التدين تلقيح ضروري لوقاية مناعة الأمة الخلقية من الإفلاس التام
حدث مؤسف جديد تداولته وسائل التواصل الاجتماعي في بلادنا ، ويتعلق الأمر بانقلاب شاحنة كانت تنقل حمولة من الخمور، فحصل تماما مثل ما حصل في سوق الأغنام قبيل عيد الأضحى المنصرم حيث سطا جمع من الناس ذكورا وإناثا على حمولة الشاحنة من الخمور تماما كما سطا الذين هاجموا سوق الأضاحي.
وليس هذان الحدثان الأولين، ولن يكون الأخيرين بل سبقتهم أحداث مماثلة وستليهما أخرى لأن الوازع الديني معطل لدى الذين يستغلون انقلاب الشاحنات للسطو على حمولاتها أو وقوع حوادث سير للسطو على أمتعة ضحاياها .
وإذا كنا حريصين على تلقيح الأمة بلقاح ضد جائحة كوفيد 19 صيانة لمناعة أفرادها الجسدية ، فإنه يجب أن يكون حرصنا أشد على تلقيحهم لوقاية مناعتهم الدينية لصيانة صحتهم الخلقية من الانهيار التام ، ولن يكون هذا التلقيح سوى بعث الحياة في الوازع الديني لديهم .
ومعلوم أن مناعة الأمة الدينية تتعرض اليوم أكثر من أي وقت مضى لخطر كبير يتهددها بسبب ما يسوق إعلاميا من استخفاف بالتدين من طرف جهات مغرضة تريد تحويل هذه الأمة من أمة متدينة إلى أمة لا دينية بالتدريج لتحقق حلمها بإقامة ما تسميها المجتمع المدني الحداثي الذي لا صلة له بالدين سعيا منها للحاق بركب المجتمعات اللادينية في بلاد الغرب والتي تعتبرها النموذج المثالي الذي يجب أن يحتذى ويسود بلاد الإسلام لأن هذا الدين أصبح عندها متجاوزا زمنيا ولم يعد صالحا لهذا العصر التي تأله فيه الإنسان بل أكثر من ذلك تعتبره معرقلا للمشروع الحضاري العلماني اللاديني أو بعبارة أصح الإلحادي والمتهتك أخلاقيا.
ومعلوم أن الذين سطوا على سوق الأغنام بمناسبة عيد الأضحى الماضي قد فعلوا ذلك رغبة في استهلاك اللحوم ،وليس رغبة في إقامة شعيرة من شعائر الإسلام ، ومع ذلك اغتنمت بعض الأصوات العلمانية فرصة هذا الحدث المؤسف للنيل من الإسلام ، وحملته مسؤولية ذلك لأن شعيرته هي التي أرغمت من سطوا على أغنام الغير على ذلك الفعل المستهجن ، ولولاها لما حدث ما ذلك على حد زعمهم.
واليوم وقد سطت عينة شبيهة على قنينات وأسطوانات الخمورفإنها إنما فعلت ذلك لانحرافها بسبب تعاطيها المحرم الذي لا ترى فيه تلك الأصوات العلمانية بأسا ،وهي التي تناضل من أجل مجتمع لاديني لا يرى الخمر محرما من المحرمات .
وما لم يبادر اليوم وليس غدا بتلقيح ديني فعّال ،فإن قيم الأمة الأخلاقية ستنهار تماما كما انهارت في المجتمعات العلمانية الغربية التي يتوهم البعض أن قيمها الأخلاقية هي التي يجب أن تسود مع أن مثالبها لا ترقى إليها مثالب ، وهي إنما تحاول صيانة قيمها دون وازع ديني يربط الناس بخالقهم ، ويجعلهم يراقبونه في ما يصدر عنهم من تصرفات ، وهي تفعل ذلك بأساليب مادية منها على سبيل المثال فرض الغرامات على المخالفات السلوكية ، وهي بذلك تعول على الضغط على جيوب الناس عوض ضغط وازع الضمائر الذي يكون وراءه الوازع الدين لديهم . وشارب الخمر في البلاد العلمانية إنما يخشى الغرامة المادية ، ولا يبالي بغيرها مما له صلة بالوازع الديني .
ولا شك أن فيروس مهاجمة مناعة التدين لدى الأمة الإسلامية قد تم تصديره إليها من المجتمعات العلمانية عن طريق وكلاء داخل البلاد الإسلامية يسوقون قيمها اللادينية ، وقد مهدت له كل السبل للقيام بذلك ورصدت له ميزانيات ضخمة أمام خفوت أصوات المسؤولين عن حراسة وصيانة تدين الأمة من العلماء والدعاة الذين يتعرضون اليوم لحملة مسعورة ومنسقة من التيار العلماني لتشكيك الأمة في مصداقيتهم أملا في إقصائهم من حياتهم نهائيا ليخلو الجو للمشروع الحضاري العلماني المنشود عندهم .
وأكثر الشرائح الاجتماعية تستهدف مناعة تدينها هي شريحة الشباب الذين يغرر بهم عن طريق تضليلهم بقناعة مفادها أن التطور المادي والتكنولوجي في البلاد العلمانية يعني بالضرورة تطور القيم الأخلاقية فيها، وهي مغالطة يكشفها واقع تلك البلاد التي يقرع مفكروها وفلاسفتها الأجراس المنذرة بإفلاس منظومة القيم والأخلاق فيها، كما تشهد على ذلك موجة الرغبة في التدين خصوصا بالدين الإسلامي في تلك البلاد ، وهو ما تخشاه العلمانية الغربية ، وتحاربه بضراوة وخبث من خلال التسويق لما يسمى بالإسلاموفوبيا ، والإرهاب، والتطرف ، وخطاب الكراهية ... وهلم جرا ، وفي المقابل يتم التسويق لما يسمى بالحرية التي لا قيود لها من مثلية ورضائية... وغير ذلك مما يصيب في الصميم مناعة القيم الأخلاقية التي يعتبر التدين صمام أمانها .
وسوم: العدد 909