ما علاقة العدالة بالسياسة ؟
العدالة هي أمّ السياسة ، بل هي قلبها وروحها ، بل هي السياسة عينها ، في نظر، مَن يجيد التفكير: بالمصطلحات ، وحقائق الأمور، ومصائر الأمم والدول والشعوب !
الظلم لايحتاج إلى : عقل ، أو حكمة ، أو فهم ، أو علم ..! مايحتاجه ، فقط ، هو القدرة عليه! وتتفاوت أنواع الظلم ، بتفاوت قدرات الظالمين ، على الظلم ، بدءاً من ظلم : الأخ لأخيه، والجار لجاره ، والرجل لأهل بيته..وانتهاء بظلم الحاكم لرعيته ، التي قد تكون شعباً واحداً، في دولة واحدة ، وقد تكون مجموعة شعوب ، في مجموعة دول أو مناطق ، إذا كان الحكم إمبراطورياً !
حين سأل أحدهم ، رجلاً فاضلاً ، عن كيفية تحصين الدولة ، فقال له : حصّنها بالعدل .. لم تكن هذه الجملة ، نابعة من فراغ ، أو منبثقة من لبّ أعوج ، أو من قلب فاسد .. بل كانت حكمة للعصور، كلّها ، في سائر الأزمنة والأمكنة !
والقول بأن دولة الظلم ، تنهار سريعاً ، ولو كانت مسلمة ، ولا تعمَّر، بينما دولة العدل ، قد تعمّر، ولو كانت كافرة .. هذا الكلام ، كلّه ، ليس من لغو القول ؛ بل هو حكمة ، نابعة من تجارب الشعوب ، الكافرة والمؤمنة ، على حدّ سواء ، يشهد لها تاريخ البشر، في سائر الأزمنة والأمكنة ، ويشهد لها الواقع ، الذي تحياه الشعوب ، اليوم ، في سائر القارّات !
حين أمر الخليفة ، عمربن عبد العزيز، جيشه ، بالانسحاب من سمرقند ، بعد فتحها ، دون إنذار أو تخيير؛ وذلك عبر القاضي ، الذي عيّنه الخليفة لذلك ، ورأى أهلُ المدينة ، الجيش المسلم وهو ينسحب من مدينتهم ، ثمّ يخيّرهم بالخيارات ، التي أمر بها الإسلام .. حين رأو هذه العدالة ، وعرفوا أنها قيمة أساسية ، من قيَم الإسلام ، اعتنقوا الدين ، الذي يأمر أتباعه بهذه العدالة ، مع المؤمنين به ، ومع أعدائهم !
وحين قضى القاضي المسلم ، لليهودي ، بدرع كانت في حوزته ، وادّعى الخليفة عليّ بن أبي طالب ، أنها له ، فطالبه القاضي بالبيّنة ، ولم يقدّمها ، فأقرّ الخليفة فعل القاضي .. حين حصل هذا ، وخرج اليهودي ظافراً ، بدرع ليست له ، بل مَلكَها بعدالة القاضي المسلم .. عاد فاعترف ، بملكية عليّ للدرع ، وأعلن إسلامه ! فهل كان يبدّل دينه ، ويدخل في الإسلام ، لو انتُزعت منه الدرع ، بقوّة الحاكم المسلم ، المجرّدة من العدل ، أوبقوّة القاضي المسلم ، لو جار في الحكم ، انتصاراً لخليفته ، الذي يثق بصدقه ، أكثر من ثقته ، بصدق اليهودي !؟
وسوم: العدد 903