ن...ف...ق !!!
إيمان أحمد شراب
- سأريك يا صديقتي ماذا التقطت كاميرتي وماذا أحبت وماذا صادت .
· كل هذا قامت به كاميرتك ؟
- طبعا ! أتظنينها عادية ؟ أتظنينها جمادا وكفى ؟! لا يا صديقتي إنها لطيفة وحساسة وجريئة وواضحة ! هل أزيدك ؟
إنها صادقة لا تكذب ، تحب وتكره ، تغضب وترق ، تعمل ولا تتحدث !
· أريني ماذا فعلت كاميرتك العجيبة هذه فقد تحمست وتشوقت !
- أرأيت كل هذه الصور ؟ إني أعدها لمعرض وستكونين أول من يفتتحه ، هيا تفضلي ، وسنبدأ بهذه.
· وما هذه ؟ طريق مظلمة وآخرها أو أولها ضوء – لا أدري - .
- هذه ليست صورة يا صديقتي ، إنها حكاية شعب وفضيحة متآمرين خائنين لله وللضمير والمظلومين والضعفاء.
هذا هو النفق الحنون الكريم الذي حلّ كثيرا من مشاكل المحاصرين في غزة ، فعاونهم في نقل البضائع والبشر الذين لم يقف في طريقهم صخور ولا انهيارات ولا رطوبة خانقة ولا حتى من مات منهم . خنقوا أهلنا في غزة وضيقوا عليهم ، تآمروا مع الصهاينة دون خجل من الله ولا من العباد ، فأغلقوا المعبر الطبيعي أكثر مما فتحوه ، فتعطلت المصالح ، واشتدت أوجاع المرضى ومنهم من مات انتظارا!
حتى كانت لحظة أضاء فيها مصباح في رأس أحدهم أو بعضهم لنقرأ في ضوئه فكرة نفق !
دخل الناس عبره وخرجوا ، نزلوا تحت الأرض ومشوا أمتارا وقد اختلطت لديهم مشاعر النشوة بالنصر على المعوقات والخيانات ، ومشاعر الذل والهوان وخيبة الأمل !
لماذا نسير تحت الأرض ؟ لماذا ندخله كلصوص ونخرج منه كلصوص ؟ لماذا تغلق الطرق الطبيعية ، ونلجأ للطرق الخطرة ؟ ماذا فعلنا ؟
هل نحن من احتل فلسطين فعاقبونا على ذلك ؟ هل نحن من حرق الناس بالصواريخ والقنابل ودمر المنازل والمساجد والمدارس في غزة ، فحاصرونا داخل أرض مساحتها 360 كلم مربع سماها التاريخ منذ القدم غزة ؟! هل نحن من اعترف بإسرائيل وبحقهم في العيش بأمن وسلام وهم المحتل الظالم ؟ هل نحن من صافحنا شارون وتعاهدنا معه على ذلك فضيعنا حقوقنا ؟
يظنون أننا الحلقة الأضعف ، لكننا الأقوى !
يظنون أننا سنستسلم ونموت حصارا وجوعا وقهرا ، لكننا لن نرفع راية استسلامنا يوما ، بل وسنموت أبطالا ، لا كما يتمنون لنا ميتة الجبناء الخاضعين !
يظنون أنا سيعجزنا إغلاقهم لمعبرنا ، وهدمهم لأنفاقنا عن التصرف والبديل ، لكن من حفر النفق ليحل مشاكل المظلومين ، لن يعجزه مكر البشر الظالمين !
هذا الطريق المظلم يا صديقتي هو النفق ، وذلك الضوء في أوله هو النافذة التي ينفذ منها الضوء وأنت وأنا ونحن وهم لنصبح جميعا فجأة أمام قطعة خشبية في آخره ، مربوطة بحبال .. نعتليها كلنا فيشدنا شباب أبطال لا يهزمهم شيء ، لنجد أنفسنا فجأة أيضا وفي لمح البصر فوق الأرض .. ووجوه كثيرة حولنا تطلب رؤية أوراقنا وتصريح دخولنا ، ليكون تهريبا قانونيا .
قد نبكي خوفا ، أو نقمة على عالم ظالم ألجأنا إلى هذا الأسلوب من السفر ، لكننا ما إن نرى أحبابنا وأهلنا وصمودهم وقدرتهم على التصالح مع مشاكلهم وتعايشهم مع أوضاعهم ورضاهم بالقليل وسعادتهم باليسير .. حتى ننسى أننا كنا تحت الأرض .
ثم .. تأتي رحلة العودة بنفسية المجرب المغامر الذي يحمد الله على الحلول والعقل والأنفاق .
· كل هذا مكتوب في الصورة ؟
- طبعا يا صديقتي ، وبقيت النهاية : ظنوا أنهم بهدم النفق قد حرقوا بقعة الضوء في أوله ، وخشبة النجاة في آخره .. ظنوا أنهم قادرون على خنق الحياة في غزة ، لكنهم واهمون والله ، فمن حفر نفقا في الأرض سيبني معراجا في السماء .
وستظل أطلال الأنفاق شاهدا على جرمهم ، وستظل صورتي هذه تاريخا يروي بطولة تضاف إلى صور بطولة محمد الفاتح الذي شق الأنفاق في خطة بطولته ونصره ، ونصرنا قريبا .