النخب والثورة
معاذ عبد الرحمن الدرويش
فجر الثورة الأطفال و قام بها المراهقون و ألهبتها النساء، ثم اعتلاها من اعتلاها و اختلط الحابل بالنابل.
لا شك ان الثورة ما هي الا حالة فوضى،لكن هذه الفوضى سرعان ما تنتظم و تسير في فوضى منظمة ،إلا أن الثورة السورية كانت تسير يوماً بعد يوم من فوضى إلى فوضى أكبر.
الجميع يدرك أن غياب النخب عن قيادة الثورة ، هو الذي أثر على سرعة نجاحها و أخر في انتصارها.
و النخب التي سأتحدث عنها و التي يقع على عاتقها المسؤولية الكبرى هم ثلاث أصناف ، رجال الدين و الثقافة و ضباط الجيش و الأطباء.
رغم أن الثورة السورية انطلقت من المساجد رافعة راية الله اكبر ،و لا أحد يستطيع ان ينكر أنها كانت بصبغة إسلامية بحتة ،إلا أن رجال الدين الإسلامي هم آخر من التحق بركب الثورة إذا لم يبق واقفاً في صف النظام.
غياب رجال الدين مع رجال الثقافة عن قيادة الثورة أدى إلى غياب المبادئ الثورية الحسنة ،و انخراط كل ما هو سيء و مشين داخل صفوف الثورة،و غياب محور التنظيم بها ،و هو أساس نجاحها و تقدمها و هذا ما ادى إلى فشلها سياسياً.
أما بالنسبة لضباط الجيش و الذين من البداهة ان يقودوا الحراك العسكري للثورة بعد أن فرض عليها أن تتحول إلى مسلحة، فمع الأسف كانت قمة شجاعتهم أن تركوا أماكنهم بين صفوف جيش النظام ليلتحقوا بالمخيمات و بغيرها ، و تركوا قيادة الثورة لمن لا يفرق بين مبدأ الهجوم و الدفاع، و من ثم يأتي من يأتي من خارج سوريا ليستلم زمام القيادة في الثورة و هنا كان مقتلها.
أما الأطباء و الذين يصنفون في قمة الهرم في المجتمع السوري ، فهم الصنف الأكثر خذلانأ للثورة، و قد هرب القسم الأعظم منهم إلى خارج البلاد ،تاركاً نزيف الثورة و جرح الوطن مفتوحاً على الهواء و الشمس تعيث به جراثيم بيت الأسد فساداً و موتاً .
في حين أننا نجد أن الثورة كانت في الخارج أكثر نجاحاً و أكثر تنظيماً من الداخل،رغم كل التحفظات و كل الانتقادات لنشطاء الثورة بالخارج.
فنشطاء الخارج هم من قاد الدفة السياسية بنجاح مقبول رغم أن الداخل حاول أن يحبط عملهم بدلاً من أن يدعمه و يقويه.
و كل ما ورد ذكره يعود لسبب واحد ،أن النخب التي نعدها نخب في زمن نظام الفساد هي أبعد ما تكون عن النخب.
فرجل الدين ما هو إلا رجل دين بطريقة او بأخرى يسبح بحمد بيت الأسد صباح مساء.
و الضابط ما هو إلا خريج مدرسة حافظ الأسد ،و بيت الأسد ليسوا بهذا الغباء حتى ينشئوا ضباطاً حقيقيين إذا لم يكونوا على ملتهم.
و مهنة الطب في سوريا الأسد تعتبرفي القمة ليس لإنسانيتها و إنما لدخلها المادي.
فالنخب في الداخل هي نخب حسب نظام بيت الأسد و ليست نخب حقيقية ،و بالتالي سقطت مع بدايات الثورة.
أما نشطاء الخارج و الذين هم بالأساس شقوا طريقهم بأنفسهم في ظروف خارج إطار بيت الأسد كانوا أكثر نجاحاً و أكثر تنظيماً .
و لو كانت النخب الحقيقية هي التي تقود الحراك الثوري في الداخل لحصل تناغم بين الاثنين و نجحت الثورة في قيادة نفسها، و ما حصل الذي حصل.
فالفوضى العارمة التي تعيشها الثورة ، هي مخاض طويل حيث تظهر نخب فاشلة ثم تسقط و يظهر غيرها ثم تسقط حتى تظهر نخب حقيقية تستلم دفة الثورة، و هذه النخب لا بد أن تظهر من داخل الثورة .
آملين من المولى عز و جل أن يمن علينا بنخب ثورية تخاف الله و تخشاه بالسر و العلن ، قلبها على الناس و الثورة و الوطن ، تنقذ ثورتنا من التشرذم و الضعف و تصل بنا إلى بر الأمان بالنصر و التحرير من كل براثن بيت الأسد و كل من يؤيدهم و يشد على أيديهم.
ملاحظة الحديث كان بالعموم و لا ننكر الأبطال سواء من رجال الدين أو من الضباط أو من الأطباء و الذين تنحني الهامات و تقبل أقدامهم لما قدموه .