لا شماتةَ في المرضِ ولا دعاءَ في ابتلاءِ أحدٍ
مخطئٌ من ظن أنه ناجٍ من المرض أو لا يصابُ به، وأنه لن يطاله ولا أحداً من أهله وأحبابه، وأنه سيكون بمنأىً عنه وغير معرضٍ له، فهو محصنٌ ومحميٌ، ومحفوظٌ ومصان، ومقروءٌ عليه ومرقيِّ، وكأنه قد أخذ من الله عز وجل موثقاً ووعداً، أو قطع معه سبحانه وتعالى عهداً، أنه لن يبتليه بالمرض، ولن يمحصه بالفتنة، ولن يصيبه بسوءٍ أو يلحق به ضرر، وأن الوباء الذي ضرب العالم بأسره والشعوب كلها سيتجاوزه إلى غيره، وستنجو منه أمته وشعبه، ولن يصاب به سوى أعداؤه ومن يكره، وخصومه ومن لا يحب، والظالمون من الدول والضالون من الأمم، فابتهج وفرح، وطرب وسعد، وطفق يدعو الله عز وجل أن يصيب بهذا المرض أقوماً وينزل سخطه عليهم دون غيرهم، إذ استحقوا بما ارتكبوا من موبقاتٍ العقاب، وما أصابهم ليس إلا من جنس عملهم، وهو انتقامٌ من الله عز وجل منهم، جزاءً نكالاً بما كسبت أيديهم واقترفت نفوسهم.
هذه الفئة الضالة الجاهلة لا تقتصر على دينٍ أو مذهبٍ، أو على طائفةٍ وجماعةٍ، إذ يشترك فيها كثيرون من الجهلة، ممن يتشابهون في مشاعر الحقد والكره، والبغض والعداء، ولعل أولهم اليهود الذين ارتفعت عقيرة حاخاماتهم بالدعاء على العرب والمسلمين، وشرعوا يسألون ربهم أن يرسل عليهم سخطه، وأن يحل بهم غضبه، وأن ينجي شعبه المختار من المحنة والمرض، فهم وحدهم –بزعمهم- الذين يستحقون الحياة ويستأهلون النجاة، وأخذوا ينفخون في المزامير ويطوفون في البلاد، ويرتلون في صلواتهم أدعيةً حفظوها وتراتيل امتهنوها، تنز عنصريةً وكراهيةً، وتتشبع بغضاً وحقداً، بأن يأخذ الله عز وجل العرب والفلسطينيين وأن ينجيهم من شرورهم وأضرارهم، فهم الداء والوباء، وهم العلة والمرض، والأدهى أن الذي يقول بكلامهم إنما هم كبار حاخاماتهم وزعماء طوائفهم الدينية الحاقدة.
ليس بعيداً منهم ولا مختلفاً عنهم، تقف الإدارة الأمريكية ومعها الطائفة الإنجيلية الجديدة، وفي المقدمة منهم جميعاً رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، ومعه وزير خارجيته مايك بومبيو، الذي شمت بالدول الموبوءة، وضحك على الشعوب المصابة، واستهزأ بالفيروس ونأى بجانبه عمن شكا منه وعانى، وادَّعى أنه وشعبه معافى من هذا المرض، وأخذ يتهكم على الحكومات والمؤسسات الصحية، التي انطلقت في رحلة البحث عن عقارٍ للكورونا، للسيطرة عليه والتحكم به ومنع انتشاره وتوسعه، وأعلن بغطرسةٍ واستكبارٍ وغرورٍ وسفهٍ، أن بلاده ستسبق دول العالم كلها في تصنيع العقار وتجريبه، وأنه سيكون فعالاً وسريعاً في السيطرة على المرض تماماً والشفاء منه كلياً.
قد لا يبرئ الإدارة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني أحدٌ من جريمة تخليق فيروس كورونا ونشره، رغم أنهما أصيبا به وانتقل إليهما وانتشر فيهما، وارتفعت أصوات شعوبهما خوفاً وفرقاً وجزعاً وهلعاً، ومع ذلك فقد وَقَرَ في صدرونا يقيناً أنهما اللذان صنَّعَاه وخَلَّقَاه ونشراه وعمماه، وقد أراداه في البلاد التي يعادونها أو تنافسهم، وفي الدول التي تعارضهم وتخالفهم، ولهذا تصر الإدارة الأمريكية على ممارسة حصارها وتنفيذ عقوباتها على الدول الموبوءة كإيران، وتمنعها من محاولة اكتشاف لقاحٍ ناجحٍ للفيروس، بقصد إلحاق أكبر ضررٍ بها، وتكبيدها خسائر كبيرة في الصحة والحياة، وتدمير اقتصادها وتفقير شعبها، وتعطيل مختلف جوانب الحياة فيها، خدمةً لمشاريعها، وتطميناً لحليفتها، ومحاولةً غير أخلاقية لتطويعها وفرض شروطها عليها.
أما المسلمون فقد علمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا شماتة في الموت، ولا إشاعة للمرض، ولا تمني للفاحشة، ولا عون على الظلم، ولا ضرر ولا ضرار، ولا أذى للصاحب بالجنب والجار، وعلمنا كيف نكون أصحاب نخوةٍ ومروءةٍ، وأهل شهامةٍ وشجاعةٍ، وأن نتعامل مع الآخرين دوماً بنبلٍ ورجولةٍ، وقيمٍ وخُلقٍ، وأن نقاتل بشرف، ونحارب بأخلاقٍ، فلا نقتل طفلاً ولا امرأة، ولا نجهز على جريحٍ أو أسيرٍ، ولا نهدم صومعةً أو معبداً، ولا نتأخر عن نصرة الملهوف ومساعدة المحتاج وعلاج المريض ورعاية المصاب.
أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين والعرب، فلا أعتقد أنه من السهل علينا أن نتمنى السلامة للإسرائيليين، أو أن ندعو الله عز وجل أن تشلمهم رحمته وأن تكلأهم عنايته، فهذا لعمري أمرٌ يصعب على الفلسطينيين تقبله أو العمل به، وهم الذين يكتوون من نير الاحتلال الغاشم وظلمه، ويذوقون على يديه العذاب صنوفاً وألواناً، بما يفوق بكثيرٍ ما أحدثه فيروس كورونا فيهم وفي شعوب العالم قاطبةً.
لعل لسان حال الفلسطينيين اليوم يقول بغير شماتةٍ أو تشفي، أن الله عز وجل قد أذاقهم بعضاً مما أذاقوه للفلسطينيين، وجرعهم شيئاً من العذاب الذي اعتادوا على تجريعه لهم كل يومٍ، فهاهم يحاصرون في بيوتهم، وينقطعون عن عملهم، وتتعطل مصالحهم ويتجمد اقتصادهم، فضلاً عن الهلع الذي أصابهم، وحالة الخوف التي تسيطر عليهم، ولم يكن هذا من فعل الفلسطينيين أو نتيجة دعائهم، بل هو غضبٌ نزل بهم كغيرهم، ووباءٌ أصابهم وزلزلهم، وزعزع كيانهم وأربك حساباتهم، فهم لا يستطيعون تحمل خسارة كبيرة في الأراوح، وأعدادهم لا تقوى على استيعاب وفياتٍ كثيرة بينهم.
لا يشفي غليلنا نحن الفلسطينيين والعرب من عدونا اللدود الذي اغتصب أرضنا، وشرد شعبنا، وقتل أهلنا، واعتقل رجالنا ونساءنا، ومارس القهر ضدنا، سوى تفكيك كيانه ورحيله عن أرضنا، واستئصال شأفته وإنهاء وجوده في منطقتنا، فلا يعود له وجود اسماً وكياناً، ولا يبقى منهم مستوطنين ولا وافدين، أياً كانت طريقة رحيلهم، حرباً أو وباءً، مرضاً أو فيروساً، نائبةً أو مصيبةً، حينها سنفرح ونسعد، وسنشمت ونرضى، وبغير ذلك فإن سعادتنا منقوصة، وفرحتنا مخنوقة.
وسوم: العدد 869