ظاهرة ترامب وديكتاتوره المفضل!
كل المؤشرات الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى خسارة الرئيس الأمريكي ترامب، وفوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” في الانتخابات الرئاسية، ومع ذلك يصر ترامب أن الانتخابات زورت لصالح منافسه، بل يؤكد في أكثر من تصريح على تويتر أنه الفائز في الانتخابات، ويرفض بدء إجراءات تسليم السلطة للمرشح الديمقراطي الفائز في السباق للبيت الأبيض، وفق النتائج الأولية.
وفي نفس المسار قامت حملته الانتخابية برفع العديد من القضايا والطعون على نتيجة الانتخابات في بعض الولايات، وقد رفضت المحكمة العليا في ولاية بنسلفانيا دعوى رفعتها حملة ترامب مفادها أن فيلادلفيا خرقت قانون انتخابات الولاية.
وعلى الرغم من أن المتعارف عليه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أن يعترف الرئيس بنتائج الانتخابات، ويقرّ بها حتى إن كانت في غير صالحه، إلا أننا نشهد شخصية ترامب المثيرة للجدل تحاول اختلاق أسباب وحجج لتأخير تسليم السلطة إلى بايدن المتقدم عليه بـ 306 صوت في المجمع الانتخابي، وأكثر من 77 مليون من أصوات الناخبين، حتى الآن، مما أدى إلى تشويه صورة الديمقراطية الأمريكية بسبب سلوكه المتعجرف، وعدم اعترافه بالهزيمة.
وقد أكد على ذلك مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب “جون بولتون” بقوله: “إن ترامب قد يسبب ضررًا كبيرة للأمن القومي”، وإن “الكثير من الناس يعتقدون أو على الأقل يأملون أنه سيدرك أنه خسر وسيذهب بهدوء، ولكن أشعر بالخوف من أن رد الفعل سيكون عكس ذلك تمامًا”.
ويثير تشكيك ترامب بنتائج الانتخابات الرئاسية، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ السياسي الأمريكي، سؤالاً محوريًا: ما هو هدفه؟ هل يفعل ذلك من أجل الإعداد لشن هجوم على المؤسسة الديمقراطية الأمريكية، أم لإبقاء تسليط الأضواء عليه مهما كان الثمن، أم للضغط على المؤسسات لعدم ملاحقته فيما بعد؟!
وعلى العموم ستخرج الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الانتخابات مُثخنة بالجراح من جرّاء انقسامات عرقيّة وأيديولوجيّة وعُنصريّة عميقة من الصّعب عِلاجها أو تجسيرها، فالضّرر الذي ألحقته بها سنوات ترامب الأربع في الحُكم أضخم من أن تُقدّر، والأزمة الأمريكية تدخل الآن مرحلةً جديدةً أكثر خطورةً.
وسياسة أمريكا الخارجية تجاه العالم لن تتغير فعليًّا، وأن أي تغيير في السياسة الخارجية تجاه المنطقة العربية سيكون محدودًا. لكن ربما يكون الديمقراطيون أكثر نعومة شكليًّا في علاقة أمريكا بالعرب والمسلمين، لكن سياستهم قد تكون أخطر عمليًّا، لأنها تُنفَّذ في هدوء، بينما سياسات الجمهوريين مكشوفة وأحيانًا غبية في استفزاز ضمير الأمة واستنفار قواها الحية، وحتى إحراج المجتمع الدولي، ما يجعلها قابلة للمواجهة أو المقاومة على الأقل.
فلا فرق بين العجوزيْن، الراحل دونالد ترامب، والوافد جو بايدن، فيما يتعلق بالتحيّز الكامل لتعزيز موقع الكيان الصهيوني، واستغلال ثروات العالم في كل مكان، وخصوصًا في منطقة الخليج العربي، لأجل مصالح أمريكا وحدها، وبكل الطرق مهما كانت مرفوضة.
هل يمكن تجميل سياسات السيسي القبيحة؟!
سارع السيسي بتقديم التهنئة لجو بايدن لانتخابه رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويسعى لتحسين صورته لدى الإدارة الجديدة، التي من المتوقع أن يتم مساءلته عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان في مصر.
وقد صرّح بايدن بأنه لن يسمح بإعطاء السيسي مزيدًا من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل، حيث ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الرئيس دونالد ترامب وصف نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، بـ”ديكتاتوري المفضل”، قبيل لقائهما على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في فرنسا أغسطس/آب 2019.
وقد طالب أعضاء بالكونغرس الأميركي ونواب بالبرلمان الأوروبي، عبر رسائل منفصلة وجهوها إلى السيسي، في فترة سابقة، باحترام حقوق الإنسان والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين.
وكان حديث الإعلام المصري وأبواقه مواكبًا لسياسة السيسي الجديدة في التعامل مع بايدن، فخرج معتز عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية في برنامجه على إحدى القنوات المصرية، الذي أثار سخرية مواقع التواصل الاجتماعي، بقوله: إن “بايدن هيلعب في مناخيرنا (أنوفنا) وودانا (أذاننا)، بس مش هيرجع الإخوان”، وتابع “بايدن مش هيسكت، مش هيسيبنا في حالنا، هيسألنا عندكم أحزاب؟ عندكم معارضة؟ السجون اللي فيها محبوسين ليه؟”.
يأتي هذا في الوقت الذي حذر فيه إعلاميون وكتاب مصريون من ضغط الإدارة الأمريكية الجديدة على نظام السيسي، وعدّد الكاتب عماد أديب، في مقال له، ما وصفها بسيئات بايدن بالنسبة لمصر، في كونه “يدعم الديمقراطيات وينحاز للحريات”، قائلا: “باختصار نحن أمام رئيس سوف تؤدي سياسته وسياسة حزبه إلى جعل السنوات الأربع المقبلة جحيمًا ممزوجًا بالقلق والصراعات والعقوبات”.
ولم يكتف السيسي وأبواقه الإعلامية بمحاولة تهيئة الأجواء لتحسن صورة مصر التي شوهها هو ونظامه، بل يريد القيام بخطوة استباقية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، عبر تقديم وجوه جديدة تشكّل صورة مختلفة يريدها بايدن والديمقراطيون في الولايات المتحدة، مع السماح لمعارضة مستأنسة بأخذ دور أكبر؛ بما يسهم في تصدير صورة ديمقراطية عن مصر.
وفي ذات السياق وقّع السفير المصري لدى الولايات المتحدة، معتز زهران، عقدًا قيمته 65 ألف دولار شهريًا مع شركة (Brownstein Hyatt Farber Schreck) الأمريكية، لتحسين صورة النظام المصري، عقب إعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
كل هذه الخطوات والممارسات هل يمكن أن تحسِّن صورة السيسي الملطخة بالدماء، والمُهدرة لكرامة المواطن المصري؟!
أتصور أن الصورة القبيحة لسياسات السيسي معروفة للجميع في الداخل والخارج، ولولا إقرار ترامب لها بضغط من اللوبي الصهيوني، والمال الخليجي ما استمرت بهذا القبح والإجرام الذي يمارسه السيسي مع معارضيه.
فكل عام يمضي في حكم السيسي يسير الوضع من سيئ إلى أسواء في ملف حقوق الإنسان؛ والأوضاع لم تتحسن مطلقًا، بل زادت حدة الاعتقالات (أكثر من 60 ألف معتقل سياسي داخل السجون المصرية)، وزاد القتل بالإهمال الطبي الذي حصد أرواح المئات من المعتقلين داخل سجون السيسي، كان من بين هؤلاء الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي عانى من الإهمال الطبي لسنوات، وطالب بالرعاية الطبية وهو حق قانوني له، إلا أن سلطات السيسي، التي هدفها الأول والأخير القضاء على المعارضة، حرمته من حقوقه في تلقي الرعاية الطبية حتى قتل في محبسه.
ومسلسل القتل اليومي في مصر مستمر سواء في سيناء، أو في السجون، أو تحت التعذيب، أو القتل بدم بارد، والمرأة تعاني أيضًا، فعدد النساء المحبوسات زادت عن 150، يعانين من الإهمال الطبي، ويحرمن من حقوقهن كافة، من بينهن حقوقيات بارزات وأمهات وأبناء قيادات سياسية، زج بهن في السجن انتقامًا من عائلاتهن؛ كعائشة الشاطر، وعلا القرضاوي، وهدى عبد المنعم، وآية علاء، وإسراء عبد الفتاح وغيرهن كثير.
وآخر هذا التعنت والتضييق على المنظمات الحقوقية في مصر؛ اعتقال المدير الإداري لمنظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية محمد بشير، الأحد 15 نوفمبر/تشرين الثاني بعد اجتماعه مع دبلوماسيين أوروبيين.ووجهت لمحمد بشير تهم من بينها “الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها”، و”نشر أخبار كاذبة”، و”ارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب”، وهي اتهامات كثيرًا ما توجه للمعارضين.
أقول: لن يردع هذا النظام الذي مارس كل أنواع التعذيب والتضييق لمعارضيه، وكمم الأفواه، وصادر الحريات العامة، إلا بتحرك الشعب نفسه، وتفاعل قواه الحية في الداخل والخارج، فما حكّ جلدك مثل ظفرك.
ولن تستطيع الإدارة الأمريكية الجديدة كبح جماح السيسي وزبانيته، على الرغم من الأموال التي تنفق في تحسين صورته، لأن اللوبي الصهيوني والمال الخليجي، وبعض الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا لا يزالون يدعمونه، ويريدون منه تحقيق الكثير في المنطقة، وبالتالي الشعب المصري ستستمر معاناته بوجود السيسي ونظامه في سُدة الحكم.
وسوم: العدد 904