التجربة الفيتنامية ..ونظام البدائل
أعزائي القراء...
في كل العلوم التي ندرسها وفي كل المشاريع التي ننفذها سواءاً كانت سياسية او هندسية او إقتصادية او عسكرية او طبية او قانونية ... هناك ما يسمى بنظام البدائل.
فعندما اقوم بتصميم بناء ما , فعلي ان ازود هذا البناء بنظام المصاعد كبديل عن الدرج مع تصميم مولد كهربائي إحتياطي يعمل الياً خلال خمسة عشر ثانية من إنقطاع التيار الكهربائي لتشغيل المصاعد والإنارة الاحتياطية وغيرها من التجهيزات الحساسة الأخرى, وليس ذلك فقط بل علي ان ازود البناء بسلم خلفي إضافي لإستخدامه كبديل إحتياطي في حال حصول حريق لا قدّر الله كمنفذ للنجاة, كما يجب ان اصمم خزان مياه علوي كبديل مؤقت عند إنقطاع المياه عن البناء , خذوا مثالاً آخر في العلوم العسكريه فعندما تضع القياده العسكريه خطة هجومية معينة فإنها تضع في نفس الوقت خطة بديلة في حال تعرض الخطة الاساسية لعقبات غير محسوبة , و هذا مثال على المستوى الشخصي فعندما تسافر بسيارتك فأول ماتصنعه هو تأكدك من وجود دولاب (عَجَل) إحتياطي لإستبداله بالعجلة التالفة عند الضروره وهذه العجلة تعتبر نظاما ًبدائلياً بجدارة . اما في السياسة فحاجة الأمة للبدائل تكون اكثر الحاحاً من الامثلة السابقة, لماذا؟ لان نتائج المباحثات السياسية تمس أمة كاملة وليس سكان بناية واحدة.
إخترت لكم في هذه المقالة التجربة الفيتنامية كدرس عملي معاصر وعلى ثوارنا ان يستفيدوا منها.
ففي شهر تشرين الثاني / نوفمبر من عام 1953م بدأت فرنسا ببناء قاعدة للجيش حول قرية ديان بيان فو بشمال غربي ڤتنام، وكان الغرض من هذه القاعدة هو تعطيل حركة الجيش الفيتنامي. وفي 13 اذار /مارس من عام 1954 م شنَّ الفيتناميون هجومًا على قوات فرنسية يزيد قوامها عن 10,000 جندي في القاعدة، ودمروا سريعًا مطار القاعدة تاركين الفرنسيين بدون مؤن كافية وإستمر الحصار لمدة 56 يومًا
طلبت فرنسا من القيادة الفيتنامية اللجوء الى المفاوضات وعقدت هذه المفاوضات في مدينة جنيف ودخلها الفيتناميون وبدائلهم جاهزة واكررها ثانية بدائلهم جاهزة وهي قوة مقاتليهم على الأرض فكلما حاول الفرنسيون تحسين موقفهم التفاوضي كانت الأوامر تصدر فوراً الى القيادة العسكرية الفيتنامية بتشديد ضرباتها على المواقع الفرنسية مما اضعف مطالب المحتلين الفرنسيين وانتهت هذه المفاوضات بإجبارهم على الاستسلام في 7 آيار/ مايو 1954 وانتهى القتال في أوائل اليوم التالي.
بعد الهزيمة الفرنسية دخل الأمريكيون على الخط وتمركزوا في فيتنام الجنوبية بعد فصلها عند خط عرض 17عن فيتنام الشمالية المحررة وفور رحيل فرنسا عن فيتنام بدأت الولايات المتحدة تساعد حكومة سايغون عسكرياً .فبدأ المستشارون العسكريون الأميركيون يتوافدون على فيتنام الجنوبية بدءاً من شهر شباط / فبراير 1955 من أجل تدريب الجنود الجنوبيين هناك.
وحصل الصدام من جديد بين المحتلين الجدد وجيش التحرير الفيتنامي الشمالي . الحرب كانت حرب قتل مدنيين بجدارة وحرق وتدمير غابات وقرى كاملة , لن اسهب كثيراً في وصف هذه الحرب القذره فلقد وصفها مراسلون امريكيون بأنفسهم الا اننا نستطيع إسترجاع جرائمها من خلال جرائم عصابات النظام الاسدي والتي تتشابه مع جرائم الامريكان في فيتنام رغم الفارق الكبير فجرائم الاسد مع حلفائه تفوقت بجدارة على جرائم الامريكان .
وعندما فشلت امريكا في تحقيق مآربها في الهند الصينيه واوشكت على حافة الأنهيار طلبت بعقد مفاوضات في باريس حول طاولة مستديرة . دخل الفيتناميون المفاوضات للمرة الثانية وبدائلهم جاهزة معهم واكررها ثانية وثالثة ورابعة.... بدائلهم جاهزة معهم فكلما وصلت المفاوضات الى طريق مسدود يهم الفيتناميون بمغادرة المكان بكل هدوء فيلحق بهم الأمريكان يرجوهم العودة إلى المفاوضات لان بديل عدم عودتهم كان دروساً في أرض المعركة طالما ذاق الأمريكان منها طعم الموت الزؤام . وانتهت المفاوضات وخرج الأمريكان من فيتنام خروجاً ذليلاً تاركين عملاءهم لمصيرهم الأسود .انتهز الشماليون فرصة انشغال واشنطن بووترغيت فشنوا هجوماً كاسحاً على الجنوب محتلين مدينة فيوك بنه في كانون الثاني / يناير من عام 1975، وتابعوا هجومهم الكاسح الذي توج بدخول سايغون يوم 30 نيسان / إبريل من نفس السنة ثم توحدت فيتنام لتصبح دولة واحدة .
أعزائي القراء...
الشعب السوري ليس ضد المفاوضات بحد ذاتها , ولكننا ضد ان نذهب اليها وايادينا فارغة من البدائل...
فنحن مقدمون على عام جديد قد يحوي في طياته مفاجآت و استحقاقات هامة .فالسياسة الامريكية قد تسلك منحاً جديداً مع رئيس جديد لانعلم اتجاهات سياسته ، كما ان المجرم الأسد سيستغل اي ثغرة في العام القادم ليجس النبض باعادة الحياة اليه عبر تجديد رئاسته .
والسؤال المطروح بقوة : هل استعدت المعارضة الرسمية لكل الاحتمالات وهل لديها بدائل لأية مفاجئة وما اكثر المفاجآت؟.
ام أن إعتمادهم على الدول الكبرى وما يخططون لنا هو مقبول لديهم؟ .
سؤال هام يحتاج لإجابة واضحة من أصحاب الشأن ، هذا اذا كان لديهم إجابة!
والشهور القادمة حبلى بالتطورات .
وسوم: العدد 902