الالتزام بتعاليم الإسلام أبلغ وسيلة لنشره ونصره
إن أبلغ طريقة لنصر الإسلام ونشره هي الالتزام بتعاليمه عقيدة وشريعة وأخلاقا في كل الظروف والأحوال : في حالة الشدة والرخاء , في حالة الانتصار والانكسار, في حياتنا الخاصة والعامة , نحن أمة أخلاق ومبادئ وعلينا أن نتمسك بتلك الأخلاق حتى في أسوا الظروف , علينا أن نعمل بالإسلام والله هو الذي ينصرنا وينصر دينه , فلا يدفعنا استبطاء النصر وتسلط الكفر الى اعتماد أساليب غير أخلاقية في المغالبة , علينا أن نحتضن الإسلام بصبر وجلد كما يفعل ذكر البطريق حين يحتضن بيضته , حيث يحملها فوق قدميه, ولا يتركها تمس الأرض , ويبقى لأجل ذلك واقفا وبلا طعام طيلة أربعة أشهر, في فصل الشتاء وفي القطب الجنوبي, تحت بلاء العواصف الثلجية, وفي درجة حرارة تصل الى الخمسين درجة مؤوية تحت الصفر, لكنه يتحمل هذه الظروف الصعبة بالتماسك الجماعي والصبر حتى يحل الربيع وتزول الشدائد وتفقس بيضته وتخرج أفراخه بسلام
هكذا احتضن الصحابة رضي الله عنهم الإسلام في بداية الدعوة رغم الأذى الشديد الذي كان مسلطا عليهم من طرف المشركين , كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر بهم وهم يعذبون فلا يزيد على أن يقول لهم " صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة " وكانوا يشتكون أحيانا من شدة ظلم المشركين فيقول لهم : " لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه , ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيُشقُّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء حتى حضرموت ما يخاف إلا الله "( البخاري ) ولم يأمرهم بإعمال ترهيبية لعامة المشركين كالاغتيالات أو تخريب الممتلكات , بل حتى الذين أتيحت لهم فرصة فعل ذلك من أصحابه الأطهار دفاعا عن النفس وهم على وشك أن يُقتلوا ظلما, امتنعوا عن استغلالها, وفضلوا الموت متمسكين بأخلاق الإسلام على أن ينجوا بأنفسهم بممارسات تتنافى مع روحه وقيمه , منهم خبيب رضي الله عنه الذي أسره المشركون وحبسوه من أجل قتله , فلنتمعن في قصته ونعتبر,
جاء في سيرة ابن هشام : " عن ماوية مولاة جبير بن أبي اهاب – وكانت قد أسلمت – كان خبيب عندي حبس في بيتي , فلقد اطلعت عليه يوما وان في يده لقطفا ( عنقود عنب ) مثل رأس الرجل يأكل منه وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل , قال لي حين حضره القتل , ابعثي لي بحديدة أتطهر بها للقتل , فأعطيت غلاما من الحي الموسى فقلت : ادخل بها على هذا الرجل البيت . قالت : فو الله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه فقلت ماذا صنعت أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام فيكون رجلا برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال : لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ؟ ثم خلى سبيله . "
كان يمكنه أن يأخذ الطفل رهينة يساومهم به على إطلاق سراحه أو يقتله إيلاما لهم وانتقاما منهم وثأرا لنفسه إذا أصروا على إعدامه , لكنه لم يفكر في ذلك مطلقا, لأنه خريج مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أبى حتى الدعاء على المشركين وقد تفننوا في إيذائه وتعذيب أتباعه وتقتيلهم, بل كان يقول : لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله , و كان يدعو لهم بالهداية فيقول " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون "
هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملة الذين لم تنشرح صدورهم لهدى الإسلام بل كان يؤذي نفسه حسرة وأسفا وحزنا عليهم وحرصا على هدايتهم حتى قال الله عز وجل له : " فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " ( الكهف 6 ) وقال له : " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " ( فاطر 8 ) فأين انتم يا شباب الصحوة المدعين للسلفية من هذه السنة النبوية بل الأوامر القرآنية ؟؟؟ أين الحرص والصبر على هداية الأمم الضالة والتفاني في إبلاغها الرسالة ؟؟؟
ألا فلنعمل بكتاب الله وسنة رسول الله في كل ميدان وعلى الأخص في ميدان الدعوة الى الله فإننا مسئولون على هذه الشعوب الحائرة أمام الله ( وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) (الحج 78) ولنحذر أن نكون بتصرفاتنا وأحوالنا فتنة لها تصدها عن دين الله ( ربّنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ربنا انك رءوف رحيم )
قال الامام ابن باديس :" إننا معشر الأمة الإسلامية قد فُتِنَّا بغيرنا من أمم الغرب وفُتِنوا هم بنا , فنحن ندين بالإسلام وهو دين السعادة الدنيوية والأخروية ولكن حيث كنا- إلا قليلا- لسنا سعداء لا في مظاهر تديننا ولا في أحوال دنيانا, ففي الأولى نأتي بما يبرأ منه الإسلام , ونصرّح بأنه من صميمه , وفي الثانية ترانا في حالة من الجهل والفق والتفرق والذل والاستعباد يرثى لها الجماد , فلما يرانا الغربيون على هذه الحالة ينفرون من الإسلام ويسخرون منه إلا من نظر منهم بعين العلم والإنصاف فانه يعرف أن ما نحن عليه هو ضد الإسلام , فكنا فتنة عظيمة عليهم , وحجابا كثيفا لهم عن الإسلام , فكنا- ويا للأسف- فتنة للقوم الظالمين "( مجالس التذكير ص 242-243)
ألا إن أبلغ طريقة للدفاع عن الإسلام والدعوة إليه هي حسن فقهه وحسن العمل به والصدق في الالتزام بتعاليمه , وتلك الطريقة هي السر في انتشار الإسلام وانتصاره بسرعة ويسر أثناء الفتوحات الإسلامية الرحيمة التي قادها الصحابة الكرام , حيث أنهم في ظرف زمني قياسي لا يتجاوز عقدين من الزمن تمكنوا من تطهير الجزيرة العربية من الشرك وتمكنوا من الانتصار الساحق على إمبراطوريتين عريقتين هما إمبراطوريتي الروم والفرس بصفة مدهشة و معجزة حيرت المؤرخين الغربيين , ومن مظاهر ذلك السر في جند الفتوحات مقولة ربعي بن عامر الجندي البسيط لقائد الفرس لما سأله من أنتم ؟ حيث أجابه بكل عزة ورزانة ووضوح ملخصا رسالة الإسلام ومهمة الفاتحين في عبارات غاية في البلاغة والإيجاز فقال : " نحن قوم بعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد , ومن جور الأديان الى عدل الإسلام , ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة "
فالفتوحات الإسلامية لم تكن حروبا ضد الشعوب الأخرى, إنما كانت حروبا من أجل تحريرها من الظلم والاستعباد والفساد العقائدي والاجتماعي والأخلاقي, لذلك فالفاتحون الأوائل كانوا ينتصرون بالحب وبالرّعب مسيرة شهر: حب الشعوب المستضعفة التي تتطلع للخلاص والانعتاق على أيديهم, فترحب وتستبشر بقدومهم وتعينهم , ورعب الظلمة والطغاة الذين يرون في طلائع جيوشهم النهاية المحتومة لجبروتهم وعروشهم لأنهم لا يقاومون ولا يساومون . يقول الشاعر :
قال الشاعر : لقد كنَّا شعوبا تعبدُ اللهَ ... تُكيلُ السَّيفَ للطُّغيانِ والكُفرِ
تنادي طُغمةَ الطُّغيانِ يا.. متى نِلتمْ حقوقَ الرِّقِّ للحُـرِّ
وتلك الطريقة هي السّر أيضا في تغلغل الإسلام في ( اندونيسياو الصين و ماليزيا ) من غير جيوش ولا حروب وإنما بواسطة تجار امتثلوا لتعاليم الإسلام وأخلاقه فكانوا كلهم سماحة وعفة وقناعة وأمانة وصدقا...فبهروا الناس بتلك الأخلاق فاختاروا دينهم (الإسلام) دينا لهم .
انه من دون حسن الفقه لتعاليم الإسلام وصدق الالتزام بها - أو ما يسميه ابن بأديس رحمه الله ( قوة العلم وقوة العمل ) – لا يكتب للمسلمين نصر ولا تمكين , فبهما- وبهما فقط- يعودون ويسودون ويقودون, وبهما فقط تأتي القوة الاقتصادية والقوة العسكرية, وبالتالي عزة الجانب والهيبة بين الأمم , ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
قال تعالى : " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكِّننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدِّلنَّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " (النور 55)
وقال عز وجل : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ( آل عمران 110)
وإذا تخلينا عن تلك الصفات ( الإيمان , العمل الصالح, الأخلاق الفاضلة , الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التبليغ )- وقد تخلينا عنها فعلا- يلحقنا ما لحق اليهود من لعنة وخزي وذل ومسكنة والنصوص الدالة على ذلك كثيرة في القرآن والسنة , إلا أن تتوب الأمة فيتوب الله عليها.
وسوم: العدد 890