كيف تجمع المخدرات حزب الله وإيران والأسد وحفتر؟
اتّهم فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق الوطني الليبية، في وقت سابق من هذا الشهر نظام بشار الأسد بتهريب المخدرات عبر سوريا إلى دول عديدة من بينها ليبيا، مشيراً إلى أنّ نظام الأسد يستخدم عوائد هذه التجارة غير المشروعة لتمويل أنشطته. ولفت باشاغا إلى أنّ النظام في سوريا يرسل شحناته البحرية من المخدرات من ميناء اللاذقية شمال سوريا إلى موانئ المنطقة الشرقية في ليبيا الخاضعة لسيطرة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، من بينها ميناء بنغازي.
إذا ما ربطنا هذا التصريحات مع التطوّرات التي تجري في الميدان لناحية ضبط المزيد من شحنات المخدرات المتّجهة إلى عدّة دول عربية خلال الشهرين الماضيين فقط، فسنجد أنّ الموضوع يتجاوز فرضية أن يكون حالة فردية هنا أو هناك، أو أن يكون القيّم عليها تاجراً صغيراً أو منتفعاً مغموراً.
خلال الشهرين الماضيين فقط، أعلنت كل من السعودية ومصر والأردن والإمارات عن ضبطها كميات ضخمة من الحشيش والكبتاغون. جميع هذه الشحنات مصدرها الأراضي الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، وكلها باستثناء الأردن تمت من خلال شحنها عبر ميناء اللاذقية.
في الحالة المصرية، ضبطت السلطات هناك في أبريل/نيسان الماضي شحنة من الحشيش عالي الصنف يبلغ حجمها حوالي 4 أطنان مخبّأة في علب حليب سوريّة المنشأ وذلك في حاوية على متن سفينة “إيجي كراون” تبيّن أنّها كانت متّجهة من ميناء اللاذقية إلى ليبيا. لم تكن هذه هي العملية الوحيدة التي تضبطها السلطات هناك، إذ أحبطت كذلك في 20 كانون الثاني/يناير الماضي، محاولة تهريب لما يزيد على نصف طن من الحشيش المخدر مخبأة داخل شحنة من التفاح السوري.
في السعودية، صادرت السلطات هناك أواخر الشهر الماضي واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات المتجهة إلى البلاد، مشيرة إلى أن المضبوطات شملت حوالي 20 مليون قرص من "إمفيتامين" المخدر تمّ إخفاؤها في عبوات مشروب "عشبة المتة" من نوع "الخارطة الخضراء" السوري الصنع. وقبلها بشهرين أيضاً، صادرت دبي في واحدة من أكبر عمليات تهريب مخدر الكبتاغون في العالم، حوالي 5 أطنان تبلغ قيمتها ما يقارب النصف مليار دولار، مخبّأة داخل أسلاك معدنيّة في شحنة قادمة من ميناء اللاذقية في سوريا.
معظم المواد التي تمّ تهريب المخدّرات بها هي سلع تعود بالأساس إلى رجال أعمال مقرّبين من نظام الأسد أو محسوبين عليه، تربطهم به علاقات نفعيّة متبادلة. ومع أنّ تهريب المخدرات من مناطق نظام الأسد إلى الخارج ليست عملية جديدة وكنت قد تحدّثت عنها بالتفصيل وعن دور حزب الله فيها في مقال بعنوان "المخدّرات أكبر صادرات الأسد" في آب/أغسطس 2019، إلاّ أنّه من الواضح أن هناك تسارعاً الآن في حجم العمليات ونطاق المناطق المستهدفة فيها لاسيما بعد شهر مارس الماضي.
لماذا مارس؟ في ذلك الشهر، تكبّد النظام في سوريا خسائر جسيمة من الناحية العسكرية بعد الهزيمة الثقيلة التي مُني بها هو وحلفاؤه من الميليشيات الإيرانية على يد القوات التركية في عملية درع الربيع في إدلب. كما بدأ يطفو على السطح خلاف حاد بين نظام الأسد وأتباعه على خلفية الوضع الاقتصادي المتدهور، كالخلاف مع رامي مخلوف، وبعدها الانتقادات الحادة لنظام الأسد والتي تمّ تسريبها من روسيا.
كل هذه التطورات تعني أنّ النظام مأزوم داخلياً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، كما أنّ حلفاءه لم يعودوا قادرين على دعمه مالياً بالشكل الذي كان قائماً في السابق لاسيما فيما يتعلق بإيران، إذ انخفضت أسعار النفط بشكل غير مسبوق منذ أكثر من 20 عاماً، كما ازدادت ضغوط واشنطن المالية على طهران وعلى أذرعها لا سيما حزب الله في لبنان.
في مارس، عقد النظام في سوريا اتفاقية علنية مع الانقلابي حفتر في ليبيا وبدأ بتسريع وتيرة إرسال الطائرات والمقاتلين والسفن إلى المناطق التي يسيطر عليها. تشير المعلومات إلى أنّ عدداً غير قليل من مرتزقة نظام الأسد الذي يقاتلون في ليبيا دفاعاً عن حفتر هم من الفرقة الرابعة المحسوبة على إيران داخل جيش النظام.
وازدياد الأعباء والتكاليف ترتبط دوماً مع ازدياد عمليات التهريب والتجارة غير المشروعة، ولا شك أنّ نظام الأسد وداعميه يرون في هذه العمليات وسيلة سهلة لتمويل المصاريف المتزايدة والحصول على العملات الصعبة.
ولكي نقرّب الصورة أكثر للقارئ، كان خفر السواحل اليوناني قد ضبط في نهاية العام 2018، سفينة "نوكا" التي ترفع علم نظام الأسد أثناء توجهها من ميناء اللاذقية إلى ليبيا وتبيّن أنّها تحمل أكبر شحنة مخدرات من نوعها في العالم، وقدّرت قيمتها حينها بما يساوي قيمة كل صادرات سوريا من السلع والمنتجات للعام 2017.
لطالما شكّلت المخدّرات مصدر دخل مهم لنظام الأسد ولحزب الله في لبنان، وقد كان وادي البقاع اللبناني يؤمّن حوالي نصف استهلاك أوروبا من المخدّرات وقد بنى الطرفان علاقة وثيقة مع تجّار المخدّرات سواء خلال فترة الوجود السوري في لبنان حيث يقدّر البعض بأنّ دخل نظام الأسد من الحشيش اللبناني كان يساوي في التسعينيات من القرن الماضي حوالي نصف دخل سوريا.
أمّا بعد إخراج النظام من لبنان، فقد قوّى حزب الله علاقاته مع كبار تجّار المخدرات في البقاع وبعلبك لا سيما بعد انخراطه في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد. استعان حزب الله بزعماء مافيات المخدرات لتنفيذ المزيد من العمليات غير المشروعة ولم يخف في كثير من الأحيان علاقاته مع أبرز رموزهم كتلك التي تجمع الحزب مع نوح زعيتر. لقد وصل الأمر في كثير من الأحيان بالحزب إلى أن يتصدّر بنفسه تجارة المخدرات لا سيما حبوب الكبتاغون.
هناك من يُرجِع تصدّر حزب الله لتجارة هذا النوع من المخدرات إلى العام 2006، حيث يعدّ هاشم الموسوي، شقيق النائب في حزب الله حسين الموسوي أحد أكبر مصنّعي ومهرّبي حبوب الكبتاغون على الإطلاق، وكان قد أنشأ مصنعين في لبنان واستغل الحسينية كغطاء لأعماله.
المخدّرات بشكل عام تعتبر مصدر دخل مهم لا سيما فيما يتعلق بالعملات الصعبة ولذلك فهي تعدّ جزءاً أساسياً من شبكة نفوذ الأسد وحزب وإيران، وتزداد أهمّيتها مع ازدياد الضغوط المالية والاقتصادية على هذه الأطراف التي تمتلك علاقات قوية مع شبكات التهريب والعصابات التي تنشط عبر الحدود في عدد كبير من الدول حول العالم.
في العام 2017، نشرت بوليتيكو تحقيقاً غير مسبوق عن دور حزب الله وإيران في تجارة الممنوعات وعلى رأسها المخدرات، وكشف التقرير عن كيفية إيقاف الرئيس الأمريكي أوباما لمشروع "كساندرا" المعني بهذا الأمر كجزء من الترتيبات المتعلقة بالتوصل إلى الصفقة النووية مع إيران.
هناك فضيحة كبرى اليوم في لبنان اسمها التهريب العلني الذي يقوم به حزب الله إلى سوريا (مناطق سيطرة الأسد)، حيث تقدّر المصادر قيمته بحوالي 20 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية فقط. إذا كان باستطاعة الحزب تهريب الطحين والقمح والمحروقات وغيرها من المواد فلا شيء يمنع من تهريب المخدرات أيضا. صحيح أنّ جزءاً منها بات يصنّع محلّياً في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، لكن الجزء الأكبر منها يعود إلى لبنان على الأرجح. بعضهم يؤكّد ذلك من خلال الوجود العلني لنوح زعيتر في دمشق منذ نهاية العام 2019.
كل ما يجمع بين عمليات التهريب الكبرى اليوم من سوريا عبر البحر هي أنّ مصدرها الرئيسي ميناء اللاذقية. والميناء لمن لا يعرف حصل الإيرانيون على حقوق إدارته من نظام الأسد بشكل رسمي حينما اصطحب قاسم سليماني بشار الأسد معه إلى طهران في 25 فبراير 2019، وهو يُستخدم من قبل الحرس الثوري الإيراني لتجاوز مفعول العقوبات كذلك على إيران للالتفاف على العقوبات الأمريكية المشدّدة وشحن البضائع من خلاله، ومن غير المنطقي افتراض أنّ أطناناً من هذه المخدّرات بقيمة تبلغ مليارات الدولارات تصدّر من ميناء اللاذقية دون علم الحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر عليه.
وسوم: العدد 878