نحو مجتمع قارئ
يسري الغول
قال وزير الدفاع الصهيوني موشيه ديان بعد حرب عام 1967 مخاطباً المجتمع اليهودي، أن اطمئنوا فإن العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون. ليبرهن عن أحد أهم عناصر الهزيمة التي مُني بها العرب، فليس بالسلاح وحده انتصر هؤلاء وإنما بالعلم والتطور والبحث والمعرفة.
ففي الوقت الذي قامت به دولة الكيان بترجمة ثلاثية نجيب محفوظ ودراستها بعمق لمعرفة واقع المجتمع المصري لغزوه وتدميره من الداخل، كان العرب تائهون ومنشغلون بقضايا ثانوية، لا تنفك عن المسرح والسينما والرياضة.
لذلك كان لزاماً على كل ذي لب أن يحلل الداء ليدرك العلاج المناسب، فعالمنا العربي والإسلامي فاقد القدرة على إنتاج المعرفة منذ وقت طويل، لأنه لا يستفيد من المعارف المتاحة له، بينما ينهل الآخرون من مواعين الأمة ومقدراتها.
ففي بريطانيا ينشر سنوياً أكثر من 2000 كتاب جديد لكل مليون مواطن بريطاني، بينما ينشر في العالم العربي سنوياً 17 كتاب جديد لكل مليون عربي، وهو نسبة مؤلمة وقاتلة توضح معالم الواقع المزري الذي تحياه أمة إقرأ. فالمجتمعات العربية بحاجة لمراكز البحث العلمي والمؤسسات التربوية والتعليمة ومراكز الدراسات والأبحاث والعقول المفكرة الـ(Thinking Tanks) للارتقاء بالإنسان العربي، والنهوض به بدلاً من إسراف الأموال الطائلة على برامج لا فائدة مرجوة منها.
ونظراً لأن القراءة أحد أهم وأبرز الوسائل النوعية لصناعة الإنسان المبدع والمفكر والسياسي والمؤثر، والاقتصادي والتنموي الرائد، كان من الضرورة الحديث عن استراتيجيات العمل لإنشاء بيئة صالحة للمواطن العربي كي نصل به إلى رقاع العالم أجمع. وهو ما يتطلب الدفع به نحو القراءة من خلال عدة وسائل فردية ومؤسساتية (أهلية ورسمية) ومجتمعية لتحقيق تلك الغاية. فمن الضرورة لتوعية الجميع بأهمية القراءة، إلى إنشاء مكتبات في كل بيت وردهة ومؤسسة حتى يصبح الكتاب موجوداً في المقهى وصالون الحلاقة والمتنزه والمدرسة ومؤسسة العمل.
كما يجب على المؤسسة الرسمية أن تدفع باتجاه تعزيز القراءة من خلال دعم جميع القطاعات بالكتب والترويج للإعلانات عن أهمية تلك الثقافة الغائبة وعقد مسابقات تلخيص كتب وإقامة معارض كتب سنوية بأسعار مخفضة. كما أنه من الواجب على كل معلم ومدير مدرسة أن يُفعَّل حصة المكتبة المدرسية، وعلى الأسرة أيضاً ألا تغفل عن أبنائها في زحمة العمل والمناهج المعقدة، حيث يصبح هناك تربية بالقدوة. وما أجمل أن تقرأ الأم لأبنائها كل ليلة حكاية وإن تصنع لهم عالماً من الخيال، وما أروع أن يرّغَب الأب أبناءه بمكافأتهم بالكتب والقصص ليصبح الكتاب عنوان المجتمع، الذي كلما قرأ أكثر أصبح أكثر قدرة على تحليل واستشراف الواقع بالعودة إلى تاريخه وماضيه وتاريخ وماضي الأمم الغابرة.
ثم ماذا لو تهادينا بالكتب، وأصبح ذلك الكنز مقياس المحبة لتحفيز وتوطيد الوشائج. وماذا لو قامت وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية المحلية بطباعة الكتب سنوياً وتوزيعها بالمجان على جمهور القراء والمكتبات والمدارس والمؤسسات والأفراد.
ودعوني أختم بأن المناهج العربية بشكل عام بحاجة لإعادة نظر لأنها غفلت عن عنصر حيوي ومهم، وهو صناعة الوشيجة بين الكتاب المدرسي والطالب، بل على النقيض صنعت بينها وبينه أمداً بعيداً وصار الكتاب عدو لدود.