إنهاء مأمورية توفيق عكاشة: لا تسأل لماذا سرحوه؟!
تم إنهاء خدمات توفيق عكاشة في قناة “الحياة”، هذا خبر الأسبوع الماضي، وإن كان ليس خبراً في المقاييس التقليدية، حيث ورد في الأثر إن الخبر هو “عض إنسان كلباً” وليس “عض كلب إنسانا”، فالأخير هو الطبيعي، فماذا فيه؟!
وعليه، فالخبر هو أن يعلم الناس أن عكاشة كان يقدم برنامجا يوميا على قناة “الحياة”، وليس في أنه تم الاستغناء عن خدماته فانضم طاقم العمل معه بذلك إلى قائمة العاطلين عن العمل، كما كتبت زميلة تعمل في برنامجه، على صفحتها على الفيسبوك، وهو المزعج في الموضوع، ولا يوجد رصد حقيقي لأعداد من يعملون في المجال الإعلامي، وقد فرض عليهم مغادرة المهنة، بعد فترة رواج في سوقها، انتهت في الانقلاب العسكري.
وكان المتابع مثلي لخطابات السيسي يلحظ أنه سيقدم على التخلص من أعداد كبيرة من العاملين في سوق العمل الإعلامي، والاستغناء عن أعداد من مقدمي البرامج، ولم يكن آخر هذا التلميح ما ذكره في حواره الدعائي للولاية الثانية مع المخرجة ساندرا نشأت في تساؤله: كيف يأتي مقدم برامج بكلام يقوله يوميا ولمدة ثلاث ساعات! فضلاً عن أن في اختياره مخرجة سينمائية للقيام بدور المذيعة، يعني أنه نفض يده من عموم مقدمي البرامج، وهو ما قلته مبكراً، ولو أغلقت قنوات المعارضة في تركيا، لانتهى بنا المطاف إلى قناتين، كما كان حاصلاً من أيام زمان، لينتهي البث في منتصف الليل!
فالسيسي يميل لفكرة سكون الوحدة العسكرية، على العكس من “أبو علاء” حسني مبارك، وليس عندي يقين أن الأول كان يملك جهاز تلفزيون في بيته، أو أنه كان من الذين يسهرون على مشاهدة البرامج التلفزيونية، وقد قضى حياته كلها في الجيش، حيث النوم المبكر والاستيقاظ باكرا، وعلى أفضل حال أنه كان يشاهد برنامج “نادي السينما” ثم ينام، ولهذا فقد ارتبط ذهنه في الإعلام بمقدمة البرنامج درية شرف الدين فاختارها وزيرة للإعلام في بداية انقلابه، وهي صاحبة أداء يبعث على النوم!
في حين أن “أبو علاء”، كان التلفزيون هو وسيلة تسليته الوحيدة، وإذ أخذ من الحياة العسكرية الاستيقاظ مبكراً، وأضاف إليها من الحياة المدنية السهر لساعات متأخرة من اليوم، فقد كان كثيراً ما يقوم بمداخلات في بعض البرامج، حتى فقد الأمر بريقه لأنه فعلها كثيراً، ولم تعد تمثل امتيازاً لمقدم البرنامج، وقد سمعت من أحد قيادات التلفزيون أن فكرة برنامج “صباح الخير يا مصر” جاءت من أجل التسلية للرئيس، الذي لا يجد ما يفعله عند استيقاظه مبكراً، ولم يكن مبارك من الصنف البشري، الذي يرهق نفسه بالمتابعة، ولو بقراءة الصحف، وقد تندر الصحافيون عندما التقطت له صورة عندما كان يعالج في ألمانيا، وهو يطالع صحيفة “الأهرام”!
موظف الرئاسة
في مكتب أحد الوزراء، حدث أن أشار إلى موظف لديه كان قد قدم له بعض الملفات وخرج وقال في صوت خفيض، إنه كان يعمل في رئاسة الجمهورية، ثم روى قصته!
لقد كانت مهمته أنه يقف في كل صباح الى جوار الرئيس المسترخي على كرسيه ويحتسي قهوته، فينقل له في عجالة المنشور في صحف الصباح، لينتهي من المهمة في أي شكل عند آخر رشفة، مهما كان الأمر!
وكان الفتى يركز على المنشور في صحف المعارضة، ويكتفي بمجرد عناوين، فلان كتب كذا وفلان كتب كذا، “كلمة ورد غطاها”، وذات يوم زمجر الرئيس وأطاح بفنجان القهوة في الهواء، وهو يصيح: خذوه من أمامي، إنه يتعمد أن ينكد علي في كل صباح. ومن حسن الحظ أنه لم يرجع الأمر إلى المؤامرة، فقط لأنه “ولد فقري” والنكد هوايته، ولأن رئيس الفتى المباشر لم يجد أنه تجاوز حدود الوظيفة، فقد طلب من هذا الوزير أن يلحقه بمكتبه!
فالتلفزيون كان وسيلة التسلية لمبارك، في حين أنه لم يثبت أن عبد الفتاح السيسي كان يتابع برنامجاً بعينه، أو أنه تأثر بمقدم برنامج، أو أنه كان يسهر مع برامج “التوك شو”، إنه من زمن “اشرب الحليب ونم”، لذا فإنه يرى في برامج “التوك شو” ومع تأييدها له، وهجومها على معارضيه، ضوضاء ينبغي أن تتوقف، لينعم الشعب بالاسترخاء، وبهدوء الأعصاب، لولا قنوات تركيا!
ولهذا فليس خبراً أن يُسرح هذا المذيع أو ذاك، ولم يكن تسريح توفيق عكاشة خبراً، لكن الخبر في أن كثيرين علموا، وربما للمرة الأولى أن المذكور عاد ليقدم برنامجا على قناة “الحياة” بعد أن غضبت عليه الآلهة، وظني أنه مدين لبرنامج “المسائية” على “الجزيرة مباشر” باتصال علم الناس بعودته وانهاء مأموريته!
لقد تحرك أهل الحكم فأغلقوا قناة “الفراعين”، وقبل أيام صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا بتأييد اغلاقها، بمقتضى اجراء تم من زمن الرئيس محمد مرسي. وتم اسقاط عضوية عكاشة في البرلمان، بحجة أنه استقبل السفير الإسرائيلي في منزله، وهي ورقة استخدمت لحرقه سياسياً، لكن الحقيقة ترجع إلى أنه اشتكى السيسي للسفير، الذي لا يريد تقاسم السلطة معه، فيترك له رئاسة البرلمان، وكان عكاشة يعلن أنه صاحب الثورة التي أسقطت مرسي، ألا وأن السيسي استفاد من ثورته فصار رئيساً، فليس أقل من أن يكون هو رئيساً لمجلس النواب!
كان يعيد في هذا ويزيد، وكانت شكواه للسفير الإسرائيلي هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وأحيل للمحاكمة بتهمة تزوير شهادة الدكتوراه، وتقريباً قيل إن الشهادة التي يحملها وتعامل بمقتضاها مع جهات رسمية، حصل عليها من “كشك لبيع السجائر” في واشنطن!
العودة لـ “الحياة”
وكان واضحاً أن ما يحدث هو “قرصة أذن”، ليس إلا، فلم يكن مطلوبا الاجهاز عليه تماماً، ومن الواضح أن هناك في السلطة من أبسطوا عليه الحماية، لأنه لو أريد تدميره لتم التحقيق في قضية حصوله على أربعة آلاف فدان (مبان) مملوكة للدولة بالمجان تقريباً، وقد نُشر أن نيابة دمنهور بدأت التحقيق في بلاغ بشأنها، ثم لا حس ولا خبر بعد هذا الإعلان!
وبعد سنوات من ذلك، كانت المفاجأة في عودته مذيعا في قناة “الحياة”، لكنه فقد الكثير، فقد عاد بدون اللقب: “الدكتور”، وعاد بدون مساعدته: “حياة الدرديري” التي كانت تسرف في ذكر اللقب، وقد تملكه إحساس أنه السادات عندما كانت تحاوره المذيعة همت مصطفى، حتى في نغمة الصوت وهو يخاطبها يـ “حياة”، قبل أن يتطور الأمر إلى “أستاذة حياة”، تماما كما كان ينطق السادات اسم “همت” في مقابلاتهما التلفزيونية، لكن الرئيس الراحل لم يخاطب المذيعة الراحلة بلقب الأستاذة!
لا تقل لماذا عزلوه، فالسؤال الأهم هو لماذا جيء به بعد التشهير به واتهامه بالتزوير في محررات رسمية، بما يفقد الثقة والاعتبار في حال صحته؟!
كثيرون من مقدمي برامج “التوك شو” تم تسريحهم، مع أنهم لم يقوموا بما قام به توفيق عكاشة، بالمن على السيسي، فحتى لميس الحديدي، في كل ولائها تم تسريحها، وإن عادت أخيراً عقب برنامج على قناة “الحدث”، هل هناك من يتابعها؟! وعاد إبراهيم عيسى عبر قناة “الحرة”، بما لديه من بديل جاهز في زمن الاستبداد، تضيق عليه السلطة فلا يناضل ضدها ولكن يهرب مناضلا ضد الإمام البخاري!
إنها عودة بدون روح، تماماً كعودة توفيق عكاشة، وقد انتهى وكانت عودته تأكيدا على أن زمانه قد ولى، لكن لا أعتقد أن هذا هو السبب في انهاء مأموريته، فقد ربط في آخر حلقة له بين “صفقة القرن” والكتاب المقدس، الذي قال إنها تمت بموجب نصوصه، لكن قد تكون هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وفي زمن تنازع الاختصاص بين الأجهزة الأمنية، قد يكون استغلال ما قال للإطاحة به من قبل جهاز آخر!
فتنازع الاختصاص هذا عرفناه في قضية “شبكة الماريوت” التي شهدت محاكمة ثلاثة من صحافيي قناة “الجزيرة” الإنكليزية، يعملون في مكتب القناة في هذا الفندق الشهير، ومن الواضح أن جهازاً أمنيا وافق على أن يعملوا من القاهرة، في حين أن جهازاً آخراً دخل على الخط، وفي الأسبوع الماضي تنازل أحدهم عن دعوى رفعها ضد شبكة “الجزيرة”، وتساءل كثيرون لماذا فعل؟! ولأن التنازل مثل مفاجأة للبعض فكان التساؤل هل دفع له القطريون؟
لقد أذيع في الصحافة الأمريكية أنه تلقى أموالاً من الإمارات مقابل رفع هذه الدعوى للتشهير بـ “الجزيرة”، ولا توجد دولة على كوكب الأرض يمكنها أن تنافس الإماراتيين في عملية الدفع والشراء، والذين ينفقون على الاعلام والإعلاميين والشراء والبيع إنفاق من لا يخشى الفقر!
ثم لماذا يشتريه القطريون، ولا توجد قضية من الأساس تستدعي هذا، غير أنه وجد في جلسات المحاكمة أنها ستتحول إلى محاكمة له ولمن دفعوا به لذلك، وفي تقديري أن هذا كله تم باتفاق مع الجانب الإماراتي خوفا من ذيوع الفضيحة وتجددها، والخسارة المؤكدة للقضية ستدعم موقف “الجزيرة” في طلب التعويض المناسب!
وإذا باع أبو ظبي، فهل تغفر له الأجهزة الأمنية ذلك؟ التي في صراعها يتحطم العشب، الذي هو توفيق عكاشة، الذي أراد أن يغير من جلده ويهاجم “صفقة القرن”، من باب أنها صفقة تمت بمقتضى الكتاب المقدس، فماذا عن السيسي إذن وقد أيدها؟!
لا تسأل لماذا سرحوا توفيق عكاشة، ولكن سل لماذا أعادوه مذيعاً؟!
وسوم: العدد 863