مواجهة الشعوب للمشكلات .. كورونا مثالاً
الكيفية التي تواجه بها الشعوب مشكلاتها مصدرها ثقافتها وعقيدتها وتربيتها وموروثها التاريخي وواقعها السياسي ومستواها العلمي . وبتباين هذا المصدر المتنوع تتباين الكيفيات التي تواجه بها ما يعترضها من مشكلات كبيرة أو صغيرة . وجاء وباء كورونا ( كوفيد _ 19 ، وكوفيد اختصار ل " مرض فيروس كورونا " بالإنجليزية ) الذي بدأ في ووهان بالصين ، ثم اتسع حتى صار عالميا ؛ اختبارا لكل الشعوب ، وأولها الشعب الصيني . تحركت الثقافة الصينية العريقة والروح الصينية الصبور لابتكار وسائل صد الوباء والقضاء عليه . صنعوا اللقاح المضاد ، وابتكروا وسيلة لتشغيل المصاعد دون لمسها باليد ، وقللوا التخالط بين الناس ، فقل الضحايا ، وبدأ الوباء بالانحسار ، والدليل أن آخر الإصابات به في يوم واحد عشرة أشخاص . لم يقف الصينيون أمامه عاجزين حائرين يرددون عبارات اليأس والعجز والحيرة أو يستغيثون العالم . إنها الثقافة الصينية في لحظة اختبارها ، ثقافة الهدوء في مواجهة المشكلات ، وجودة التفكير ، وفاعلية التدبير ، وصناعة الحلول بالمتاح . وقبل كورونا ، حلت الصين مشكلة المواصلات لمواطنيها الأكثر عالميا باستعمال الدراجات ، فحلت مشكلة كبرى هي مشكلة توفير الوقود الذي تحتاجه السيارات . مبالغ هائلة كانت ستنفقها في استيراد هذا الوقود ، وفي استيراد السيارات . وأرادوا محو الأمية ، فابتدعوا أيسر الحلول وأدناها كلفة . ثبتوا لوحات على جذوع الأشجار في الريف ، وساح المعلمون يقدمون دروسهم مستعينين بتلك اللوحات لمواطنين جلوس على الأرض . وأرادوا التخلص من الطيور التي تأكل الحبوب في البيادر ، فاقترحوا على الفلاحين إزعاج تلك الطيور بالدق على قطع الصفيح حتى لا تستقر ، وتواصل الطيران إلى أن تهوي منهكة وتموت ، وعلى ما في الوسيلة من وحشية وحرمان للناس من متعة مشاهدة الطيور والاستماع إلى أصواتها الجميلة إلا أنهم حموا غذاءهم لإطعام ملايينهم . وحلوا مشكلات نقص المواد الخام اللازمة للصناعة بتدوير المواد المستعملة في بلادهم ، وباستيرادها من الدول الأخرى . وهم هنا يستفيدون من بقايا كل ما يستعملونه أو يأكلونه . روى الراحل محمد حسنين هيكل أنه تغدى عند مضيف صيني ، وفاجأه أن ذلك المضيف لم يرمِ أي جزء من البطة التي غداه بها ، وأنه جمع كل بقاياها للإفادة منها . وأعظم نجاحاتهم في مواجهة مشكلاتهم بحلول ناجعة فعالة حلهم لمشكلة عددهم الكبير . حددوا النسل في البداية بطفل واحد للأسرة ، وانتهوا الآن بأن جعلوه طفلين بعد تحسن مستوى معيشة مواطنيهم تحسنا واضحا حتى اقترب عند بعضهم من الترف الذي نرى مظهره في كثرة السياح الصينيين في العالم . وأعظم حلولهم لهذه المشكلة تحويل البيوت الصينية إلى أماكن إنتاج ترفد المصانع بما يلزمها من أجزاء مصنوعاتها . قلبوا كثرة السكان مصدرا للإنتاج بدل أن تكون عبئا على اقتصاد البلاد ومصدرا لمشكلات اجتماعية وسياسية كثيرة وخطيرة . ولو لم تكن الصين شعبا منتجا معتمدا على ذاته لربما صارت دولة عدوانية تغتصب مصادر عيشها بالعدوان والمؤامرات في جوارها وأبعد من جوارها . وهي في هذا السلوك الفعال والأخلاقي نقيض كامل لأميركا التي على ما حباها الله _ عز قدره _ من الموارد الطبيعية الوفيرة المتنوعة ، والأراضي الواسعة الخصبة ، وقلة السكان نسبة إلى الصين ؛ أكبر شرير عرفه التاريخ ، وأكبر معتدٍ ومتآمر ، وأكبر نهاب لأي ثروة تصل إليها يدها ، وهي تسرق الآن نفط سوريا على قلته ، وعلى فقر سوريا وبؤسها ، وهذه الشخصية الشيطانية المدمرة لأميركا جعلت الكاتب الأميركي جاك باولز يجردها من صفة الدولة ، ويسميها " الشركة أميركا " التي لا يهمها سوى الربح من أي مصدر وبأي وسيلة . وأظهر وباء كورونا نوعية ثقافة وشخصية شعوب أخرى مع قلة الإصابات فيها أو عدمها . اخترعت جامعة أوتريخت الهولندية لقاحا قالت إنه قد يصبح متداولا خلال شهور ، وأعلنت إسرائيل اختراعها لقاحا . وفي الهند ، حيث تتلاصق الخرافة والعلم الحديث ، اخترع لقاح ، ودعت مجوعة هندوس إلى استعمال بول البقر لعلاج الوباء بزعم قداسته ! المفاجأة كانت إيران التي تلوت ألما من قسوة ضربات الوباء ، ومات منها المئات ، ولم تصنع أي لقاح ، واستغاثت العالم لمساعدتها ، ورفضت مساعدة أميركا ، ولاشك أن الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية أضعفت قدرتها على مواجهة الوباء . وفي مصر ، أعلن أنها صنعت لقاحا ، ونفي الخبر حالا . الخبر الجيد غالبا ما يكون كاذبا في العالم العربي ، والسيء يصدق دائما . وزادوا الطين بلة في مصر ، فاتهم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة الإخوان المسلمين بدعوة بعض مصابيهم لنشر الوباء بين رجال الجيش والشرطة والإعلام والقضاء وغيرهم من أبناء المجتمع ! وفي بلد آخر فيه قانون ومساءلة وحقوق مواطنين مادية ومعنوية مكفولة دستوريا ومعمول بها فعلا ؛ سيفصل الوزير لقصور أهليته لمنصبه الذي أفشاه اتهامه الذي صب عليه سخريات الإعلام الموازي من مختلف المتابعين . ثقافة الشعوب وما يتصل بها من مؤثرات تصنع كيفية مواجهتها لمشكلات حياتها المتواصلة والمتنوعة تواصل الحياة الإنسانية وتنوعها . ودائما : " على قدر أهل العزم تأتي العزائم * وتأتي على قدر الكرام المكارم "
" وتعظم في عين الصغير صغارها * وتصغر في عين العظيم العظائم "
مثلما يرى المتنبي الخبير بأحداث الحياة وطبائع الناس .
وسوم: العدد 868