قدوة القيادة في الإسلام 7
قدوة القيادة في الإسلام
الحلقة السابعة : مادة الدعوة
إن أساس دعوة الرسل جميعاً هو التوحيد
د. فوّاز القاسم / سوريا
به بعث الأنبياء والرسل جميعاً ، من لدن آدم ، إلى محمد ، صلوات الله عليهم أجمعين . قال تعالى : (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ، أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، فمنهم من هدى الله ، ومنهم من حقت عليه الضلالة ، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين )) النحل (36) .
ومن يتابع قصص الأنبياء في القرآن الكريم ، يجد هذه الحقيقة واضحة جلية .
* فهذا سيدنا نوح عليه السلام ، يتحدث عنه القرآن الكريم فيقول :
(( ولقد أرسلنا نوحاً الى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )). المؤمنون(23).
* وسيدنا هود عليه السلام : (( وإلى عاد أخاهم هوداً ، قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )). الأعراف (65)
* وسيدنا صالح عليه السلام : (( وإلى ثمود أخاهم صالحاً ، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )) . الأعراف 73 .
* وسيدنا إبراهيم عليه السلام : (( وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه )). العنكبوت (16).
* وسيدنا شعيب علي السلام : (( وإلى مدين أخاهم شعيباً ، قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )) . الأعراف( 85) .
وهكذا بالنسبة لبقية الأنبياء والمرسلين ، سلام الله عليهم أجمعين .
* ثم جاءت الدعوة الإسلامية ، على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة الدعوة الطويلة إلى الإسلام بقيادة الرسل الكرام .
جاءت لتؤكد نفس الحقيقة التي أكدتها الدعوات السابقة . وهي تعريف الناس بإلههم الواحد ، وربهم الحق . وتعبيدهم لله وحده ، ونبذ ربوبية الخلق ، ونزع السلطة التي تنظم حياة البشر في هذه الأرض ، من يد الجاهلية المخلوقة ، وردها إلى الله الخالق .
قال تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم :
(( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ، الذي له ملك السماوات والأرض ، لا إله إلا هو ، يحي ويميت ، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)). الأعراف (158) .
ولقد كانت أول كلمة صدع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن شرفه الله بالدعوة ، وأمره بالجهر بها ، أن صعد على الصفا وخاطب قومه قائلاً : (( إني نذير لكم بين يدي عذاب أليم )) .
ولقد رأينا من قبل كيف أن مجموعة من أشراف قريش كانوا قد اجتمعوا عند أبي طالب ، يعودونه في مرضه ، وطلبوا منه أن يرسل في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليأخذوا لأنفسهم منه ، ويأخذ لنفسه منهم ، فلما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلموه في ذلك ، قال : (( كلمة واحدة ، تعطونيها ، تملكون بها العرب والعجم .! تقولون :لا إله إلا الله ، وتخلعون ما تعبدون من دونه من الأوثان )).هشام1 (417) .
ولما رفض مشركو مكة هذه الكلمة ، على إنصافها .
توجه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى قبائل العرب الأخرى، فكان يعرض نفسه عليهم قبيلةً قبيلة.
يدعوهم إلى الله ، ويسألهم أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه …
ثالثاً _ المدعوون :
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يدعو إلى الله من خلال خطة محكمة ، تعتمد نظام الحلقات والدوائر ، التي تبدأ من المركز ، ثم تتسع إلى المحيط شيئاً فشيئاً . فلقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدائرة الأولى ، وهي نفسه الشريفة ، فهيأها لتقبل الوحي بالعزلة والخلوة والتفكر والتأمل .!
وعندما شرّفه الله بالوحي ، روض نفسه على احتمال التكليف بالشكر والعبادة والتضرع والدعاء والترقّي والاجتهاد .
ولقد جاء فتور الوحي ، كنوع من التجربة والاختبار الإلهي لعقل النبي صلى الله عليه وسلم ، وروحه .
كما كانت ، فيما نظن ، فرصة أعطيت له صلى الله عليه وسلم ، ليتفكر في هذه الحقيقة الهائلة التي ندبه الله إليها ، ويتفاعل معها ، ويرتقي إلى آفاقها ...
من أجل ذلك ، فقد كان حزنه صلى الله عليه وسلم على انقطاع الوحي عميقاً ، وضيقه شديداً . وكان يلوم نفسه خوفاً من أن يكون الله قد قلاه ، أو يكون قد أحدث ما يستوجب حجب الثقة عنه .!
ولقد حدّث الرواة : أنه كان يهيم على وجهه في الجبال ، يستغفر ويتضرع . ولطالما حدثته نفسه أن يلقي بها من شواهق الجبال . حزناً وأسفاً ، أن يكون قد صدر عنه ، ما يشي بعدم جدارته لهذه الأمانة .! حتى نزلت سورة الضحى ، لتؤكد له صلى الله عليه وسلم أنه لهذه الدعوة أهل ، وأن الله لم يتخل عنه . هشام1 ( 417 ).
ثم انتقلت دائرة الدعوة من نفسه الشريفة إلى أهل بيته .
فبدأ بزوجته خديجة رضي الله عنها ، وثنىّ بابن عمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ثم ثلّث بمولاه وخادمه زيد بن حارثة رضي الله عنه ..
ثم انتقلت دائرة دعوته صلى الله عليه وسلم ، الى أصدقائه المقربين، فبدأ بأشدهم قرباً منه ، وأكثرهم ثقة به ، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ثم انتقل الى عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص ، والزبير بن العوام ، وغيرهم ، رضوان الله عليهم أجمعين ..
ويجب أن لا ننسى أن الدعوة ، كانت تعتمد في هذه المرحلة ، على الاصطفاء والانتقاء ..
ثم انتقلت الدائرة الى العشيرة ، فصعد صلى الله عليه وسلم الصفا ، ودعا الناس ، وبدأ يخاطبهم فخذاً فخذاً ، يا بني فلان ، ويا بني فلان، أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيأً ، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها ..
ثم انتقلت الدائرة الى بلدته مكة ، فدعى جميع من يسكنها من العشائر والبطون إلى الإسلام .
ثم انتقل إلى العرب قاطبة ، فكان يعرض نفسه على القبائل ، يغشاهم في مجالسهم ، ويطو ف عليهم في مواسمهم ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ..
ثم انتقلت دائرة دعوته إلى العالمين ..
هذا هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، سيد الدعاة إلى الله ، فهل نقتدي به ، ونسير على نهجه ، وننسج على منواله .