من أب شهيد إلى ابن شهيد
من أب شهيد إلى ابن شهيد :
نص من الرسالة التي وجهها أحد الإخوة الأدباء السوريين الشهداء إلى ابنه الشهيد – رحمهما الله تعالى – الذي اغتيل بعد هذه الرسالة بعامين
بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي الحبيب عمار
أطيب تحياتي إليك يا بني مع دعائي إلى الله أن يحرسك و إخوتك ووالدتك ويرضى عنكم رضاء لا سخط بعده ، وأشهد بأني عنكم راضي.. وسلام عليكم منه ورحمة ...
أما بعد : فقد علمت بمقدمك إلى دمشق الأحد 10/2/1980 علمت ذلك من الأغراض التي وصلتني التي أحسنت انتقاءها بذوقك المعهود السليم ، فبارك الله فيك يا بني على ما بذلت من جهد السفر ، وأنالك جزيل المثوبة على ما تحملت من وقع الصدمة العاطفية ، عندما حيل بينك وبيني ولو لربع ساعة من لقاء
يبدو – يا بني – أن الله سبحانه وتعالى – لا يريد أن يمتحنني أنا وحدي بالبعد عنكم ، ليعلم مدى صبري على هذا الامتحان – وهو العليم الخبير –ولكن يريد أن يمتحنكم أنتم كذلك ، وأنت بالذات ليعجم عودكم ويمحصكم أتصبرون أم تضجرون ؟
أترضون بقضاء الله أم لا وتسخطون ؟ و أرجو ، بل أنا على يقين من أنكم صابرون متجملون في صبركم ، وأعظم بأجر الصبر! وأكرم بمرتبة الصابرين من مرتبة عند الله العلي العظيم الذي من أسمائه الحسنى (الصبور)..
الأمور مرهونة بأوقاتها فلا تبتئس يا بني ، ولكل أجل كتاب ، وحتى لا ينشغل منكم البال ، لماذا نحن فقط لا يسمح لنا بالزيارة ، وتسمعون عن الآخرين ، فالحمد لله على كل حال ، وحفظ عليكم ماء وجوهكم ؟!.
ولدي الحبيب : لعلكم تعيشون في الآونة الأخيرة دوامة من الإشاعات ، مؤداها أن هناك إفراجات قريبة وإن نصيحتي إليكم أن تكونوا بمشاعركم خارج الدوامة هذه ، أي لا تعيشوا الآمال المفرطة بحيث أنكم تتوقعون وصولي إليكم بين يوم و آخر ... لا...لأننا – يا بني- بين يدي خصم باطني ماكر لا يعرف له وجه من قفا ، ولا ظهر من بطن ؟! والمقاليد – مع ذلك- كلها بيد الله ، علقوا آمالكم عليه وحده دون لهف ولا يأس ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
فراغي أصرفه بين عبادة وقراءة وكتابة ،و هذه فرصة ذهبية بالنسبة إلي ،ونعمة كبرى والله أعلم . و إحساسي يقول لي : إن الفرج قريب ، وإن النصر قريب ... ربما يكون مرد هذا الإحساس إلى ثقتي العظيمة بتولي الله لعباده المؤمنين ، وإلى حسن ظني به ، وبدفاعه عن أوليائه الضارعين.
تحياتي العطرة إليكم جميعا ،و خاصة لجدك الذي أتمنى على الله أن يمتعه بوافر الصحة والعافية ، وأن يمتعني برؤيته وتقبيل يديه عما قريب ، وأرجوه المزيد من الدعاء ودمتم في حفظ الله ورعايته
والدك إبراهيم
وسوم: العدد 889