نعم غرناطة تكثر النعم!
أ.د. حلمي محمد القاعود
غرناطة (بالإسبانية: Granada) هي مدينة وعاصمة مقاطعة غرناطة في منطقة أندلوسيا جنوب إسبانيا. تقع بمحاذاة جبال سيّيرا نيفادا، عند نقطة التقاء نهري هَدَّرُه وسَنْجَل، على ارتفاع 738 متراً فوق سطح البحر. ويبلغ عدد سكانها حوالي ربع مليون نسمة، يعمل معظمهم في قطاع الزراعة والسياحة. فتحها المسلمون عام 711 ميلادي وأسسوا قلعة غرناطة. ومن أهم معالمها قصر الحمراء.
كانت غرناطة رمزا للصمود والمعرفة والحرية والرخاء في زمن تهاوت فيه عواصم دول الطوائف في الأندلس، كانت جوهرة المدائن ورائدة النفائس، وبعد سقوط الأندلس والاستيلاء على قرطبة عام 1238 أصبح بنو الأحمر أمراء لغرناطة . وفي الثاني من يناير عام 1492 قام الخليفة محمد الثاني عشر وهو آخر الخلفاء المسلمين في الأندلس بتسليم غرناطة إلى فرد يناندو الثالث ملك قشتالة وإيزابيلا الأولى الصليبيين ، وانتهى حكم المسلمين للأندلس. وكان من شروط الاستسلام في (مرسوم الحمراء) أن يستمر المسلمون في ممارسة عاداتهم والحفاظ على دينهم. وبعد سنوات قليلة ، في عام 1499 تحديدا ؛ قام «غونزالو سيسنيروز » بإصدار مرسوم قسري لتعميد غير المسيحيين، وعرف التاريخ مايسمى بالموريسكيين أي المسلمين الأندلسيين الذين تم تعميدهم ( تنصيرهم ) قسرًا بمقتضى المرسوم الصليبي وسجل التاريخ محاكم التفتيش التي مارست أبشع أنواع التعذيب والقتل للمسلمين الذين لم يعلنوا نصرانيتهم أو شكّ الصليبيون في تنصّرهم .. وجرى لليهود شيء مما جرى للمسلمين !
كان من لوازم التنصير تحويل مساجد غرناطة إلى كنائس أو تدميرها تماما. وإحلال أبنية كاثوليكية وقشتالية جديدة مكانها . وبُنيت كاتدرائية غرناطة فوق مسجد غرناطة الشهير الذي بناه بنو الأحمر وسط المدينة. وبقي في الوجدان العربي والإسلامي منذ مشهد سقوط غرناطة ماقالته عائشة أم أبي عبد الله الصغير لابنها آخر ملوك غرناطة :
فابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال!
عاد هذا المشهد مرة أخرى يوم 3 يولية 2013 ، يوم الانقلاب الذي قام به قائد الجيش المصري وهو يعزل الرئيس المسلم محمد مرسي ويضعه في مكان مجهول ويلغي الدستور والمجلس التشريعي، ويقف تواضروس ليبارك الجريمة ويشهد عليها ويبتسم ابتسامة الظافرين المنتصرين وهو يرى غرناطة المصرية تسقط في مشهد غير مسبوق ويتم استئصال الإسلام بدستور يضعه الأنبا بولا ويؤيده بعض ذوي اللحى التايواني ممن عميت بصائرهم فأضلهم الله وختم على قلوبهم وأبصارهم .
لم يكن تواضروس مجرد شاهد على سقوط غرناطة المصرية ، ولكنه كان صانعا له مثل فردينادو وإيزابيلا ، ثم كان سعيدا مبتهجا وأدواته العسكرية والشرطية تقتل المسلمين في دار الحرس الجمهوري والمنصة والمنصورة والقائد إبراهيم ورابعة العدوية والنهضة و6 أكتوبر والتحرير والفتح وعبد المنعم رياض ودلجا وكرداسة وناهيا واالعياط والطالبية وبين السرايات وجامعة الأزهر والجامعات الأخرى والمحافظات ، وكان لا يهمل إرسال برقيات التأييد والتهنئة الضمنية للجيش والشرطة على قتل المسلمين واجتثاث وجودهم وعقيدتهم ومصادرة أموالهم وحظر جمعياتهم التي كانت تخدم النصارى قبل المسلمين واعتقال أكثر من عشرين ألفا من أنبل أبناء الإسلام ، وفصل الموظفين الذين تشتم منهم رائحة الإسلام ، ومعاملة المسلمين معاملة المواطنين من الدرجة العاشرة . لقد جعل الانقلاب المسلمين زنوجا وأقلية مع أنهم أغلبية في دولة البيض النصارى وأتباعهم حيث يعاملون معاملة عنصرية فاشية ...
استطاع تواضروس أن يحقق النموذج النيجيري بنجاح كبير بوساطة أدواته الانقلابية بعد أن أخفق شنودة في تحقيق النموذج الأندلسي . النموذج الأندلسي كان يعتمد الدم والقتل والقهر والتطهير الديني المباشر، وهو ما حاوله شنودة على مدى أربعين عاما ، حين بدأ يطلب من أتباعه الاشتباك وفقا لمنهج لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية ، وكانت وثيقته التي نشرها الشيخ الغزالي في كتابه قذائف الحق هى الدستور الذي نفذوه ، على المستويات الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية والعمرانية . لقد تم نفي صحة الوثيقة في حينه ، ولكن تتابع الأحداث على مدى أربعين عاما كانت تؤكد صحتها وكانت روح الاستشهاد تحكم حركة المتمردين النصارى وهم يبنون كنائس بلا ضرورة ولا تراخيص على هيئة قلاع خرسانية ، وحين يصنعون جيتوهات نصرانية لا يوجد فيها مسلمون ، وحين يرفضون التعامل مع المسلمين أو توظيفهم في شركاتهم وحين يؤكدون أن المسلمين غزاة وأن اللغة العربية لغة غزاة وأن النصارى أصل البلد ، ثم ينفخون في أكذوبة الحضارة القبطية التي لم توجد قط على أرض مصر ؛ لسبب بسيط وهو أن الوجود النصراني كان محدودا في محيط وثني ، وعاش دائما تحت احتلال يوناني أو روماني حتى أعاد المسلمون اليه الحياة عند فتح مصر ، ومع أن شنودة استطاع أن يلعب جيدا في التفكير العام للطائفة ويجيشه ضد المسلمين إلا إنه لم يحقق ما حققه تواضروس في شهور قليلة ، فقد استطاع بمشاركته الفعاله في الانقلاب العسكري الدموي الفاشي أن ينقل النموذج النيجيري إلى مصر ، ليقوم بعملية استئصال الإسلام بأيدي مسلمين وتتحول الأغلبية الحقيقية إلى أقلية معنوية تحكمها الأقلية النصرانية العملية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . وهو ما جرى في نيجيريا أكبر دولة إسلامية في إفريقية حيث تحكمها الأقلية الصليبية التي صارت تملك السلطة والثروة ووضعت المسلمين في بؤرة الإرهاب والدم وبوكو حرام !
نجح تواضروس في حشد النصارى يوم 30 يونية مع الفلول والعسكر الذين ارتدوا ملابس مدنية ومن يسمون أنفسهم بالعلمانيين ليتظاهروا ضد الرئيس المسلم محمد مرسي ، وليصدّروا للعالم عبر الفوتوشوب أن 33 مليون مصري يملأون ميدان التحرير ، ووجد قائد الانقلاب في ذلك إرادة شعبية مزعومة تمنحه حق الاستهانة بالإرادة الشعبية الحقيقية وإلقائها في الزبالة وخطف الرئيس المنتخب وإلغاء الديمقراطية واستعادة دولة 1954بطغيانها وجرائمها وتزييفها وانهيارها أمام العدو النازي اليهودي بناء على توجيهات العرّاب المعادي للإسلام محمد حسنين هيكل !
يذكر القراء أن تواضروس لم يقبل بتنصيبه رئيسا للكنيسة إلا بعد انسحاب مندوبي الكنائس وأتباعها من العلمانيين من اللجنة التأسيسية للدستور قبيل الانتهاء من الاتفاق على مواده الأخيرة ، وهو ما تم بالفعل ، وبعد التنصيب رفض الدستور وخطط مع غيره لشيطنة النظام الديمقراطي الوليد تمهيدا لإسقاطه بالانقلاب الدموي الفاشي الذي صنع له دستورا وضعه مندوبه بولا وحشد له النصارى مع الفلول ومن باعوا دينهم كي يصوتوا عليه بنعم التي تكثر النعم كما قال وكتب ونشر . واليوم – يا للعجب - يحاول أن يقنعنا أنه لا يعمل بالسياسة ومالوش فيها .
وآه من نعم غرناطة التي تكثر النعم . وويل للمصريين المسلمين في زمن الانقلاب !