ولكنكم تستعجلون
عبد الرحمن يوسف (القرضاوي)
متى تنتهي المعركة؟
سيقول البعض إن المعركة قد انتهت، وأن طرفا من الطرفين قد أنهى الأمر بالضربة القاضية.
ولكن ألم يحدث ذلك في عشرات المعارك من قبل؟ ألم يتبين بعد ذلك أن المعركة ما زالت مستمرة؟
ألم ينتصر الرسول عليه الصلاة والسلام على كفار قريش في غزوة بدر بالضربة القاضية؟
ألم ينتصر العرب على الإسبان في الأندلس بالضربة القاضية وحكموا ثمانية قرون؟
ألم تنتصر إسرائيل على مصر بضربة قاضية لا مثيل لها في 1967؟
ألم تنتصر مصر على إسرائيل في اكتوبر 1973؟
ألم تنتصر ثورة يناير على نظام مبارك في 11 فبراير 2011؟
الإجابة المتسرعة تقول إن النصر قد تحقق في كل هذه المعارك، ولكن الحقيقة أن الصراع لم ينته، وذلك لسبب بسيط، وهو – بدون فذلكة أو تطويل – أن هناك مجموعة من البشر قررت أن لا تستسلم.
بل إن بعض الصراعات قد انتهت باستسلام جيل كامل، ثم جاءت أجيال أخرى أكثر وعيا وطالبت بحقوقها التي تنازل عنها من قبلهم، واستأنفت المعركة من جديد.
إذن ... متى تنتهي المعركة؟
سؤال بسيط، ساذج، ولكن لا يمكن الإجابة عنه إلا بمزيد من التفصيل.
عن أي معركة نتحدث؟
إذا كنت تتحدث عن المعركة بين الخير والشر فاعلم أن هذه المعركة ستستمر إلى الأبد، وهي معركة خلقها الله ليكون لوجود الإنسان على الأرض مغزى، وليكون لدخوله الجنة أو النار معنى، وتأكد أن هذه المعركة هي الهدف من وجود الإنسان، وهي الغاية من خلق الخلائق.
لقد خلقنا الله سبحانه، وأعطانا الإرداة، لكي ننحاز، ولكي نختار الخير أو الشر، قال تعالى : "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا".
الصراع بين الخير والشر دائري، يتكرر، يستمر، وكل انتصار للشر يتلوه انتصار أكيد للخير، والبشر يحاولون تسريع عجلة الصراع لكي تأتي أيام انتصار أحد الفريقين، ثم يحاولون بعد ذلك تبطيء عجلة التاريخ ليدوم الانتصار أكثر وأكثر، ومن العار على أهل الخير أن ييأسوا، أو أن يظنوا أن الله قد استثناهم من النصر، أو أن الباطل أقوى من الحق.
للحرية ثمن، وللنصر سنن، والفصل الأخير وهم، فهناك دائما فصل قادم، والحياة تستمر، ولا تتوقف عند غرور المنتصر، ولا عند مآسي المهزوم، وكل مناضل في هذه الدنيا بإمكانه أن يختار اليأس لأنه الحل الأسهل، وبإمكانه أن يختار الصبر لأنه الأجدى، ولأن النصر دون محنة لا معنى له.
لو استسلمت الآن يا طالب الحق فمعنى ذلك أنك أسوأ من أبي جهل وكفار قريش، وأسوأ من كل ملوك إسبانيا الذين هزمهم العرب، وأسوأ من المصريين الذين فرطوا وهزموا في 1967 بهزيمة ساحقة دمرت جيشهم بالكامل، وأسوأ من الإسرائيليين الذين حطمت أسطورتهم في حرب أكتوبر 1973، وأسوأ من انتهازيي الحزب الوطني الذين سحقتهم ثورة يناير...!
اليأس حل رخيص، بذئ، لا يليق بإنسانيتك الحقيقية، ولا يليق بمن يسير في هذا الطريق، لأن هذا الطريق نضال مستمر، تؤدي فيه دورك سعيدا راضيا، وتحقق فيه انتصارات، لكي تكتشف أنها بوابة لمعارك أخرى، وفي النهاية يتسلم جيل جديد رايتك ليكمل المسيرة.
لن نحسم المعركة في يوم، بل ستكون جولة، وسيتلوها جولات وجولات.
النصر قريب جدا بإذن الله ... ولكنكم تستعجلون !