قناة ‘الفلول’، لكني أتابع ما ينشر عنها، وهو يؤكد أنها تمثل الابتذال منقطع النظير، فليس هناك تميز بين المحظور على الفضائيات والمناسب داخل علب الليل عندما تجد الراقصة ميداناً لمزاولة النشاط بعد حصولها على ترخيص بمزاولة المهنة.
سما المصري تربطها علاقات بدرجة أو بأخرى مع أهل الحكم الجدد، وكنا نلوم على أسماء بعينها في حكم عبد الناصر أنها كانت على علاقة بفنانات، لم تكن من بينهم راقصة واحدة، فقد كنا مطربات، لكن هناك انهيارا حتى في قيم العلاقات من هذا النوع، ربما استلهاما لفكرة فيلم ‘الراقصة والسياسي’!
فنانات عصر عبد الناصر لم يكن يحكمن، وأقصى ما سمعناه أن واحدة منهن استغلت علاقتها بالقائد العام للقوات المسلحة، لتستولي على فيلا وزير الأوقاف لأنها أعجبتها ومات الرجل بعدها كمداً!
لكن راقصة عهد الانقلاب، تمارس دوراً سياسياً يتمثل في التهجم على خصوم الحكام الجدد.. الدنيا تغيرت حتماً، وكان طبيعياً أن تتغير سياسات الاستخدام!
علي ذكر عصر خالد الذكر جمال عبد الناصر، فقد تم إلقاء القبض على الزميلة الراحلة نبيلة الأسيوطي، بتهمة كونها من الإخوان المسلمين في اعتقالات سنة 1965، وعبثاً حاول أهلها أن يؤكدوا أن نبيلة لا يمكن أن تكون عضواً في الجماعة ليس لأنها سافرة، ولكن لأنها مسيحية، وربما لهذا لم يبدد والد ‘بيتر’ وقته في أن نجله لا يمكن أبداً أن يكون عضواً في الجماعة الإرهابية لنفس السبب، فربما جاء الرد بأن ابنك هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين!
بيتر، ولأنه المرشد، بعد واقعة القبض عليه بأسابيع، تذكرت سلطة الانقلاب ضرورة أن تعامله معاملة المرشد السابق الدكتور بديع، أخذاً بمبدأ عدم التمييز وتكافؤ الفرص المنصوص عليه دستورياً، فقدمت فيلما لعملية القبض عليه، هو وأفراد تنظيمه، وقد لوحظ ان الفيديو جاء مصحوباً بالموسيقى التصويرية، يبدو أن الانقلاب لديه فائض من مخرجي الأفلام الهندية المضروبة.
فمن يبايع ‘بيتر’ على المصحف والمسدس، وفي المنشط والمكره؟!