من المحاصر ومن المهزوم
عزة مختار
ستة أشهر ونصف تمر علي ذلك الانقلاب الأسود الذي هز المنطقة كلها وغير خارطتها السياسية ، وعاد بنا للوراء حقبا لن نكتشف كل أغوارها إلا بعد سقوطه التام الذي بدأت بشائره منذ لجأ ذلك النظام الدموي للقتل والسحل والاعتقال والتعدي علي حرائر الوطن
تمر تلك المدة ليختمها اليوم باستفتاء أعور أعوج يسير بقدم واحدة ويري بعين واحدة ، هي عين " نعم " التي لم يتركوا للناس خيارا سواها ، فإما أن تقول نعم ، أو تقول نعم
استعانوا بحزب الزور الذي سقطت كل أقنعته في الحشد لهم باعتباره المناظر الوحيد لجماعة الإخوان المسلمين والوريث لها في الشارع بعد كل ما دفعته الجماعة في الشارع وبعد كل ما خسرته – من وجهة نظرهم – من فقدان قادتهم في السجون ومقتل الآلاف منها في شوارع رابعة واستنزاف طاقتهم في مسيرات يومية ومطاردات أمنية لا قبل لفصيل بتحملها ، ظنوا أن ذلك الحزب المتشح بلحي زور قادرا علي الحشد ، وربما هو من أوهمهم بذلك كي يتخذ تلك المكانة التي احتلتها الجماعة طويلا في القدرة علي توجيه الناس وحشدهم في كافة فعالياتهم التي قاموا بها عبر سنوات طوال ، ظنوا وخاب ظنهم
إنها عقول الستينات جاءت لتحكم في الألفية الثالثة ، تحسب أن الحديد والنار والاعتقال والقتل والدماء يمكن أن ترجع شعب انتفض وعرف مذاق الحرية مع أول رئيس اختاره في تاريخه كله
فشلوا في الحشد رغم أنهم يملكون كل وسائل الإعلام التي شنت حربا ضروسا منذ اليوم الأول لتولي الرئيس المنتخب الحكم
حربا علي شخصه وتوجهه وبرنامجه النهضوي ، حربا داخلية أدارها الخارج بشراسة ونفذها الداخل بقوة
فشلوا في خداع الشعب الذي وعدوه بالرخاء كذبا طوال عام حكمه الرئيس ، فما رأي منهم سوي الذل والهوان وانهيار الاقتصاد ، وانهيار الأخلاق ، وضياع الأمن ، وانتهاك الحدود ، وتفاقمت المشكلات علي المواطن البسيط الذي لم يعد قادرا علي متطلبات يومه ، وخاطبوا الناس بلغة قديمة كادوا ان ينسوها ، هي لغة الدم ، وقد رخص في بسلي حرية عرفوا مذاقها
فشلوا في الحشد واحكموا القبضة الأمنية عليه ، قتلا ، واعتقالا ، ومطاردة
لكن الشعب وعي الدرس جيدا ، وكما كانت نتائج الاستفتاء علي وثيقة العسكر والكنيسة بالخارج انتكاسة لهم ، كذلك كان الاستفتاء بالداخل ، وبصرف النظر عن التزوير المعلن والفج ، فقد عرفوا حجمهم جيدا
حزب الزور أصبح غير قادرا علي التحرك وسط الناس بعدما انكشف القناع وأسقطهم العلماء من دائرة السلفية التي طالما تشدقوا بالانتماء إليها وهي من براء
العسكر الذين يملكون السلاح وآلة القتل لتي لا قبل للشعب بها أدركوا أن لن يسوقوا الشعب كالأنعام كما فعلوا طوال مدة ستين سنة سوداء
القضاء الفاسد الذي انسحب عدد كبير منه من عملية استفتاء باطلة ، أدركوا أنهم مطاردون من أحرار الشعب ولن تقوم لهم قومة ولن تمر مشاركتهم في تلك التمثيلية الدنيئة
الإعلام الذي سقط في اختبارات كثيرة لم يعد ذلك الموجه الأول والمؤثر الضخم علي عقول الشعب – رغم أننا لا ننكر تأثيره السلبي في فترة من الفترات –
الشرطة المتهاوية التي أصبحت هي المطاردة في شوارع مصر من الثوار ، ملاحقة منهم ، بحرق البوكسات ، ومحاصرة أقسامها في حالة خطف الحرائر ، انكسرت مرة أخري وهم يدركون تماما أن الانكسار هذه المرة لن يمر بخير ، ولن تعقبه عودة لهم أبدا إلا شرفاءهم
الخارج المنتظر نتيجة الاستفتاء لإضفاء بعض الشرعية علي نظام البيادة أصبح متحرجا الآن أن يعترف به وقوانينه تنهيه صراحة الاعتراف أو التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية ، ليس استحياءا منا وإنما خوفا من قوانينهم التي تحكمهم
انكشف الانقلاب
وسقط فعليا
وأصبح مطاردا بالداخل والخارج
لن يعطيهم استفتاءا مزورا أية شرعية
الشرعية الآن للشارع ، الشارع وحده
الثورة ستكتمل ، وقد لاحت بشائر نصرها