قصصُ العُروج(١٤٧)
جلائلُ الرحمة
كرم الله:
اتهم اليهود الله بالبخل عندما قالوا: {يد الله مغلولة}، إذ يُكنى باليد الممدودة عن العطاء والسخاء، وبعد أن رد الله عليهم بقوله: {غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا}، قرّر كرمه السابغ، فقال: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
والملاحظ هنا أنهم ذكروا يدا واحدة لله، وذكر سبحانة يَدين مبسوطتين بالإنفاق والجود، تأكيداً على أن سخاءه مرتبط بقدرته التي لا تحدها حدود، وكأن الله يقول بأن يديه تعطيان كلاهما بلا حساب، وليس حاله كحال كرماء البشر الذين يعطون بأيدٍ مرتعشة ثم إنهم يأخذون بيد ويعطون باليد الأخرى!
حلم الله:
عندما أرسل الله نوحاً إلى قومه أنذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا، قال تعالى: {إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}، ومن المعلوم أن الطوفان لم يحدث إلا بعد تسعمائة وخمسين سنة من الدعوة التي قوبلت بالصد والنفور، والمعبَّر عنها بقوله تعالى على لسان نوح: {وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم..}، وتبين كلمة (كلما) ذلك الصد الكبير والعناد الطويل، بمعنى أن الفرق بين الإنذار وبين نزول العذاب الأليم قارب الألف عام؛ مما يبين حلم الله على خلقه ورحمته بهم في عدم تعجله العذاب بهم، ويبين كذلك صبر نوح عليه السلام.
الرزق بلا حساب:
تحدّث القرآن في مواضع عديدة عن الرزق بلا حساب، ولهذا المفهوم معاني عديدة، سنشير هنا إلى معنى قد لا يدركه كثيرون، وهو أنه رزق غير مرتبط بالإيمان والصلاح، حيث يرزق الله جميع خلقه مهما كانت مواقفهم منه.
وبجانب دلالة الواقع على صحة هذا الأمر، فقد ورد في سورة النور الحديث عن صفات الرجال الذين تربوا في بيوت الله، ثم قال: {ليجزيَهم الله أحسنَ ما عملوا ويزيدهم من فضله}[النور: ٣٨]، حيث أن الجملة الأخيرة في الآية استئنافية لا علاقة لها بالجزاء الإيماني، أي أن الله سيرزقهم مثلما يرزق سائر الخلق الذين يرزقهم بكرم بالغ ودون النظر إلى توجهاتهم الإيمانية، إذ أن رزقه مبذول لكل الخلق، وهذا من تمام الإنعام والابتلاء.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوّابين غفورا}[الإسراء: ٢٥].
بُورِك المُتدبِّرون
منتدى الفكر الإسلامي
وسوم: العدد 878