السقوط الأخير
السقوط الأخير
حسام العيسوي إبراهيم
من الفلسفات التي رددها المستغربون على أسماعنا مرات ومرات، فلسفة "العلمانية" وهي فلسفة قائمة على اتباع الغرب في كل صغيرة وكبيرة، حتى ولو دخلوا جحر ضب لدخلوا فيه.
هذه الفلسفة التي قامت بدور مهم في حياة الأمم المغلوبة، التي ما وشك الاستعمار على مغادرتها، إلا وتركوا من يقومون بدوره، وينشرون فكرته، ويبث تعاليمه، فهذا من وجهة نظرهم أفضل وأوفر كثيرًا من الحروب والمنازعات، التي كلفتهم أموالا طائلة، فضلا عن ما خلفته من خسارة فاضحة في الأرواح.
انتشرت "العلمانية" في بلادنا انتشار النار في الهشيم، ووجد لها أجيالا قاموا بنشر تعاليمها، وإلصاق التهم الجاهزة بالإسلام وكل ما ينتمي إليه، من رجعية وتقهقر ورجوع إلى عصور الظلام، ومن الأصولية والتخلف والرجعية. هكذا وصفوا العاملين بالإسلام، والطالبين الرجوع لشريعته في كل أمور الحياة. ولا عجب أن تجد هذه "العلمانية" وعملاؤها مناخًا مناسبًا في بيئتنا الإسلامية، فالمسلمون هم الفقراء ومن يمتلك المال والاقتصاد هم غير المسلمين، وهؤلاء بدورهم قادرين على ضخ الأموال الطائلة لمضاهاة العاملين لرجوع الشريعة والاحتكام إليها (وللأسف الشديد في الحقيقة لم ينعم هؤلاء بالأمن والاستقرار إلا في ظل هذه الشريعة).
كان من الاتهامات التي تناولها "العلمانيون" (عملاء الغرب)، أن النظام السياسي في الإسلام نظام فاشي، يقوم على الاستبداد والقتل والتخريب، ويتعللون بتاريخ دول الخلافة المختلفة، وما ساد فيها من استبداد وحيازة للسلطة بلا منازع ولا مقاوم. كل هذه الأفكار صدعوا بها عقولنا صباح مساء، حتى غدا الإسلام وحشًا فاتكًا يفتك بغيره كلما أتاحت له الفرصة.
في كل برنامج انتخابي للعاملين بالإسلام ترى الاتهامات المفجعة بأنهم لا يمتلكون برنامجًا واضحًا، وهم أصحاب تجارب سابقة، كفيلة بنزع السلطة منهم قبل أن يأخذوها ويحصلوا عليها (لاحظ موقف حمدين صباحي عند الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق).
ولكن قدّر الله (وتقدير الله كله خير) أن يفوز في أول انتخابات نزيهة الدكتور محمد مرسي (أول رئيس مدني منتخب)، وما لبث الرجل إلا أن وجهوا إليه سهامهم، ووقفوا حجر عثرة في طريق تقدمه خطوة واحدة للأمام (ساعدهم في ذلك المنتفعين من العسكر والنظام المباركي السابق)، فالرجل كلما تقدم خطوه للأمام، وصفوه بأوصاف الخيبة والندامة (لا غرو أن هذه الألفاظ هي أفضل ما قيلت في حينها، ولمتابعة الأوصاف كاملة، فما بك إلا أن تفتح البرنامج لباسم يوسف، الأراجوز الذي سار على نهج معلميه من الغرب)، حتى وجدوا في انقلاب العسكر على الرجل فرصة لهم، فأمثالهم لا يعرفهم الشعب، فضلا على أن يصوت لهم، أحبوا أن يأتوا للسلطة على ظهر الدبابات لا بالانتخابات، والسؤال: هل طبقوا الديمقراطية والليبرالية التي كانو يحلمون بها، كلا وألف كلا، ما كان منهم إلا أن رأوا الصحف والقنوات الفضائية تغلق، والصحفيين الشرفاء يعتقلون، والأبرياء يموتون في الشوارع، والحقوق والحريات التي صدعوا بها رؤوسنا صباح مساء، أصبحت في يد رجل واحد (قال بلسان حاله: أنا ربكم الأعلى) ومع ذلك ولكي لا يفقدوا الكراسي الزائلة، والوزارات الرخيصة تغاضوا عن كل شيء، فأصحاب المباديء هم قوم غيرهم، والحقوق والحريات لا مكان لها طالما أن السلطة في أيديهم.
الحمد لله كان هذا هو السقوط الأخير لدعاة العلمانية والليبرالية، وليعلم الجميع أن عملاء الغرب ليسوا من طينة هذه الامة، ولن يكونوا بإذن الله ممن تقوم على أيديهم نهضة ولا تقدم، والعزاء كل العزاء لمن اغتروا بهم، وساروا في طريقهم.