صراع الإرادات ، هو لبّ السياسة ، إذا خلت منه ، صارت عبودية !
إذا خلت السياسة ، من صراع الإرادات ، في دولة ما ، صارت شيئاً آخر، مختلفاً عمّا تعارف عليه البشر، وما ألفته المجتمعات الإنسانية ، من أنواع السياسة ، وأشكالها !
ليست وصاية ؛ فللوصاية شروط ، وعلى الوصيّ واجبات ، عليه الالتزام بها !
وليست رعاية ؛ فللرعاية شروط ، وعلى الراعي واجبات ، عليه التقيّد بها !
وليست ولاية ؛ فللولاية شروط ، وعلى الوليّ واجبات ، عليه مراعاتها !
فإذا انقضّ شخص ما ، عليها ، جميعاً ، وألغى شروطها ، وضرب بالواجبات المترتّبة عليه ، عُرض الحائط ، فقد نصب نفسه إلهاً ، وجعل الناس عبيداً له ، يأمر فيطاع ، دون النظر إلى حقّ وباطل ؛ فهو مَن يقرّر الحقّ والباطل ؛ فيجعل أمراً ما حقّاً ، وأمراً آخر باطلاً ! فهو، في نظر نفسه ، إله : فعّال لِما يريد .. وهو لايُسأل عمّا يَفعل !
فرعون : استخفّ قومه فاطاعوه ، فقال : (أنا ربّكم الأعلى) .. وقال : (ماعلمتُ لكم من إلهٍ غيري) !
الفراعنة المعاصرون : أخذوا لأنفسهم سلطات إلهية ، وصنعوا هياكلَ دولٍ ، تسبّح بحمدهم ، وتنفّذ قراراتهم وأوامرهم ، دون تردّد ؛ فالقضاء بأيديهم .. وسلطات التشريع تابعة لهم .. والإعلام أدوات لهم ، تتغنّى بإنجازاتهم ، وتمجّد قراراتهم.. وعلماء السلطة ،الذين صنعوهم، يُصدرون لهم الفتاوى ، التي تخدم قراراتهم ، وتثني على مواقفهم ، وتُحل لهم ما أرادوا، وتحرّم على شعوبهم ، ما أرادوا تحريمه، وتجرّم ما أرادوا تجريمه .. ومن خالفهم فله الويل والثبور!
إنها العبودية ، في أجلى صورها ، وأخبث مظاهرها !
فما حال الشعوب المستعبَدة ؟ إنها كتل هشّة ، لا رؤوس لها !
فيها نخب سياسية مشرذمة ، بعضها : ينافق للسيّد الوثن ، مقابل بعض الفتات من الرزق ، أو بعض المواقع الهزيلة ، التي ترسّخ العبودية ، للسيّد المطاع ، وتزيّن ديكورات حكمه !
وفيها : واجهات اجتماعية ، تحكمها مصالحها الخاصّة ، وتدور مع هذه المصالح، حيث دارت! ماعدا فئات مخلصة قليلة ، مغلوبة على أمرها ، ضمن القيود ، التي وضعها الحكّام المتسلّطون ، وأعوانهم ، وأذنابهم !
وفيها : دهماء ، هي تبع لكلّ ناعق ، يغلب عليها ، من الشَرذمة والمصلحية والانتهازية ، ما يغلب على غيرها !
فأين السياسة ، في هذا ، كله ؟
وسوم: العدد 874