الفلسطينيون يترقبون ليلةَ القدرِ ويحيونَها
ليس أكثر من الفلسطينيين جميعاً، في الوطن والشتات، وفي مخيمات اللجوء وبلاد الغربة، وفي السجون العربية والمعتقلات الإسرائيلية، وفي كل مكانٍ يتواجدون فيه، غرباء أو بين أسرهم، فرادى وجماعاتٍ، صغاراً وكباراً، ونساءً ورجالاً، وأياً كانوا فقراء أو أغنياء، تعساء أو سعداء، مرضى أو أصحاء، عاطلين أو عاملين، أميين أو متعلمين، ترقباً لليلة القدر المباركة، وانتظاراً لها بتوقٍ وشغفٍ، وتحرياً لها بدقةٍ وحسابٍ، وإحياءً لها برجاءٍ وأملٍ، ويقيناً بفضلها وثقةً بقدرها، وإن كان هذا هو حال المسلمين جميعاً منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، فما من مسلمٍ إلا يحب هذه الليلة المباركة، ويتمنى فضلها ويرجو خيرها، ويتحرى وقتها ويحيي ليلها ويصوم نهارها، ويدعو ويتقرب إلى الله عز وجل أثناءها.
قد يشترك الفلسطينيون مع غيرهم في أزمة كورونا التي اجتاحت العالم كله، وعانوا منها كغيرهم، وفقدوا فيها أعزةً في الوطن والاغتراب، وفي فلسطين والشتات، وقد يتشابه فقراؤهم مع فقراء المسلمين ومساكينهم، وقد يتساوى أيتامهم وأراملهم وغائبوهم مع أمثالهم من أبناء الأمة الإسلامية، فالفقر والجوع والمرض والضعف والحاجة، والمحنة والابتلاء والمصيبة والنكبة، كلها أدواءٌ واحدة ومصائبٌ ونكباتٌ متشابهةٌ، تتشابه الشكوى منها وتتساوى الحاجة إلى ردها، ويعجز الإنسان وحده دون الله عز وجل عن صدها.
ولكن الفلسطينيين يختلفون عن سواهم من المسلمين، فقد ابتلاهم الله عز وجل بأسوأ احتلالٍ، سرطانٍ يستشري في أرضهم ويفتك بهم، ويبطش بهم ويتطاول عليهم، ويحتل أرضهم ويغتصب حقوقهم، ويدنس مقدساتهم ويعتدي على حرماتهم، ويهدم بيوتهم ويصادر أرضهم، ويقتل أبناءهم ويعتقل خيرة أهلهم، ويطرد من يشاء من أرضهم، وما زال في سياسته الهمجية ماضٍ، وفي عدوانه الوحشي مستمر، وشعبنا على محنته صابر، وعلى أرضه ثابت، وبحقوقه مستمسك، وعلى مواجهته ومقاومته مصرٌ وقادرٌ، ولا يبالي في دربه الطويل وطريقه الشائك، بالتضحيات الجسام والخسائر الكبيرة، ولا يتردد في بذل الروح والسخاء بالدماء، ويحتسب كل ما يقدمه فداءً لفلسطين ومن أجلها، في سبيل الله عز وجل وأملاً في رضاه.
في هذه الليلة المباركة يدعو الفلسطينيون ربهم جَلَّ جَلالُهُ أن يحفظ بلادهم فلسطين، وأن يصون أرضهم وحقوقهم، وأن يحمي أهلهم وأبناءهم، وأن يعيد إليهم وحدتهم وقوتهم، وينهي انقسامهم ويضع حداً لاختلافهم، وأن يمكنهم من جمع كلمتهم ورص صفهم، ونبذ الاختلافات التي عصفت بهم وفرقت بينهم، ويسألونه سبحانه وتعالى أن ينصرهم على أعدائهم، وأن يخرجهم من بلادهم مهزومين مدحورين، وأن يعيد إلينا قدسنا ومقدساتنا، وأن يحفظ المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وأن يطهرهما وكل فلسطين من رجسهم ويحفظها من مكرهم، وأن يعيدنا وشعبنا من الشتات إلى أرضنا المباركة وديارنا الحرة، وأن يحرر أسرانا ويفرج عن معتقلينا، وأن يعيدهم إلى بيوتهم وأسرهم أعزةً أحراراً، أحبةً كراماً.
لكننا إلى جانب طلب النصر ورجاء الوحدة والتحرير، لا ننس في هذه الليلة المباركة، أن نرفع أكفنا إلى الله عز وجل، نسأله الرحمة والمغفرة، والرضى والقبول، والعفو والرضوان وقبول الدعاء، وأن يتغمد أمواتنا وشهداءنا برحمته، وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يجعلهم من أهل الفردوس الأعلى، وأن يكرم والدينا وأحبتنا، الذين سبقونا ورحلوا عنا، وأن يجعل لهم من فضل هذه الأيام وبركة هذه الليلة أجراً ونصيباً.
ونتضرع إليه سبحانه وتعالى أن يجمع شملنا، ويشفي مريضنا، ويقيل عثراتنا، ويقضي عنا ديوننا، ويرفع بأسه عنا، ويقينا شر الوباء ويحفظنا منه، وأن ينتصر لنا ممن ظلمنا، وينتقم لنا ممن أساء لنا وأخطأ في حقنا، واعتدى علينا أو سرق حقوقنا، وأن يكف أيدي الظالمين عنا، وألا يسلطهم على أحدٍ بعدنا أبداً، وأن يبتليهم بأنفسهم وصحتهم وعافيتهم وأبدانهم وبيوتهم، بما يشغلهم عن أذى الناس والإساءة إليهم، ونسأله أن يديم علينا نعمه ظاهرها وباطنها، وأن يحفظ علينا صحتنا وعافيتنا، وأن يقينا الشرور والآثام، والأمراض والأسقام.
رغم أن المساجد مقفلة، وبيوت الله بسبب كورونا غير عامرة، إلا أن الدعاء لا يتوقف، والسؤال لا ينقطع، والحاجة لا تنتهي، فالله سبحانه وتعالى قريبٌ من عباده يسمعهم ويصغي إليهم، ويجيب دعواتهم ويلبي طلباتهم ويستجيب لهم، وهو العلي القدير يعرف شكواهم، ويسمع أنينهم، ويتلطف عليهم بالصبر والاحتساب، والصدق والثبات، ويفتح أبواب سمواته السبع لتضرعاتهم، ولا يصدهم إذا طرقوا أبوابه وسألوه النصر والفرج، ولا يطردهم إذا وقفوا على أعتابه، فلا نمل سؤاله ولا نتردد في دعائه، فهو سبحانه وتعالى يحب عبده اللحوح، الذي يلجأ إليه ويلح في سؤاله، ويثق في إجابته، والله عز وجل لا يخذل عباده، ولا يقنطهم من رحمته، بل يفي بوعده بالاستجابة للسائلين ولو بعد لأيٍ وحين.
ما أحوجنا ونحن الضعفاء إلى الله عز وجل، لينصرنا على الظالمين، ويقتص لنا من المعتدين، ويعيد إلينا حقوقنا من الغاصبين، وما أَمَسَ حاجتنا إلى ليلة القدر المباركة، التي تفتح فيها أبواب السماء وتشرع، وينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا، يمد يده لكل تائبٍ ونادمٍ، ويعفو عن كل عاصٍ ومستغفرٍ، ويهرول نحو كل مقبلٍ عليه وراجعٍ إليه، فنحن جميعاً في حاجةٍ إلى عين الله تكلأنا، وإلى معيته تصحبنا، وإلى رحمته تواكبنا، وإلى توفيقه يلازمنا، وإلى غفرانه لنا، والله سبحانه وتعالى يعد في هذه الليلة المباركة أن يلبي دعوة السائلين، وأن يجيب دعاء المضطرين، وأن يكون مع الصادقين المخلصين، وأن يغفر ذنوب التائبين، وأن يوفق عباده الصالحين، ويأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب وسبيل الرشاد...... اللهم أمين ....
وسوم: العدد 877