هوامش على متن الثورة المصرية
حسام مقلد *
مع أولى نسمات فجر يوم 25يناير عام 2014م انطلق ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين لاستعادة ثورتهم والتأكيد على أهدافها ومطالبها في موجة ثورية جديدة، لكن ظروف الثورة الآن قد اختلفت عن الموجة الأولى بعد أن اختلطت الأمور، وجرت في البحر مياه كثيرة... ولنتوقف قليلا مع هذه المشاهدات:
السيسي يتشاور بالساعات مع وزير الدفاع الأمريكي في الشأن المصري!!
في تصريح لصحيفة الواشنطن بوست ذكر الفريق السيسي أنه يتكلم مع وزير الدفاع الأمريكي عدة ساعات يوميا ليستشيره في تطورات المشهد المصري!! ... ولم نشاهد السيسي في أي اجتماع مع أحد العلماء أو المفكرين المصريين، بل شاهدناه فقط مع الراقصات والممثلين والعلمانيين والشيوعيين واليساريين والفلول وكل كارهي الإسلام ورموز الفساد... ولم نسمع السيسي يتكلم أبدا عن البحث العلمي، ولا عن تطوير الجامعات، ولا عن مشاريع إنتاجية عملاقة تحقق الرخاء للمصريين، بل سمعناه يتكلم عن فرض الرأسمالية المتوحشة على مصر وذلك عندما تحدث عن دفع المواطن ثمن أي خدمة سيحصل عليها... ويبدو أن السيسي يريد فرض هيمنة العسكر بقوة السلاح وجعل مصر مجرد تابع ذليل للأمريكان في منظومة العولمة... ولكن هيهات فلن يترك المصريون الساحة لجشع العسكر وأطماعهم، بل سيناضلون من أجل انتزاع الحرية والكرامة والاستقلال الحقيقي لمصر وشعبها العظيم!!
الشيخ محمد حسان وتماثيل السيسي!!
عندما شاهدنا بعض شبيحة السفاح بشار الأسد يسجدون لصورِه ويقول أحدهم: "نحن نعبد بشار وإلهنا هو بشار" فسرنا ذلك على أن هؤلاء علويون نصيريون كفار من الأساس حيث يؤلِّهون عليا بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكننا فوجئنا بمؤيدي السيسي يصنعون له تماثيل ويبيعونها في ميدان التحرير... وخرجت علينا إحداهن تقول: "أحب السيسي حب عبادة".. وقالت أخرى: "لو أشار لنا السيسي لوهبنا له أنفسنا ولأخذنا ملك اليمين".. وألَّفت ثالثة كفرا صريحا قالت فيه: "الحمد للسيسي ... مالك مصر وإلهها الكبير"...!!
ولا أدري أين علماء الإسلام؟! أين السلفيون الذين يتيهون على غيرهم بالحرص على صفاء عقيدة التوحيد؟! ... وعندما تكلم الشيخ محمد حسان بعد صمت طويل لم ينكر هذا الكفر البواح بل أدان الإخوان ومناصري الشرعية!! سبحان الله!! ألم يجد الشيخ شيئا يقوله غير أن يسوي بين القاتل والمقتول والجلاد والضحية؟! ... أليس في صنع تماثيل السيسي ذنب عظيم؟! أم أن صناعة التماثيل أصبحت حلالا؟! ... إننا نعلم أن علة تحريم صناعة التماثيل وتبجيلها وتعظيمها في الإسلام هو خشية أن يعبدها الناس من دون الله ... وفي الحديث الشريف قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا تقومُ الساعةُ حتى تضطربَ ألَيَاتُ نساءِ دَوْسٍ على ذي الخَلَصَة" (رواه الشيخان البخاري ومسلم) والمراد أن نساء دوس يضطربن من الطواف حول صنم يدعى (ذو الخلصة) والمقصود أن الساعة لن تقوم حتى يرجع أهل دوس إلى الكفر وعبادة الأصنام وتعظيمها... فهل نأمن ذلك على جهلة الناس في مصر؟! وهل تماثيل السيسي ستكون مُهَانة كلُعب الأطفال مثلا أم أنها ستكون محل التعظيم والإجلال؟! وبالتالي هل يجوز اقتناؤها فضلا عن صنعها أم لا؟! ... ليتك يا شيخ محمد حسان أنت والشيخ برهامي وغيركم من مشايخ السلفية تفتوننا في هذه المسألة!!
النصر قادم بإذن الله فأبشروا وتفاءلوا بالخير:
ربما تطال مشاعر الإحباط بعض قصيري النفس، وهذا طبيعي لكن ينبغي ألا يسترسل الإنسان مع هذه المشاعر السلبية.. ولأتوجه للثائر بالقول: أخي (الثائر الحق) أنت لا تقاوم فقط انقلاب العسكر، ولا ثورة الفلول المضادة المدعومة بالجيش والداخلية والإعلام والقضاء، بل أنت تقاوم بصدرك العاري ويديك الفارغتين المسالمتين ودمائك الغالية النموذج الرأسمالي المتوحش المهيمن على البشرية كلها، ولا شك أن المعركة ستكون طويلة ومضنية ... ولكن هذا هو قدرك وقدرُ الشرفاء العظماء أمثالك، وأنت في الواقع أخي الثائر تدافع عن حقك في الحياة، أنت تدافع عن مستقبلٍ زاهر وحياة كريمة لك ولأبنائك ولوطنك ولأمتك بل وللبشر جميعا... فاصبر واحتسب وكن على ثقة تامة بنصر الله تعالى وموعوده عز وجل، ولا تتعجل الأمر، فقط ابذل ما في وسعك وأدِ ما عليك، وانتظر نصر الله تعالى في أية لحظة... ولا تغرنَّك قوةُ الباطل ولا تخدعنَّك صولتُه وصوتُه العالي، واعلم أن الله تعالى يؤيِّدُك وسوف ينصرك، هذا ما تعهد الله تعالى به ... قال عز وجل: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" (الحج: 38) ... وقال سبحانه: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" (غافر:51) ... وقال عزَّ اسمه: "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (المجادلة:21).
أخي الثائر اصبر واحتسب ولا تجزع واعلم أنك على الحق، والحق يحتاج لرجال أشداء أولي عزم وبأس... وتأمَّل هذا الحديث الشريف عن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال شكونا إلى رسولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لهُ في ظلِّ الكعبةِ، قلنا لهُ: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو اللهَ لنا؟ قال: "كان الرجلُ فيمن قبلكم يُحْفَرُ لهُ في الأرضِ، فيُجْعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمنشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثنتيْنِ، وما يصدُّهُ ذلك عن دِينِهِ، ويُمْشَطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ لحمِهِ من عظمٍ أو عصبٍ، وما يصدُّهُ ذلك عن دِينِهِ، واللهِ ليُتِمَّنَ هذا الأمرُ، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموتٍ لا يخافُ إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِهِ، ولكنكم تستعجلونَ" (رواه البخاري).
واعلم أخي أن هناك ناموسا إلهيا يحكم الصراع بين الحق والباطل يتلخص في كلمات قليلة هي: (الصبر والبذل والتضحية) ... وهذا الناموس ينطبق في كل زمان ومكان وفي كل عصر ومصر، وها هي الثورة الفرنسية التي يعدُّونها النموذج والمثال استمرت سنوات سادت خلالها الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا، لكن الثورة انتصرت في النهاية، وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل جذري بعد إقطاع دام عدة قرون، وأثرت الثورة بشكل بالغ العمق في فرنسا وأوروبا كلها.
* كاتب إسلامي مصري