لماذا ينبغي أن نستبشر رغم الجراح؟!
د. وصفي عاشور أبو زيد
استبشرت خيرا - رغم حزني الشديد - من تواصلي الدائم مع الشباب الذين بدأوا ينطبق عليهم قوله تعالى: "لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)". سورة النساء. أمام هذا العدوان الغاشم الذي لم نقرأ عنه في مصر من قبل، ولم نر احتلالا يفعل هذا بمحتلين!
واستبشاري هو أن الوصول لدرجة الأخذ بكل ما يمكن، واستفراغ الوسع هو بداية التدخل المباشر من العناية الإلهية: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)". سورة يوسف.
استبشرت لأن الظلم والقتل بلغا مبلغا عظيما، والله يغار على خلقه، وهو أرحم بهم من أمهاتهم: "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ (19)". سورة الشورى. وإذا قدَّر قدرًا على خلقه فإنه يكون مصحوبا بلطفه ورحمته، قال ابن عطاء: "من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره"!.
استبشرت لأني لم أسأل أحدا: "هل تعرف أحدا كان ضد الانقلاب وأصبح معه"، إلا كانت الإجابة بالنفي "لا".
استبشرت لأني لم أسأل أحدا: "هل تعرف أحدا كان مع الانقلاب وأصبح ضده"، إلا كانت الإجابة بالإثبات: "نعم".
استبشرت لأن كثيرًا من أبناء الشعب استفاقوا وانتبهوا، وعلموا حقيقة ما جرى ويجري، والبقية تأتي.
استبشرت لأن المنقلبين ومن معهم في أشد الارتباك، وهذا يفسر سرعة قراراتهم وتواليها بشكل هستيري: من انقلاب إلى مذابح متوالية إلى تزوير إلى تفويض إلى ترقية إلى رئاسة ... إنه الصعود بأسرع ما يمكن إلى الهاوية وحبل المشنقة!
استبشرت لأن "فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)". سورة القصص.
استبشرت لأن الذين يرتقون كل يوم من خيرة شباب الأمة: علما وخلقا وسلوكا.
استبشرت لأن العالم كله يقف في وجه كل ما يمت للإسلام بصلة، وهذا سر حصار غزة، وسر تآمر العالم على مصر، وسر الحرب على تركيا، وسر محاولات إفشال الربيع العربي كله.
استبشرت لأن سنن الله في أخذ الظالمين أخذ عزيز مقتدر: أن يمهلهم، ويملي لهم، ويمد لهم الطِّوَلَ الْـمُرْخَى، لكن ثِنْياه بيد مَن لا يظلم مثقال ذرة، ومن حرَّم على نفسه الظلم، ومن لا يغفل ولا ينام، حتى إذا أخذهم لم يفلتهم: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)". سورة هود.
استبشرت لأن القراءة التاريخية لمنحنى الأمم والحضارات، وللرسم البياني للطغيان والحرية ينبئ بأن الطغيان في آخر محاولاته، وفي نهاية معاركه، وبعدها سترفل الشعوب في الحرية الكاملة والكرامة التامة، وما ذلك على الله بعزيز!
***
نحن لا نواجه انقلابيين في مصر فحسب، وإنما نواجه حربا عالمية على مصر وعلى الحرية فيها، وعلى إرادة الأمة التي إذا أتت بما لا تهوى أنفس المجرمين تجبروا واستكبروا، ففريقا كذبوا، وفريقا يقتلون.
استبشروا خيرا أيها الأبطال الصامدون المرابطون على ثغور الحرية والكرامة، والمواجهون للعالم في تآمره وانقلاب موازينه، الذي يكيل بألف كيل، ولنردد قول الحق سبحانه: "قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)". سورة التوبة.