حدثان كبيران في يوم واحد

د. محمد أحمد الزعبي

تعني مفردة حدثان  حسب بعض  قواميس اللغة العربية  ، مصائب الدهر ونوائبه ، ولكننا  عنينا بها في في عنوان هذه المقالة  أمران وقعا في يوم واحد هما : التطبيع الإماراتي مع إسرائيل ( العدو الصهيوني ) ووفاة الدكتورالمرحوم  عصام العريان القيدي في جماعة الإخوان المسلمين بمصر في سجن العقرب ، ورفض السيسي  تسليم جثته إلى ذويه ، مع الإدعاء المشبوه في أن السلطات الحكومية ( السيسية ) هي من سيقوم بدفنه (!!) . وتشيركلمة المشبوه هنا إلى أن سلطة الجنرال السيسي لاتريد أن تعرف أسرته ،  وبالتالي الآخرون ، بالدور الحقيقي المشين لنظام السيسي في قتل عشرات ، إن لم نقل مئات السجناء ، ولا سيما من  الإخوان المسلمين ،  وبمن فيهم الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي رحمه الله . حدثان كبيران ومؤسفان  وقعا في يوم واحد هو الخميس الموافق 13.08.2020 .  إن دويلة محمد بن زايد ( الإمارات العربية المتحدة ) الذي يتلقى أوامره وتعليماته فيما ينبغي عليه أن يفعل أو لايفعل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الحالي  ( ترامب ) . لقد  أراد ترامب ومعه محمد بن زايد  ، من فتحهم  باب التطبيع مع الكيان الصهيوني (!!) ، أمام بعض المترددين من الحكام العرب ، ولا سيما الخليجيين منهم ، أن  يلج هؤلاء الحكام هذا الباب ( باب التطبيع مع الكيان الصهيوني )  دونما خجل أو وجل لامن الشعب الفلسطيني ولا من الشعب العربي  وذلك في طريقهم المفروشة بالورود إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث ينتظرهم في البيت الأبيض كل من  ترامب وكوشنيرونتنياهو وفي يد كل منهم باقة  من التقدم والتنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان ، وأيضاً كمية من الدواء ( التطعيم ) الذي توصل إليه علماؤهم ضد وباء الكورونا ناهيك عن أكذوبة التوقف المؤقت  ( بناء على طلب ترامب )عما عرف بعملية الضم .

 في أواخر القرن التاسع عشر ، كان عدد من اليهود المتدينين مايزال مترددا في قبول مقولة هرتزل  أن فلسطين هي " أرض بلا شعب " وهو مايبحث عنه اليهود الذين هم حسب عراب الصهيونية العالمية  " شعب بلا أرض ". أرسل هرتزل لجنة من هؤلاء المترددين إلى فلسطين ( أرض الميعاد ) ليروا  بأم أعينهم حقيقة الأمر ميدانياً . وعندما وصلت اللجنة إلى فلسطين ، و رأت بأم أعينها كذب ادعاء هرتزل ، بأن فلسطين " أرض بلا شعب "  أرسلت إليه  من فلسطين البرقية التالية " العروسة جميلة جداً ولكنها متزوجة من آخر " وذلك  في إشارة إلى تكذيب مقولته في أن فلسطين هي  " أرض بلا شعب " .  

   يبدو  يبدو لنا هنا أن السيد محمد بن زايد ، قد قبل أطروحة هرتزل في أن فلسطين هي أرض بلا شعب ، ذلك أن مفهوم الشعب لاينطبق بنظرهرتزل ولاحقاً بنظر ترامب ومحمد بن زايد وشلة المطبعين - على مايبدو -  على الشعب العربي الفلسطيني ،  وإنما  ينطبق فقط على الإسرائيليين بل وربما على الأوروبيين منهم ، من مواطني ومهاجري ماقبل و مابعد عام 1948

وفي عودة إلى الحدث الثاني ، نقول : لاأظن أن أحدا يجهل ، أن الإخوان المسلمين في مصر وفي سورية خاصة ، هم من خشي ويخشى الغرب بشقيه الأطلسيين وصولهم إلى السلطة ، ذلك أنهم  يعرفون الأسباب الحقيقية لإنشاء الغرب الكيان الصهيوني في منطقة " الشرق الأوسط " ،ودوره في  إلهاء  الأنظمة العربية  بالصراعات البينية ،والدينية والطائفية  عن التنمية وعن الحداثة وعن الدفاع عن الإنسان وحقوقه  وعن المواطن وحريته وكرامته .  ولذلك فهم ( الإخوان ) قد  وقفوا ويقفون مع الشعب العربي الفلسطيني ، في دفاعه عن أرضه ، وعن المسجد الأقصى الذي يؤدون صلواتهم في رحابه ، والذي يخص دينياً  عامة المسلمين وليس فقط الفلسطينيين .

إن كل المؤيدين لإسرائيل في العالم اليوم ، ولا سيما في أوربا وأمريكا وروسيا ،  بصورة أساسية ، هم من أيد عبد الفتاح السيسي في إطاحته بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي ، وقدموا له المال والسلاح ، وهم من صمت ويصمت على زج الآلاف المؤلفة من الإخوان المسلمين ، والذين من بينهم الدكتور عصام العريان ، في السجون منذ عام 2013 ، ولا سيما سجن " العقرب " منها ، وحتى اليوم ،حيث شهدت وتشهد هذا السجون استشهاد العشرات ، بل المئات منهم ،  أمام أعين العالم بمشرقه ومغربه  ، ومن بين هؤلاء  الشهود ( شهود لاأسمع لآأرى لاأتكلم ) الدول التي تدعي لنفسها الديموقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان (!!) . إن مايبدو واضحاً هنا ، هو أن  الدفاع عن إسرائيل مقدم  عند هؤلاء على الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان  ، ودون أن ننسى أن هؤلاء ( الديموقراطيون !) هم من أتى بدولة الخميني الشيعية ، لتتصارع مع الدول السنية في المنطقة العربية ( صراع العقارب في دارة النار )، في ظل إدارة إسرائيل والغرب لهذا الصراع ، ولا سيما في سورية والعراق واليمن ولبنان ، بما  يبقي رحى هذا الصراع الطائفي تطحن الأخضرواليابس، وخاصة بعد أن جري تطعيمها ( الرحى)  بدولة أبي بكر البغدادي ( الإسلامية !) داعش ( ألا لعن الله من أتى بها ومن سوّقها ) بحيث تستمر في الدوران والطحن  ، بين السنة والشيعة  ودونما توقف إلى أن يشاء الله !!. 

وسوم: العدد 890