ماذا يريد منا الغرب؟
عمر حيمري
نعم للمقاومة والتحرير ، لا للمقاومة والتحرير ، نعم لحماية المدنيين ، لا لحماية المدنيين ، نعم لحقوق المرأة وحريتها ، لا لحقوق المرأة وحريتها ، نعم للديمقراطية لا للديمقراطية ... ماذا يريد منا الغرب ؟ سؤال ذو طابع فلسفي ، كلما أجبت عنه تجد نفسك أمامه من جديد . فهو سؤال محير يخفي ما يريده منا الغرب بالتحديد .
دعانا لفتح أسواقنا فأجبناه ، لكنه لم تعجبه حماية منتجاتنا ، فرض علينا التخلي عن التصنيع وتسليح أنفسنا للدفاع عن ما تبقى من كرامتنا ، فإذا تظاهرنا بالامتناع ، أو رفضنا شراء خردة السلاح من مصانعه ، اتهمنا بالإرهاب وهددنا بالعقوبات الاقتصادية والحصار والتدخل في شؤوننا الداخلية بحجة حماية الأمن والعباد ومحاربة الإرهاب ، وأقام علينا الدنيا ولم يقعدها مسخرا أبواقه الإعلامية الكاذبة وإمكانياته المادية والعسكرية والاستخباراتية ضدنا .
استنزف خيراتنا البحرية والبرية ، واستولى على مجالنا الجوي ، ولم يشبع ، ولم ينتبه لجوعنا ، ولا أشفق على حالنا . قطع أمتنا إلى دويلات فسيفسائية ، رسم بينها حدودا وهمية ، دون الاهتمام بوحدة تاريخنا وديننا وهويتنا وثقافتنا ولا بمجالنا الجغرافي الواحد الممتد من المحيط إلى الخليج ولم يكترث بشعورنا بالمصير المشترك بيننا كأمة واحدة .
واليوم يمزق ما تبقى من وحدتنا وأرضنا إلى طوائف وأحزاب ، يشجعها على قتال بعضها البعض ، دون السماح بالنصر المبين لإحداها على الأخرى . فكلما مالت كفة النصر تجاه فئة أو طائفة ، ناصر الفئة أو الطائفة التي أوشكت على الانهزام حتى تستعيد قدراتها القتالية ، ليحافظ على التوازن بين المتقاتلان ويضمن استمرار الحرب وعدم توقفها بين الإخوة الأعداء ، بهدف استنزاف الجميع ، والقضاء على التفكير في أي محاولة لمقاومته كقوة مستعمرة تنهب خيراتنا وتدوس على كرامتنا . ولنا عبرة في الحرب الدائرة في سوريا بين النظام والمعارضة منذ خمس سنوات دون أن يتحقق النصر النهائي لإحدى الطائفتين أو المصالحة بينهما ، لأن الغرب لا يسلح بتسليح المعارضة إلا بقدر ما يجعل الحرب سجالا بينها وبين النظام السوري. بينما هو يعمل ليل نهار على توحيد أمته وجمع شملها على الرغم من التناقض الصارخ بين تركيبته الاجتماعية والثقافية والجغرافية والتاريخية وحتى الدينية ( نموذج حرب أوكرانية مع روسيا ، فالغرب لم يهدأ له بال حتى أوقفها في وقت قياسي ) .
الغرب عمل على هدم أركان خلافتنا بشنه الحرب الصليبية ، وبالكيد والتآمر وبالوعود الكاذبة ، التي قطعها على نفسه للمرضى من الانفصاليين وعباد السلطة ، فجعلها في خبر كان ، وجعلنا نموت كمدا وأسفا عليها كل يوم وليلة ، وهو يتلذذ لغمنا وحزننا وأسفنا على خلا فتنا .
سلم لليهود فلسطين العزيزة ، والقدس الحبيبة على طبق من ذهب ، وخرب العراق السليبة ، عراق العروبة والحضارة والإسلام وزرع بين أهلها الخوف والشك وكراهية بعضهم بعضا ، وجعل أهلها شيعا يقتل بعضهم بعضا ، ثم جعل منها ولاية من ولايات نظام الفقيه .
وهذه بلاد القوقاز الإسلامية ، مهد العلم والعلماء وموطن الإشعاع الثقافي الإسلامي تتعرض للغزو الروسي ولسياسة تنصير المسلمين بالقوة ، ولإغلاق مدارسهم وجوامعهم وهدم صوامعهم ومصادرة أموالهم وأرضهم الشيء الذي حمل أهلها على الهجرة من أراضيهم والفرار بدينهم وأبدانهم .
في كل البلاد الإسلامية ، أقام الغرب ، أو حاول أن يقيم أنظمة تدين بالولاء له وتأتمر بأمره وتلمع صورته ، وتسهل عليه مأمورية غزونا الفكري عن طريق صياغة مناهج وبرامج دراسية صياغة تبعدنا عن جذورنا وعن ما تبقى من هويتنا وثقافتنا وديننا وتزرع في نفوسنا حب الغرب والافتتان به والانصياع له باعتباره بلد الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة .
باسم حرية المرأة ، وحرية الجسد والديمقراطية والمساواة ... هدم أركان أسرتنا وأقام بدلها أسرة تتكون من لقطاء يتبناهم الشواذ والسحاقيات ،أو أسرة ربتها الأم العازبة أو الأم في وضعية صعبة ... لقد جرد الأسرة بالمفهوم المتعارف عليه في مجتمعنا الإسلامي من كل أخلاقياتها الإسلامية وقيودها الدينية وتقاليدها العرفية وعرضها للمسخ والفساد ولكل نقيصة ، حتى أصبحنا نسمع عن زنا المحارم داخل الأسرة الإسلامية ونتحدث عنه في إعلامنا وكأنه ظاهرة طبيعية لا يخجل من الحديث عنه ، فهذا أستاذ علم الاجتماع بجامعة فاس صنيع الغرب وبوقه ، يعلن لطلبته بقسم الفلسفة أنه ( لا يجد بأسا أو حرجا في مضاجعة شقيقته ) دون حياء ولا وجل . إن الغرب يعمل ليل نهار على دعم ومساندة المنافقين والخونة المفسدين أمثال المشتاق إلى مضاجعة أخته والحيوان الذي لا يمانع أن تقيم أخته علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج ، ليصل بهم إلى مراكز القرار في كل بلاد الإسلام ، فينفذوا نيابة عنه مخططاته الجهنمية ، فإذا فشلوا ، اتهمهم بالدكتاتورية وسوء الحكامة وألب عليهم غيرهم ليطيح بهم ويستبدلهم بأنذال ساقطين ولكنهم قادرين على تنفيذ أوامره وتحقيق مبتغاه وأهدافه .
حرب بالليل والنهارلا هوادة فيها ،يشنها علينا الغرب مهما حاولنا إرضاءه .
الغرب علم ، علم مبدأ التقية وعمل به ، فهو يحرص على الظهور بالمظهر الإنساني الناصح الأمين الحريص على مصلحة الشعوب المقهورة لتنخدع له الشعوب ، التي لا علم لها بمكره وخبثه . لأنها غارقة في مشاكلها اليومية وتعاني من اجل توفير لقمة عيشها اليومية ، غير فاطنة لما يحاك ضدها من المكر ولا بمن يستغلها ويسرق خيراتها . لا وقت لها للتفكير فيما يكيد لها الغرب ، ومتى كان لعبد الطعام فطنة وفلسفة وفكر يطلعه ويوحي له بما يجول في خلد الغرب من دسائس ومكائد تحاك ضده ؟
رغم الإجراءات التي اتخذتها الدول الإسلامية والعربية لمكافحة الإرهاب إرضاء للغرب ، فهذا الأخير لم يقدرها ولا اقتنع بها ، فهذه أمريكا ومن وراءها من دول غربية يشككون في نوايانا الصادقة في محاربة الإرهاب ويقولون نريد أعمالا ملموسة لا أقوالا ملفوظة ولا يزالوان يطالبوننا بالمزيد ، وكأنهم جهنم ، كلما قيل لها هل امتلأت ؟ قالت هل من مزيد ؟ فهذا استوارت ليفي مساعد وزير الخزانة الأمريكية المكلف بمكافحة الإرهاب يحذر من عدم استمرار الولايات المتحدة في ضغطها على دول الشرق الأوسط ، حتى يتبين لها عن طريق الحجة ، ما يثبت قيام دول الشرق بإجراءات مادية لمكافحة الإرهاب تعطي ثمارا ملموسة وفعلية . لأن هناك شباب ثري يقدم خدمات للإرهاب .
إن الغرب وأهله لن يسمعوا منا ، ولن يقدروا خدماتنا لهم ، ولو أتيناهم بكل ما سألوه منا فلن يرضوا عنا ، وقد يرضيهم عنا التخلي عن ديننا وما جاءنا به من الحق ، لأنهم قوم جبلت أنفسهم على المكابرة وحب الذات وعلى الفساد والشذوذ بكل أنواعه وعلى مخالفة الحق ومحاربته ومساندة الباطل وإتيانه وعلى كراهيتنا . وصدق الله العظيم إذ يقول [ ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ] ( سورة البقرة آية 217 ) وقوله : [ ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير . ] ( سورة البقرة آية 109 ).
نعم مهما حاولنا أن نرضي الغرب فلن يرضى عنا ، وهذه حقيقة غيبية قد أخبرنا بها علام الغيوب فقال : [ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ] ( سورة البقرة آية 120 ) .
إن ثمن رضا اليهود والنصارى عنا غال ونفيس وهو التخلي عما رضي الله واتباع ما يرضيهم . قال ابن جرير ووافقه في فهم هذه الآية ، وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدا ، فدع ما يرضيهم ويوافق هواهم وأقبل على طلب ما يرضي الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق . ويقول حسن الترابي : أما في هذا العصر ، حتى وإن اتبعناهم وتخلينا عن ديننا فلن يرضوا عنا ( نموذج البرلمانية الهولندية الجنسية الصومالية الأصل " إيان هيرسي علي التي طردت من هولاندا بسبب تقديمها معلومات كاذبة من اجل الحصول على الجنسية عام 1992 ولم يشفع لها عندهم انتقاداتها اللاذعة للإسلام خلال مؤتمر صحافي في لاهاي ) .
الغرب يريد منا التخلي عن ديننا وهويتنا ويجردنا من ثقافتنا ، ولكن الله يريد منا ويختار لنا غير الذي يريده الغرب ويختاره . يريد الله لنا العزة والتمكين في الأرض ويعطينا ولا يمن علينا ، ويرفعنا ولا يضعنا ويجعلنا أقوياء يمكننا من الملك والسلطان ويورثنا الأرض، كقادة وأئمة لا عبيد تابعين ، أذلاء ، مقهورين وصدق الله العظيم إذ يقول [ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ] (سورة القصص آية 5-6 ) هذا ما يريده للنا الله ووعدنا به والله لا يخلف الميعاد . فمن ينصرنا من الله إن اخترنا ما يريده لنا الغرب واتبعناه وواليناه وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من موالاته فقال : [ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير ] ( سورة القرة آية 120) فهذه الآية تحمل وتتضمن تهديدا ووعيدا شديدا للأمة من اتباع سبل اليهود والنصارى، بعد أن بينت لنا آيات غيرها خبث ومكر هذه الطوائف ، التي تسخر كل إمكانياتها وتعمل بالليل والنهار متنافسة مع الشيطان في نشر الفساد وإشاعة الفاحشة وتزينها للناس وما دعوتهم للزواج المثلي وتقنينه والترويج للمخدرات وأفلام العهارة والبورنو في كل أرجاء العالم عنا بخافية ولا مستترة .