مقاصد الشريعة الإسلامية

الطيب عبد الرازق النقر

الطيب عبد الرازق النقر

الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

[email protected]

إن جمهور المسلمين متفقون على أن أحكام الشارع لم تشرع إتفاقاً، "أي لغير أسباب إقتضتها، ومصالح قصدت إليها، ولم تشرع تحكماً أي لمجرد اخضاع المكلفين لسلطان القوانين، وانما شرعت لأسباب إقتضت تشريعها، ومقاصد قصد الشارع إلى تحقيقها"، فنحن إذا استقرينا موارد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع، استبان لنا من كليات دلائلها، ومن جزئياتها المستقرأة أنّ المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه، وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه صلاح عقله، وصلاح عمله، وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذى يعيش فيه"،

فنحن اذا نظرنا إلي المجتمعات الإنسانية سنجد أن تصرفاتهم فيما بينهم تشغل حيزاً كبيراً من حياتهم، بل تشغل معظمها، ولعل ما لا يلتوى على ذهن، أو يند على خاطر، أن الإنسان في حياته لا يستغنى عن التعامل مع غيره؛ فهو محتاج إلي غيره، وغيره بالمقابل محتاج إليه أيضاً، "وتعامل الناس فيما بينهم مبنى على المصالح، وهذه المصالح يشوبها تعارض وتناقض، بسبب اختلاف مصالح الأفراد وتعارضها،ولكي تحفظ المصالح كانت المجتمعات الإنسانية بحاجة إلي شرائع، وقوانين تنظم أمور المعاملات بين الناس، وتضبط تصرفاتهم حتى لا يطغى بعضهم على بعض، ومن ثم، فقد اقتضت حكمة الله أن يُنزل لعباده شرائع يكون في الإلتزام بها حفظاً للمصالح، ودفع لأىّ ضرر أو ضرار، فكانت تشريعات الإسلام المتعلقة بالعقوبات تندرج ضمن دفع الضرر حفظاً لمقاصد الشريعة من أن تنتقص من أطرافها أو يتطرق إليها ضرر"

والملاحظ أن هذه الأصول أو المقاصد التي جاء بها ديننا الحنيف وحثّ على المحافظة عليها، وحدد لها العقوبات لحمايتها وصونها،"لم تختلف الشرائع السماوية عنها، إذ أنها مقاصد الفطرة السليمة، وهى في مجملها مصالح حقيقية وليست مرادفة للهوى والشهوة، لأن الأهواء والشهوات أمور شخصية ووقتية وكثيراً ما تكون إنحرافاً، والهوى في كثير من الأحيان ما يدفع إلي الفساد لأنه فى حقيقته إنحراف في النفس، يتبعه إنحراف في التفكير وعندما تتحكم الأهواء والشهوات يسود الفساد".

وقد قال الإمام الغزالى رحمه الله:(( أن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعنى بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة:أن يحفظ عليهم دينهم، وأنفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة" والحفظ لها يكون بأمرين:"أحدهما ما يقيم أركانها، ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثانى ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم" ولذا، فيمكن القول أن العقوبات التي سنتها الشريعة الإسلامية، ورتبتها على اقتراف بعض الجرائم باعتبارها جزاءاً عادلاً لجملة من الجرائم لها أثر فعال في حفظ الضروريات، "وذلك يدفع ما يمكن أن يتطرق إليها من فساد وضرر، وحمايتها من ذلك كلّه، وإيضاحاً لذلك أقول إن الجرائم التى سنت لها الشريعة الإسلامية عقوبة دنيويّة تعد من الجرائم الكبرى التى يجب دفع أذاها عن المجتمع، ولا تندفع إلا بوضع عقوبة رادعة زاجرة، وسبب ذلك أنّ كلّ جريمة نص عليها الشارع الحكيم، وحدد لها عقوبة عادلة لما تدخله من ضرر عظيم،وفساد كبير على المصالح الضرورية الخمسة".