سبل نجاح المجتمعات بين القيادة والإدارة

باسم عبد عون فاضل

مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

لاشك أن الإنسانية في وقتنا الحاضر لم تصل إلى أسلوب مناسب لاختيار القيادة والإدارة الأفضل، وما وصلت إليه في هذا الشأن هي وسائل وطرق نسبية، فالتطور والتوسع في حاجات الإنسان من اجل الوصول إلى أفضل السبل في تحقيق الرفاهية والاستقرار والكمال الممكن في مختلف جوانب الحياة، يقتضي إدراك الدور الجوهري للقيادة والإدارة في حياة المجتمع، كونهما لازما الإنسان منذ وجوده ولم يخرجا من مسلمات حياته واستمرار تقدمه أو تأخره، فبفضل نجاح البعض فيهما لاقت الإنسانية السعادة والرفاهية في مجتمعات وأزمان شتى، وبسبب سوء استخدامهما ذاقت مرارة الحرمان والآلام.

وعند تحليلنا لمن مارسوا القيادة والإدارة في أزمان وشعوب مختلفة نكتشف ضرورة توظيف عدد من الوسائل والأدوات المعنوية والمادية لتطوير دورهما، وقد وجدت معظم الدراسات والبحوث ذات العلاقة أن أكثر تجاهل للماضي ونسيان للمستقبل يقع في مجال القيادة والإدارة، لذا تتكرر في اغلب الأحيان الأخطاء وينتج الانحطاط والتهور، ويبدو أن العامل السايكولوجي هو العامل الأهم في هذا الجانب، فقد تترك عوامل تاريخية من فقر وحرمان واضطهاد، فضلا عن عوامل الكبت النفسي وغيرها أصحاب القيادة والإدارة في حالة قلق دائم ينتج عنها ممارسات غير مستقرة.

وما يؤثر سلبا أو إيجابا في المجتمعات على أسلوب ممارسة القيادة والإدارة سببه عوامل عدة منها ما يلي:-

1- حجم وقوة المساندة الاجتماعية للقيادة والإدارة.

2- التنشئة الاجتماعية السائدة في المجتمع.

3- الحراك الاجتماعي والمتغيرات التي تعترض القيادة والإدارة.

4- البيئة المحيطة بالقيادة والإدارة وحجم التأثر والتأثير فيها (الإقليمية والدولية ).

5- القيم الاجتماعية السائدة.

 وسنأتي على شرح هذه العوامل بالتفصيل الآتي:

1- حجم وقوة المساندة الاجتماعية للقيادة والإدارة:-

حجم وقوة المساندة الاجتماعية للقيادة والإدارة في المجتمع تؤثر في المخرجات والمدخلات التي تنتج عن ممارسات القيادة والإدارة ودورهما في تنظيم حياة المجتمع، فقد تأتي القرارات والبرامج التنظيمية والتشريعية وغيرها تلبية لحاجات المجتمع ومنسجمة مع ضروريات حياته واهتماماته أو تكون في الجانب المعاكس لطموحاته فتزيد القيادة والإدارة من قوة وحجم المساندة وتحقق مراحل متقدمة من الرضا والمساندة الاجتماعية لها في الحالة الأولى أو تخلق السخط والكره وعدم المساندة الاجتماعية لها كما في الحالة الثانية.

2- التنشئة الاجتماعية السائدة في المجتمع.

للتنشئة دور مهم في حياة المجتمعات وكيفية إدارة شؤونها وتوفير ضروريات حياتها تبدأ من البيت والمدرسة والجامعة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتخلق هذه المراحل التي يمر بها إفراد المجتمع نوعا من الممارسة السياسية والإدارية لدى القيادة والإدارة، وكذلك نمط التعامل من قبل إفراد المجتمع معها، ومن الأمثلة على ذلك ما تركته التنشئة لدى الشعب الألماني قبل الحرب العالمية الأولى من تأثير في اختيار للقيادة والإدارة مبني على أسس تاريخية وقومية أنتجت قيادة وإدارة تمثل ترجمة لتلك التنشئة، أما التنشئة الاجتماعية لدى دول الخليج فقد جعلت مبدأ القبيلة يعلو على مبدأ القيادة والإدارة مما قاد إلى قيام أنظمة حكم قبلية.

3- الحراك الاجتماعي الناتج عن المتغيرات التي تعترض القيادة والإدارة.

من الوقائع والبديهيات أن حياة المجتمعات ليست على نمط ووتيرة واحدة فما كان بالأمس ليس هو اليوم وما هو اليوم لن يكون كذلك في الغد، هذه هي أزلية الحياة وتقديرات الله سبحانه وتعالى فيها، فطبيعة وسلوكيات المجتمع القديم تختلف عن المجتمع الحديث والمعاصر، فالسلوكيات تتغير وأنماط العيش والسكن وضروريات الحياة الأخرى تتغير أيضا، والقيادة والإدارة الناجحة هي التي تستطيع مواكبة المتغيرات والتطورات التي تكتنف الحياة وعدم تخليها عن المستحدثات وتضمينها في مدخلاتها ومخرجاتها عند صنع القرارات وإدارة المؤسسات، وعدم إدراك هذه الحقيقة سيؤدي إلى نتائج عكسية من شأنها أن تؤدي إلى تقويض فرص النجاح والاستمرار في القيادة والإدارة، والعكس صحيح فعندما تواكب المستحدثات والتطورات وتضمينها في قراراتها وفي إداراتها فعند ذلك يحصل الاستقرار في القيادة والإدارة يخلق الرضا والقبول الشعبي لهما.

4-البيئة المحيطة بالقيادة والإدارة وحجم التأثر والتأثير فيها (الإقليمية والدولية ).

أصبح العالم اليوم عالم متشابك في الأهداف والمصالح فالتناقض يسوده تارة والتوافق تارة أخرى، ولا يمكن عزل مجتمع عن مجتمع أخر، وأصبحت ما يصطلح عليها بالاعتمادية الدولية هي رائدة الموقف في التعامل بين الشعوب والأمم، كما تتداخل الروابط العقائدية والدينية والثقافية وما ينتج عنها من تأثر وتأثير على القيادة و الإدارة، فقد تخلق روابط وعلاقات بين قيادات وإدارات مجتمع ما مع نظيراتها في المجتمعات الأخرى تكون ذات أهداف ومصالح بعيدة عن أمال وتطلعات مجتمعاتها فتخلق النفور وعدم الرضا والاستقرار أو تكون مدخلا لرفاهية وتطور تلك المجتمعات مما يزيد من حجم المقبولية والرضا الاجتماعي تجاه القيادة والإدارة.

5- القيم الاجتماعية السائدة.

في كل مجتمع توجد قيم اجتماعية وثقافية سائدة تواتر عليها منذ الأزل فلا يمكن للقيادة والإدارة تجاهلها، بعضها يدخل في جانب مقومات القيادة، والبعض الأخر الإسراف فيها ينتج عزلة المجتمع والقيادة والإدارة عن التطور والحداثة ويمنع من اللحاق بالمجتمعات الأخرى، فمثلا عند استخدام القيادة والمجتمع السوفيتي للنظام المركزي في التخطيط والإدارة خلق ذلك للنظام العزلة والزوال والفشل، بينما نجد استخدام المجتمعات والقيادات في بعض الدول لقيم التسامح وعدم الاعتداء والعدالة فقد جعلها ذات مقبولية في الداخل والخارج وفتح لها الدرب لاعتماد ثقافة الاعتدال بكل أبعادها.

وهناك ملاحظة لا بد من التطرق إليها هي انه عند التمييز بين القيادة والإدارة، فان القيادة تصنع وتتخذ القرارات إما الإدارة فتنفذ وتطبق القرارات، والقيادة تكون بحاجة أكثر إلى تخصص وإلمام عام يسمح لها برسم الرؤية الصحيحة للحاضر والمستقبل، بينما الإدارة قد يفي بالغرض فيها التخصص الدقيق وتقل الحاجة إلى الإلمام بالمواضيع الأخرى، والقيادة تتطلب الجانب العقائدي لان اتخاذ القرار من قبل القائد يحتاج إلى تلاؤمه مع معتقدات وثقافة مجتمعه، بينما تقل ضرورة هذا في الإدارة، والقيادة تتعدد فيها المسؤوليات وتتسع لكل جوانب حياة ومؤسسات المجتمع، بينما الإدارة تأخذ جانب معين تعمل على الإبداع فيه، وهناك جوانب أخرى لا يتسع لها المجال يمكن على أساسها التمييز بين الاثنين.

أخيرا، فان إدراك هذه الحقائق في مجتمعاتنا الإسلامية ومنها المجتمع العراقي يتطلب بذل جهد كبير جدا لوضع الشروط المطلوبة، وخلق البيئة الملائمة لإيجاد قيادات وإدارات فاعلة تنهض بمجتمعها إلى الإمام وتمنع استمرار حالة التخبط والتدهور البادية فيه، وأن يكون هذا الهدف من اعز الأهداف التي تركز عليها الدراسات والبحوث السياسية والاجتماعية والنفسية في المستقبل القريب والبعيد.