طاسة السوّاس : رمز للصفقات الخاسرة !
للسوّاس ، بائع السوس المتجوّل ، طاستان نحاسيتان ، ينقر بهما ، للتدليل على بضاعته (السوس) ، فيغري الظامئين ، بشرب طاسة من سوسه ؛ لا سيّما في أيام اشتداد الحرّ!
ضاقت الدنيا بأحد السوّاسين ، ولم ييق له من طاستيه ، سوى واحدة ، فقرّر السفر إلى بلاد بعيدة ، لعلّه يجد له فيها رزقاً ! فسافر إلى دولة إفريقية متخلفة ، وقابل ملكها، وأهداه الطاسة ، فسُرّ بها الملك ، سروراً بالغاً ، وعدّها كنزاً ثميناً ، فوضعها تاجاً على رأسه ! فهو يملك المال الكثير ، من الذهب والمجوهرات ، لكنه لا يملك طاسة لامعة كطاسة السوس ! وقد أعطى بائع السوس مالاً كثيراً ، مقابل الطاسة ، فعاد هذا السوّاس إلى بلده ، ثرياً ، بعدما كان معدماً !
سأل تاجر قماش ، السوّاسَ ، عن رحلته ، فحدّثه عنها ، فأغري هذا التاجر بما سمع ، وقال في نفسه : إذا كانت طاسة السوس النحاسية ، جلبت لصاحبها كلّ هذا المال ، فعندي من نفائس القماش ، ما يغري الملك ، فيعطيني أضعاف ما أعطى السوّاس !
وشدّ الرحال إلى الدولة المتخلّفة ، وقابل الملك ، فقدّم له هدايا القماش الثمينة ، فسُرّ الملك سروراً عظيماً ، ولم يجد بين يديه ما يعطيه للتاجر ، أثمن من طاسة السوس ، فنزعها من فوق رأسه ، ووضعها على رأس التاجر، ثمناً مجزياً ، لهداياه القيّمة ، ولم يعطه شيئا آخر!
عاد التاجر إلى بلده ، خائباً متحسّراً ، على المال الذي أنفقه في رحلته ، وليس معه سوى طاسة صاحبه السوّاس !
فإذا كانت طاسة السوّاس ، صارت رمزاّ للصفقات الخاسرة ؛ فكم من الناس ، اليوم ، مَن أبرم ، مثل هذه الصفقة ؟ وكم دفع من أثمان ، مقابل هذه الطاسة ؟
بعض الناس دفعوا مواقف .. وبعضهم صار جاسوساً لصاحب الشأن .. وبعضهم صار بوقاً ، يهتف لصاحب الأمر..!
ومن اللطيف أن بعض أصحاب الشأن ، أو الأمر، في بلادهم ، قبضوا كراسي ذهبت منهم!
والغريب ، أيضاً ، أن أكثر هؤلاء التجّار؛ تجّار المواقف والكرامات .. الذين باعوا مواقفهم وكراماتهم ، مقابل طاسة السوس ، الرمز، فصارت الطاسات تيجاناً،على رؤوس بعضهم ، قد فقدوا رؤوسهم ، ذاتها ، حين وجد صاحب الشأن ، أو الأمر، أنهم صاروا أعباء عليه ، ولم يعودوا ينفعونه بشيء ، بعد أن استنفد حاجاته منهم !
وسوم: العدد 920