في الذكرى الثامنة لانتصار منهج التغيير والإصلاح

الشرعية الفلسطينية بين فكي كماشة

التغييب القسري  ... والمحاصرة

م. وصفي قبها

لقد عاشت الأراضي الفلسطينية المحتلة  في الخامس والعشرين من كانون ثاني من العام 2006 عرساً ديمقراطياً بإمتياز، لم تشهده من قبل، ولم يتخلل أو يشوب هذه العملية أية تجاوزات ممكن أن تشكل طعناً يغير من نتيجة هذه العملية مع كثرة التجاوزات التي لم ترتق إلى درجة تقديم الطعون، وما أن أقفلت صناديق الإقتراع حتى بدأت هذه الصناديق تعبر عن إرادة وتوجهات الشعب الفلسطيني بكل حيادية وشفافية، ومع نهاية الفرز نطقت بقرارها الحاسم والمانع الذي لا جدال ولا لُبس  فيه " نعم للتغيير والإصلاح "، نعم لحركة المقاومة الإسلامية ـ حماس ممثلاً للشعب الفلسطيني، وحارساً أميناً لثوابته وقضيته، الأمر الذي أشعل الأضواء الحمراء ودق ناقوس الخطر في كل مراكز وأروقة  صنع القرار في العالم والتي تؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية للعرب هي تلك التي لا يصل الإسلاميين فيها للسلطة،        " وهذا ما أكده المفكر الأمريكي ناعوم تشومنسكي عندما تحدث عن مقاييس الديمقراطية المطلوبة أمريكياً وأوروبياً في أعقاب الإنقلاب على الشرعية في أرض الكنانة "مصر"،  وعليه فقد كان إستنفاراً دوت له صفارات الإنذار، فَعُقدت الإجتماعات ووضعت الخطط وأتخذت القرارات والهدف " إغتيال ووأد هذا المولود"،ومن أجل تحقيق ذلك فقد حُشدت الطاقات ووُفرت كافة أشكال وصور الإمكانات، ومن المؤسف أن حركة فتح كانت المحرض الأساس والعنصر الأكثر فعالية، والجهة التنفيذية على أرض الواقع من خلال ما شهدته الساحة الفلسطينية، من محاولات مستميتة لإشاعة ونشر الفوضى ووضع العصي في دواليب عمل الشرعية الفلسطينية الجديدة المتمثلة بحماس.

ولا بد من الإشارة إلى أن إصرار حركة فتح ممثلة برئيسها على مشاركة حماس في تلك الإنتخابات وبتأييد إقليمي ودولي، وتوقيع إتفاق إطار لذلك في القاهرة يوم 17/3/2005  لم يكن ذلك نابعاً من قناعات راسخة وإيمان بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحرص على الشراكة السياسية، بل جاءت هذه الرغبة والمطالبة استنادا لدراسات وتوصيات عديدة إحداها صدرت عن مجموعة الأزمات الدولية ( مجموعة غير حكومية متخصصة في حل وتجنب النزاع المسلح ) بدفع وتشجيع حماس للمشاركة بالإنتخابات التشريعية وجرها إلى مربع المفاوضات السياسية بعد أن فشلت كل المخططات وإجراءات القوة في إستئصال وإجتثاث حماس وردعها عن سياساتها التي تُشكل مصدر خطر حقيقي على أمن الكيان المحتل، وإختتمت الدراسة توصيتها بضرورة ردع حماس بالديمقراطية، ظناً منهم أن مشاركتها في الإنتخابات سيقيدها بإلتزامات رسمتها عقلية المكر والإحتيال ومنها أن ذلك سيلزمها بنهج السلطة التفاوضي وسياساتها وما ستؤول إليه المفاوضات، حيث كان يُتوقع فوزاً ضعيفاً لحماس وبنسبة لا تمكنها من أن تكون حتى معارضة قوية ولها إعتبار، بل كانوا يتوهمون أن المارد الفتحاوي سيجتاح التشريعي ويحصد غالبية مقاعده الأمر الذي يمكنه من الإستفراد بكل شيء وأخذ غطاء بأن حركة فتح وممارساتها وإستفرادها وإغتصابها للمؤسسات والقرار الفلسطيني كان بقرار جماهيري وتفويض شعبي وإن لم يكن هناك إنتخابات،  وعليه ستُمرر سياسات السلطة وتأخذ الغطاء والضوء الأخضر من المجلس التشريعي الذي كان يُتوقع أن تحصد فتح غالبية مقاعده  وتتصدر القوائم، وتستحوذ مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والمستقلين الغالبية العظمى من المقاعد، لذلك فقد صُدم هذا العالم وصفعته وردعته صناديق الإقتراع التي كان من المخطط  لها أن تردع حماس.

لقد أفاق العالم على زلزال وتسونامي حمساوي قلب كل الموازين وجاءت إرتدادات هذا الزلزال محيرة للجميع،  وقد إرتد المكر إلى نحور الماكرين فكان  لا بد لهم من معاقبة حماس  وحصارها وإفشالها عبر سيناريوهات عديدة كانت فتح رأس الحربة لتنفيذ هذه السيناريوهات أو أن يكون لها الدور الأكبر في ذلك، وبعيداً عن ما قامت به فتح والعالم الظالم فإن التركيز وتحت هذه العنوان  على ما قام به الكيان الغاصب من تغييب قسري للشرعية من خلال زجها خلف القضبان، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حماس وفور فوزها قد أكدت على إحترام خيارات الشعب الفلسطيني، وناشدت المجتمع الدولي وتحديداً أمريكا وأوروبا على إحترام خيارات الشعوب ومن ضمنها خيار الشعب الفلسطيني الذي إنتخب حماس، وأن لا يتم وقف المساعدات وقطعها عن هذا الشعب الذي عبر عن إرادته الحرة، في الوقت الذي لخصت حماس أولوياتها في ثلاثة محاور رئيسية، هي إصلاح الواقع الفلسطيني وتغييره إلى الأفضل، وحماية المقاومة وحشد الجماهير حولها، وترتيب مؤسسة القرار الفلسطيني  ( مجالس محلية وبلدية، مجلس تشريعي، ومنظمة التحرير الفلسطينية ) على أساس قبول الآخر والتداول السلمي للسلطة في إدارة الشأن الفلسطيني،  وتعزيز مبدأ الشراكة السياسية، وفق نظام داخلي يتوافق عليه الكل الفلسطيني بكل أطيافه وألوانه.

إن حماس  بإيمانها وبسياساتها وتربيتها وثقافتها تؤمن بالحوار الوطني لغة وحيدة بين كل مكونات الشعب الفلسطيني،  من أجل الوصول إلى الشراكة الوطنية وتحمل المسؤولية بشكل جماعي، وتؤمن بأهمية وضرورة الإنفتاح على المجتمع الدولي، وبنفس الوقت فقد رفضت حماس أن تكون المساعدات الدولية سيفاً مسلطاً على الشعب الفلسطيني،  وأكدت  للقاصي والداني أن هذه المساعدات لن تكون إبتزازاً لشعبنا ومقاومته ولحماس، وهي التي على الدوام تشدد في سياساتها وتنتهج طريقاً ترفض فيه الإبتزاز السياسي، وتؤكد بذات الوقت أنها  لا تطلب أي قطيعة بينها وبين العالم ولا نية لديها لذلك، ومن الجهة الأخرى فأن الكيان المحتل وعلى جميع مكوناته وتكتلاته السياسية المختلفة وصف فوز حماس بالزلزال السياسي، وسارعت الرباعية الدولية لوضع شروطها الملزمة  للتعامل مع "حماس"،  فمكونات الإحتلال  التي أجمعت على ضرورة تقويض سلطة حماس قد تقاطعت أهدافها مع أهداف فتح وكل أعداء الشعب الفلسطيني، وبعيداً عن الحصار وإغلاق المعابر وعدم السماح بإدخال المواد الأساسية الضرورية ومنع حركة المسافرين من وإلى غزة إلا من المتنفذين في حركة "فتح"  وعدم السماح بدخول العملة الإسرائيلية، والتضييق والضغط على السكان، وجملة المراسيم الرئاسية التي أتخذت من قِبل سلطة فتح، ووضعت كعراقيل  وعصي في دواليب العمل على طريق النجاح،  كل ذلك جاء كخطوات رسمتها العقلية النازية الجديدة ووصلت  الأمور بأن شنت حملة إعتقالات واسعة وشاملة يوم 29/6/2006 طالت وزراء وأعضاء مجلس تشريعي، ورؤساء وأعضاء مجالس محلية وبلدية منتخبين بالإضافة إلى العشرات من القادة والكوادر في حركة حماس، هذه الحملة توجت  بإختطاف رئيس الشرعية الفلسطينية ـ الدكتور عزيز دويك، ونائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور ناصر الدين الشاعر ولم يسلم أحد من الإختطاف والإعتقال ولو لمرة واحدة  من النواب والوزراء، وقد أعتقل البعض منذ إعلان نتائج الإنتحابات الأخيرة أكثر من ثلاث مرات، فقد أعتقل ستة وأربعين نائباً من أصل سبعة وأربعين نائباً ممن يُحسبون على حركة حماس في الضفة الغربية، كما وأعتقل سبعة وزراء من وزراء الحكومة العاشرة، لذلك فإن هذه الإعتقالات لا يمكن وصفها بأقل من قرصنة إسرائيلية تستهدف النظام السياسي المحسوب على حركة حماس، وأن مجمل هذا الإستهداف للسلطتين التشريعية والتنفيذية يأتي  في إطار تقويض النظام السياسي الجديد والمساعي المتواصلة لتوتير الأجواء في المنطقة وللإلتفاف على خيار الشعب الفلسطيني على طريق إفشال الحكومة وإسقاطها وبالتالي إستهداف القضية الوطنية برمتها.

لا شك أن ما قام به كيان الإحتلال الإسرائيلي يعد تجاوزاً  خطيراً  لكل الإتفاقات الدولية التي تضمن حصانة ممثلي الشعوب وسلامتهم ، ويُعد كذلك مساً خطيراً بالسيادة الفلسطينية، وتجاوزاً لكل الإلتزامات التي وقعها الإحتلال مع منظمة التحرير الفلسطينية. فما يقوم به الإحتلال من عمليات إختطاف وإعتقال لا يتعدى كونه شكلاً من أشكال القرصنة والإبتزاز السياسي الرخيص تتعمد سلطات الإحتلال الصهيوني ممارسته ضد الشعب الفلسطيني وممثليه البرلمانيين لكسر إرادة الشعب ومصادرة خياره وقراره التي عبر عنها في صناديق الإقتراع بطريقة حرة ونزيهة، كما أنها إمعاناً بالإستهتار بإرادة الشعب الفلسطيني، هذا إضافة إلى أنها تعتبر عدواناً على المؤسسات الشرعية الفلسطينية وعلى حقوق الإنسان وحصانة النواب والوزراء وعلى الشعب الفلسطيني بأكمله،  ومن المفارقات العجيبة والغريبة أن هذه الإنتهاكات السافرة  وعلى الدوام تتم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وبدلاً أن يُشكل هذا ألإستهداف دافعاً لكل القوى الحية في الشعب الفلسطيني لتعزيز الوحدة الوطنية والإلتفاف أكثر حول الحكومة ومواقفها الثابتة للحيلولة دون تمرير المخططات الصهيو ـ أمريكية في المنطقة، وبدلاً من أن يستدعي  ذلك وقفة جادة ومسؤولة ومن كافة مكونات الطيف السياسي الفلسطيني للتمسك بالثوابت  والمحافظة على الوحدة الوطنية وتعزيز كل عناصر القوة والتوافق الوطني داخل الساحة الفلسطينية وتجنيد الرأي العام  العالمي لحماية الشرعية الفلسطينية ولإفشال المخططات الإسرائيلية التي لا تريد الحرية وألإستقلال  للفلسطينيين وإقامة كيانهم المستقل، رأينا التيار المتنفذ في حركة فتح  يلعبُ دوراً فاعلاً لإفشال الحكومة وتقويض نظامها متنصلاً من مسؤولياته ومتغاضياً عن أن حماية الشرعية الفلسطينية مطلب ديني ووطني وأخلاقي.

واليوم ومع إستمرار إختطاف وإعتقال النواب والوزراء  ومن خلال سياسة الباب الدوار فإن ذك يعد إنتهاكاً لأبسط القيم والأعراف والقوانين الدولية ويأتي في سياق سياسة تصعيدية مبرمجة للحيلولة دون إلتئام المجلس التشريعي في نصابه المكتمل، بينما يفرض الإحتلال وأعوانه حصاراً  صارما على غزة وشعبها ويُمنع ممثلي الشعب الفلسطيني من مغادرة قطاع غزة  وهكذا تقع الشرعية الفلسطينية بين فكي كماشة التغييب القسري والمحاصرة.

ولكن كل ما تقدم لا يتناقض مع صرخات الحزن والألم إزاء التقصير الفاضح عند غالبية أعضاء التشريعي ومن كل الأطياف والألوان، والأمر ليس مقصوراً على نواب التغيير والإصلاح الذين غيروا الإسم في شهادة الميلاد  فيما بينهم وصدروه إلى الشعب الفلسطيني من خلال وسائل الإعلام حيث أصبح " النواب الإسلاميون، والجميع يظن أن النواب الأكارم قد شمروا عن ساعد الجد والإجتهاد، وأرادوا أن يخدموا الشعب الفلسطيني الذي إنتخبهم آخذين بعين الإعتبار الواقع الجديد وفزاعة الإعتقال وهنا من الحكمة أن يتجنب النواب بُعبع الإعتقال،  وان يقوموا بالمهام والصلاحيات الموكولة لهم وفق ما منحهم الدستور ذلك ووفق عقد الإنتخابات الديني والوطني والأخلاقي مع الشعب الفلسطيني، ولكن ما حصل أنه تمَّ تغيير الإسم في شهادة الميلاد من جهة، وهناك من ذهب في بيات شتوي أو بيات صيفي أو في البياتين معاً، ولا أحد يُنكر أن هناك من النواب من يحمل الهم ولكن بنسب متفاوتة وغالبيتهم في أسفل السفل من حيث القيام بالأمانة وبالواجبات والمهام ، وهذا ليس تقييماً شخصياً على الإطلاق.

كان بالإمكان أن يفكر النواب ويستشيروا ويسمعوا لمن يُقدم لهم النُصح والمشورة على مدار سنوات كيف يمكن أن نتغلب على الواقع المفروض علينا ونبقى على تماس مباشر مع أبناء شعبنا الفلسطيني، ويقيني أن النواب لن تنقصهم الخبرة ولا القدرة العقلية ولا الثقافة بأن تتفتق العقلية النيابية عن أساليب وآليات جديدة تحاول من خلالها إنتزاع حقها في تمثيل شعبها، وأن تتلمس حاجات ومشاكل،  ولكن  من المؤسف أن نقول  وبأعلى الصوت أن غالبية من يمثل الشعب الفلسطيني ـ وهنا أتحدث عن الضفة الغربية ـ بواد والشعب الفلسطيني بواد آخر حيث لا نجد من هؤلاء الذين وطنوا أنفسهم على القبول بالواقع المفروض ولم يحركوا ساكناً بالرغم من تغيير الإسم،  وبما يكفله لهم الدستور لإنتزاع حقهم في تمثيل الشعب الفلسطيني، أو على أقل ما يمكن  الإحتجاج الفعلي من خلال الإعتصامات المستمرة وفضح الإستبداد المستشري في الساحة الفلسطينية، وهنا طُرحت التساؤلات التالية على سبيل المثال وليس الحصر، لماذا لم يقيم النواب خيمة إعتصام واحدة  في ساحات التشريعي وأمام مقاطعة في رام الله في محاولة لإنتزاع التشريعي صلاحياته من قبل من يمنعهم من ذلك ؟؟؟  لماذا لا تكون هناك خيمة إعتصام متنقلة في محافظات الوطن لفضح من يُصادر الشرعية الفلسطينية ويمنعها من ممارسة صلاحياتها ؟ لماذا لا تتم الدعوة لعقد جلسة للتشريعي وقوفاً على  دوار المنارة في رام الله، ودوار أبن رشد في الخليل ودوار الشهداء في نابلس وباقي محافظات الوطن، يتم مناقشة قضية حقوقية وإنسانية واحدة في كل لقاء وعلى سبيل المثال  تخص تلك المحافظة ويتم خلال الجلسة إستعراض إنتهاكات السلطة بحق الشعب الفلسطيني وتحديداً أبناء حماس والمتعاطفين معها، للفترة ما بين الجلستين، ومتابعة حتى التفاصيل المتعلقة بالشأن الفلسطيني من فصل وظيفي وإعتقالات  وتجاوز عن الدور في الوظيفة وملاحقات ومصادرات لأموال وتضييق في العيش، ومصادرة وإغتصاب المؤسسات وقرارات الإقصاء والإستئصال، ومناقشة جرائم الإحتلال التي تستهدف الكل الفلسطيني، ومتابعة ذلك عبر ما يتوفر لديها من وسائل إتصال مختلفة مع كل البرلمانات في العالم والمؤسسات الدولية،   ويتم في كل جلسة توثيق هذه الإنتهاكات والجرائم أمام الرأي العام والصحافة، ويتم أيضاً إستضافة المظلومين والمضطهدين والمقهورين والمحرومين وسماع شهاداتهم من قبل أعضاء التشريعي هذا جزء ووجه وصورة  من  المطلوب في ظل هذه المرحلة وواقعها المفروض، وبإمكانهم إهتبال الفرص، والبحث عن آليات ووسائل جديدة، ولكن للأسف هناك من نجحت سياسة التخويف معه فأرز إلى جدران بيته وقد مرد على الدعة والعافية، ولا يُسمع صوته إلا عندما يُمس شخصه، وتُسول له نفسه أن عمل التشريعي يقتصر حصرياً بتقديم التعازي والتهاني للمعارف والأصدقاء وبإنتقائية أيضاً، كما وفي أحسن أحواله يحاول البحث عن ما مبررات تقصيره التي لا تندرج حتى تحت باب الأخذ بالرخص، والدعوات لا تنتصر والحقوق لا يمكن تحصيلها من خلال أصحاب الرخص فما بالك بمن يُقصر بالأمانة الملقاة على عاتقه وبالمهام والصلاحيات الموكولة إليه ولا يؤدي الأمانة  حقها وهو الذي قبل بحملها من تلقاء ورضى نفسه.