خوارق المال الإماراتي!
بوسع من يشاء أن يقول ما يريد في قيادة الإمارات العربية المتحدة، فقد فعلت الموبقات في حق العرب والمسلمين، لكن لا يسعنا إلا الاعتراف بأن محمد بن زايد يمتلك قدرات قيادية عالية، حيث فعل الأفاعيل في ظل عجز وذهول كثير من القيادات المواجهة له؛ ولهذا فقد كتبت قبل فترة من الزمن: لو كانت لي دعوة مستجابة، لدعوتها لمحمد بن زايد، فهو بفاعلية أبي جهل وعمر بن الخطاب اللذين دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اللهم أيّد هذا الدين بأحب هذين الرجلين إليك: عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب"!
لقد أثبت محمد بن زايد بأن للمال الإماراتي قدرات خارقة تقترب من خوارق مسيلمة الكذاب، فقد نجح أيما نجاح في قلب الحقائق وتزييف الوقائع، وفي مسخ الكثير من الآدميين وتحويلهم إلى أنعام تمشي على رجلين !
لقد رأينا ذلك المال يدفع الكثير ممن كنا نعدهم من الرجال المحترمين، إلى التسابق للحج في أبوظبي والاعتمار في دبي، وراينا هؤلاء يسارعون إلى دخول بيت الطاعة بل ولا يأنفون من الولوج إلى حظائر طويلي العُمُر!
لقد صنع المال الإماراتي من العجائب والغرائب ما لم يصنعه الأوائل، حيث الكثير من التباينات التي تثير السخرية والرثاء، فقد أدت بركة المال الإماراتي إلى ظهور اشتراكيين يحتضنون ليبراليين وإلى احتفاء ديمقراطيين علمانيين بشيوعيين شموليين، وشاهدنا سلفيين يملأ الشعر وجوههم يلهجون بمناقب صوفيين كانوا بالأمس القريب قبوريين مشركين!
لقد قام المال الإماراتي بإحداث قطيعة حقيقية بين كثير من المتحزبين وبين أفكارهم التي هرموا عليها، وعاشوا ردحا من الزمن وهم يناضلون من أجلها، وفي هذا السبيل وجدنا يساريين يُقبلون أيدي بعض عتاة الرأسمالية الإمبريالية، ورأينا ليبراليين يُكبرون بحمد الطغاة الذين يُحصون على الناس أنفاسهم ويحكمون شعوبهم بالحديد والنار، ووجدنا قوميين يبعثون القومية من مرقدها من أجل تحقيق أجندة الإمارات، وشاهدنا سلفيين يُؤصّلون لعصبيات ما أنزل الله بها من سلطان، وينافحون عنها وكأنها من محكمات التنزيل، بل رأينا بعضهم يُسوقون للتطبيع من الصهاينة الذين احتلوا فلسطين وفعلوا بالعرب الأفاعيل!
لقد نجح المال الإماراتي في اجتذاب شخصيات اجتماعية وزعامات سياسية وقيادات عسكرية إلى معسكره، ونجح في اجتلاب عدد من الأحزاب والتيارات في كثير من البلدان العربية إلى حظائر التبعية العمياء، ولا سيما في بلدان الربيع العربي التي اشتدت فيها الثورات المضادة بفعل من هذا المال المنساب بكرم حاتمي !
والعجيب أن هذه التحولات تتم بسرعة رهيبة، وبدون أي تدرج أو تمهيد، حيث يمسي الليبرالي ديمقراطيا ويصبح وهو يلهج بمكارم الاستبداد ومحاسن الطغاة، ويصبح القومي وهو يدعو إلى وحدة العرب من المحيط إلى الخليج، فلا يمسي إلا وهو قروي أو قبلي أو مناطقي يدور في فلك العصبيات الضيقة كما يدور الرحى!
وفي ذات الدرب الزلق يصبح السلفي وهو مع الوحدة معتبرا إياها من مقاصد الشريعة، وقبل أن ينام يكون المال الإماراتي قد صنع له غسيل مخ، فلا يقوم من نومه إلا وقد انتبه إلى أن الانفصال يجلب المصالح ويدرأ المفاسد، وفي اليوم الأول تجده يتمحور حول الأمة وفي اليوم الثاني يدور في فلك العصبيات الضيقة، مؤكدا أن الوطن هو المقصد السادس من مقاصد الشريعة الإسلامية!
وزبدة القول إن المال الإماراتي والخليجي عموما، قد أثبت أن قطاعاً عريضا من المسلمين يعانون من داء الهوان، ويسترخصون أنفسهم لدرجة أنهم مستعدون لبيع أنفسهم في أي سوق يدفع المأمول؛ ولهذا ينبغي أن يهتم المفكرون والدعاة والسياسيون الأحرار بتربية الجيل الجديد على احترام أنفسهم وتقديس كرامتهم
وسوم: العدد 890