أواني الحكمة
تكمن جوهر العظمة في الشخصية القيادية لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أنه حوّل الأواني الفردية والاجتماعية إلى أدوات للبناء والتعمير وإلى وسائل لإشاعة الوعي وصناعة الحكمة.
ولما كان الشعر في ذلك الزمان يحتل مكانة محورية في صناعة الوعي وبناء الأخلاق؛ فقد اعتنى به النبي صلى الله عليه وسلم عناية عظيمة، ليس من خلال شاعره الأبرز حسان بن ثابت فقط ولكن من خلال عشرات الشعراء الذين صاروا بفضل هدايته صلى الله عليه وسلم حكماء بلغاء وصُناعاً للحياة الزاخرة بالخير والحكمة، حتى صاروا نماذج في التأسي والاقتداء من قبل عامة الناس.
وفي هذا السياق نستطيع قراءة مقولة كعب الأحبار التي جاء فيها: "الشعراء أناجيلهم في صدورهم، تنطق ألسنتهم بالحكمة"، وكعب الأحبار هنا إنما يصف حال شعراء عصره ولا يطلق حكما عاما ينطبق على كل الشعراء في كل عصر، إلا إذا كان يقصد أنه يجب على ألسنة الشعراء أن تنطق بالحكمة، وهذا أمر بعيد المنال، فإن أكثر الشعراء يتبعهم الغاوون، بمعنى أنهم أئمة في الغواية والضلال!
*******************************************
تباين الأقلام
هناك أقلام تسيل طهراً وعفافاّ، وينسكب مدادها خيرا وجمالا، ويجتهد أصحابها في أن تصبح ترياق شفاء للقلوب الموجوعة وتصبح إكسير حياة للضمائر الميتة، ولا يزال أهل هذه الأقلام ينقبون عن كل وسيلة أو أسلوب يساعد مجتمعاتهم على التنقي من آفات التخلف، وعلى الترقي في آفاق الإنسانية الكريمة.
وهناك أقلام تنفث عهرا وسماً زعافاً، وتصنع رفثاً وعبثاً، ولا تزال تحثّ على الفسوق والفجور، وتحضّ على الانطلاق من عقال الشرف بدون قيود، وعلى الانسياق مع الغرائز البهيمية من دون خوف أو حياء.
وكم نحتاج كمسلمين إلى إدراك خطورة القلم الذي أقسم الله به في سورة سميت باسمه؛ فإنه حين يستقيم يقيم مدائن فاضلة تزدان بالروعة والجمال، وحين يسقط في الوحل يصيغ مدائن يملأها الفسق والفجور وتزخر بالرذائل والآثام.
وسوم: العدد 890