حزيران صفحة سوداء تدمي قلوب السوريين(5-6)
إيلي كوهين يقع بقبضة الأمن السوري
في صباح يوم 24 كانون الثاني 1965م أُمر كوهين ببث الرسالة التالية:
"إلى رئيس وزراء إسرائيل ورئيس جهاز الاستخبارات في تل أبيب، كامل ورفاقه ضيوفنا في دمشق وسنخبركم عن مصيرهم قريباً. التوقيع الاستخبارات السورية".
وقبل أن تتبين أجهزة المخابرات السورية الشخصية الحقيقية لكامل أمين ثابت مثل أمام الرئيس أمين الحافظ حيث نظر الاثنان إلى بعضهما في صمت، وكان الجاسوس أول من تكلم منهما حيث قال: (أنا إيلي كوهين من تل أبيب)!
هناك رواية أؤكدها أنا كاتب هذه الحلقات: (فقد زار كوهين الجبهة السورية عدة مرات، ومن بينها زيارة له برفقة عدد كبير من الضباط يتقدمهم الرئيس أمين الحافظ، وكان بصحبتهم الفريق علي علي عامر قائد الجيوش العربية إلى النقطة التي كنت أؤدي خدمة العلم فيها؛ وأذكر أنني كنت في دشمتي بهيئة قتالية وراء مدفع (م/ط)، وكان يقف خلفي مباشرة على حافة الدشمة العقيد صلاح جديد وبجانبه رجل يرتدي الثياب الخضراء التي اعتاد القياديون البعثيون على ارتدائها، وكان يتهامسان، ولقربهما مني، سمعت الشخص المرتدي للثياب الخضراء يقول لصلاح جديد، مشيراً بيده إلى المستعمرات الإسرائيلية، عمروا وابنوا وأنشئوا فكل هذه المستعمرات ذات المروج الخضراء ستكون لنا، وعرفت فيما بعد أن هذا الشخص هو نفس إيلي كوهين.. عندما أنزلنا الحراس من المهجع العلوي في سجن المزة، وكنت معتقلاً في حينها، لنشاهد كوهين وقد لُف بثياب بيضاء مُقاداً إلى المشنقة، موجهين إلينا السباب والشتائم قائلين: إن مصيركم كمصير هذا الخائن يا عملاء، وقد أخذت العديد من الصور لهؤلاء الزوار، ومن بينها صورة لكوهين بجانب علي علي عامر، حيث تعرّف عليه رجال المخابرات في مصر، وقاموا بإخبار الحكومة السورية بحقيقة كامل أمين ثابت وأنه إيلي كوهين).
وأدى اعتقال إيلي كوهين إلى القبض على حوالي (500) رجل وامرأة في سورية في تلك الفترة، وكان منهم سكرتيرات في الحكومة ومضيفات طيران ونساء أخريات ممن شاركن في حفلات المجون التي كانت تقام في شقة إيلي، وكان من بين من زج في السجن معز زهر الدين وجورج سيف وماجد شيخ الأرض، (التقيت بماجد شيخ الأرض في سجن القلعة بدمشق بعد نقلنا من سجن المزة إليه وهو يقيم في غرفة خمس نجوم ويقوم على خدمته عدد من السجناء، وتضم غرفته أرقى أنواع الأساس والكماليات من تلفزيون وبراد وهاتف).
وشكلت محكمة استثنائية يرأسها صديق كوهين العقيد (صلاح الضلي) الذي أسرع في الحكم على كوهين بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، وتم تنفيذ الحكم فور صدوره، في حين كان صديقه الآخر العقيد (سليم حاطوم) عضواً فيها.
ولم يكن تشكيل هذه المحكمة مصادفة بل مخطط لها كون رئيسها وبعض أعضائها ممن شاركوا في العلاقات المشبوهة مع كوهين، ومن تحصيل الحاصل فإن ذلك سينعكس بشكل أو آخر على الرئيس أمين الحافظ، ولم يكن من الممكن التساهل في الحكم مع رجل استطاع أن يحصل منهما على معلومات بالغة السرية والأهمية.
وقد جرت المحاكمة وراء الأبواب المغلقة وعرضت قطع مختارة منها على شاشة التلفزيون، وتصور الكثيرون أن هناك صفقة بين كوهين وهيئة المحكمة عندما أنكر إيلي أنه يعرف كلاً من الضلي أو حاطوم.
وفي 8 أيار عام 1965م أعلن عن صدور حكم الإعدام بحق إيلي كوهين وسيتم التنفيذ شنقاً حتى الموت، أما شركاؤه من أمثال: ماجد شيخ الأرض فقد حكم على كل منهم بالسجن مدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة.
وقد هرع الناس من جميع أنحاء دمشق لمشاهدة إعدام الجاسوس بعد أن نبههم راديو دمشق في الساعات القليلة السابقة إلى ذلك.
المصادر
*مجلة نضال البعث.
*البعث والوطن العربي.
*جريدة المناضل-عدد 94 شباط 1977.
*حول تجربة الوحدة-القيادة القومية-شباط 1962م.
*عبد الكريم زهر الدين: مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية-أيلول-1961-آذار 1963م.
*منيف الرزاز: التجربة المرة-بيروت-دار غندور 1967م.
*كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي-محمد فاروق الإمام
وسوم: العدد 883