احتفالا بمولد النبيّ العدنان أم ابتهاجا بانتصار الشيطان
احتفالا بمولد النبيّ العدنان
أم ابتهاجا بانتصار الشيطان
عثمان أيت مهدي
المتجوّل ليلا في أحياء العاصمة الجزائرية ومدن كثيرة في ليلة مولد خير الأنام محمد ـ ص ـ يلحظ وبشكل واضح جهلا بلباس أمير يُطلّ من على شرفات العمارات يحيّ المارة والمعجبين به، يمشي مشي الخيلاء في الشوارع وعلى الأرصفة وفي كلّ مكان، والناس من حوله ترقص وتصفق وتصرخ فرحا وابتهاجا. في ليلة واحدة نستهلك المليارات من المفرقعات والألعاب النارية، حاويات كثيرة يساهم في استرادها وتسويقها من الميناء إلى أسواق الجملة ومن ثمّ بيعها إلى أسواق التجزئة ما يقارب من ثلاثين ألف شاب، يعملون مجتهدين متفانين على إرضاء جميع الزبائن من جميع المستويات والمذاهب. المحتفلون بالمولد النبيّ بالشموع والعنبر والجاوي وهم من فئة العائلات الفقيرة ذات الإسلام الوراثي وشيوخ الزوايا وأبنائهم وعوائلهم. والمحتفلون بالمفرقعات الصغيرة ذات الصوت الخافت وبعض الألعاب النارية الخفيفة، وهم من فئة العائلات المثقفة ذات الدخل المتوسط. والمحتفلون بالمفرقعات الكبيرة ذات دويّ القنابل والألعاب النارية التي تناطح عنان السماء محدثة أشكالا ورسومات وهؤلاء هم من فئة الطبقات العليا والتجار والعائلات الميسورة.
تقوم تجارة المفرقعات في الجزائر على شبكة، لا يُعرف رأسها من ذنبها، شبكة يكتنفها الغموض من كلّ جهة، رأسها يستورد البضاعة بأسماء موتى وهوية مجهولين، تصل البضاعة إلى أسواق الجملة في" العلمة" بولاية سطيف بالشرق الجزائري و"جامع اليهود" بالعاصمة بطرق خفية لا يعرف المأمور شيئا عن الآمر، ولا الزبون عن البائع، الكلّ يحمل هويّة مزورة واسما مستعارا، وبعدها توزع على تجار التجزئة بنفس الكيفية والطريقة وتباع جهارا نهارا لضمان العيش الرغيد لكثير من الشباب العاطل.
أمّا أنواع المفرقعات المستوردة وأسماؤها، فتلك قصة أخرى أشدّ خطرا على المجتمع من الاحتفال بهذا المولد الذي أصبح الكثير من الجزائريين يتوجسون شرا من قدومه، لك هذه الأسماء: "تي.أن.تي"، "الشيطانة"، "الجنّية"، "بن لادن"، "البصلة"، "سبيدرمان"، "البركان" و"قذائف الهاون".. أمّا أسعارها فقد تجاوزت المعقول فـ"البصلة" يصل ثمنها إلى مليوني سنتيم، قذائف الهاون يتجاوز سعرها 2000 دج ومتفجرات البوق بـ 1800 دج، الشيطانة بـ 350 دج، والبركان بـ 700 دج... ويرى البعض أنّ ما ينفقه الجزائريون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف يقارب 15000 مليار سنتيم.
تقوم دولتنا الساهرة على أمننا وراحتنا في هذه المناسبة الدينية العظيمة بوضع مديرية الحماية المدنية بالعاصمة ليلة المولد النبوي في حال تأهب قصوى، فإلى جانب وحداتها الثابتة تضيف ثلاث عشرة (13) وحدة متنقلة في عدّة أحياء للتدخل السريع في حال وقوع حادث ما، لا سيّما احتراق البيوت والمنازل وكذا المزارع في فصل الصيف... كما تجند الدولة عمال الصحة في هذه الليلة المباركة لمعالجة العشرات من الإصابات بالاحتراق أو فقدان البصر أو الأصابع.. كلّ هذا يكلّف الدولة ميزانية كبيرة وإمكانيات ضخمة. لكن، يبقى السؤال المطروح: لماذا تباع هذه المفرقعات الممنوعة قانونا في الأسواق أمام مرأى قوات الأمن ومسؤولي البلديات؟ هل بارونات استيراد المفرقعات أقوى من الدولة بما تملكه من جيش ودرك وشرطة وقوات الدفاع الذاتي؟ أم أنّ الدولة متواطئة مع هؤلاء البارونات التي تعمل على تجهيل الشعب وإبعاده عن دينه؟
إنّ هذا الذي يسمى احتفالا بمولد النبيّ الشريف هو في حقيقة أمره انتصار للشيطان في أرض الجزائر، وليته كان احتفالا بمولد الشيطان لهان الأمر وقلنا أنّ الجزائريين معجبون بالشيطان فآمنوا به واعتنقوا دينه، لكن، أن نحتفل بمولد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا الجنون، وبهذا الجهل، فتلك مصيبة وتلك طامة كبرى! ما أصدق هذا القول لأحمد شوقي! وقد قاله منذ قرن ونيّف:
فَقُل لِرَسولِ اللهِ يا خَيرَ مُرسَلٍ أَبُثُّكَ ما تَدري مِــــنَ الحَسَراتِ
شُعوبُكَ في شَرقِ البِلادِ وَغَربِها كَأَصحابِ كَهفٍ في عَميقِ سُباتِ
بِأَيمانِهِمْ نورانِ ذِكـــــــرٌ وَسُــــنَّةٌ فَما بالُــــهُمْ في حـــــالِكِ الظُلُماتِ
ما زالت أمتنا الإسلامية، يا أميرنا، تغطّ في سباتها العميق، وما زالت تعيش في حالك الظلمات، كما تركتها. فمتى يحين وقت استيقاظها؟ لست أدري.