الأخلاق بين أصالة البعد الإسلامي ودناءة الطرح العلماني
الأخلاق بين أصالة البعد الإسلامي
ودناءة الطرح العلماني
عمر حيمري
من بين التعارف التي يعرف بها الإنسان ، أنه كائن أخلاقي ، فهو الوحيد من بين الكائنات الحية ، الذي يختار لنفسه مجموعة من السلوكيات الخيرة أو الشريرة ليحدد على أساسها علاقته بربه وبنفسه وبمجتمعه وبالإنسانية جمعاء وبالعالم والكون من حوله ، لأن وجوده واستمراره في هذا الكون ، متوقف على نوع السلوك الأخلاقي الذي يختاره لنفسه ، وهو في نفس الوقت تعبير عن مدى إيمان الإنسان بربه ككائن مخلوق لله مركب من عقل وغرائز شهوانية ، عليه أن يختار بكامل الحرية وبمنتهى المسؤولية ، الانقياد لشهواته الحيوانية الغريزية ولهوى نفسه الأمارة بالسوء ، لتدمير الذات ، وما حول الذات ، أو الانقياد لعقله الذي لا يتعارض مطلقا مع أوامر ونواهي وتوجيهات ربه ، للارتفاع من حضيض الحيوانية ، إلى قمة الإنسانية ، بل للسمو إلى درجة الملائكة ، وهذه هي الحكمة التي وجد من أجلها في هذا الكون .[ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ] ( سورة الذاريات آية 56 - 58) ،وهو إن لم ينقاد إلى ربه وخالف أمره ونهيه و أعرض عما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينته عن الهوى ، عرض نفسه يقينا للعيش الضنك ، فلا طمأنينة ولا انشراح نفس ، فهو دائم القلق والحيرة والشك والخوف من المستقبل وعدم الاستقرار ... صدره ضيقا حرجا ، وإن كان في سعة من الرزق وأوتي الجاه والسلطة وملك زينة الحياة الدنيا ، فلا يزال في ريبة من أمره ، يتردد من ضنك معيشته ، لمخالفته للفطرة السوية ، التي فطره الله عليها ، وكذا مخالفته لربه وسوء ظنه به . يرى أرسطو أن الإنسان كائن غير كامل العقلانية، ولا تتحقق له الحياة الكريمة السعيدة ، إلا بممارسة الفضائل العقلية والأخلاقية بشكل متزن .والفارابي بدوره يربط الأخلاق العملية التجريبية بتحقيق السعادة . ولكن الفلسفة العلمانية بإهمالها للدين وفصله عن الحياة السياسة وبدعوتها إلى الإلحاد وتجاوزها للمعرفة الإيمانية ، دشنت تقليدا يختلف عن تقليد الفلسفة القديمة والفلسفة الإسلامية والفكر الصوفي وأعلنت قطيعة مع الأخلاق الدينية ، لتحرر السياسة وتعامل المواطنين اليومي من الغائية والهدف الأسمى للمجتمع وتربطهما بالصراع ، الذي يبيح كل ممكن لتحقيق النفع والمصلحة الفردية أو الفئوية ، ولو كان هذا الممكن ،هو الدهاء والمكر والكذب والنفاق والنصب والاحتيال ...لأن المهم هو الغاية وليس الوسيلة ، عملا بمقولة ميكيافيلي : [ الغاية تبرر الوسيلة ] . وما وصف به الديالمي عبد الصمد الإنسان المغربي من سوء أخلاق ، متمثلة في النفاق والكذب والسرقة والفساد والإفساد وعدم الاستقامة والمكر واحتقار الذات ... ما هو إلا نتيجة وحصاد لهذه العلمانية ، التي يعتبر الديالمي من دعاتها والمروجين لها والمنظرين ،ونتيجة لتسلط التفكير التغريبي المدعوم من الغرب الاستعماري والابتعاد عن المنهج الإسلامي، الذي ظل المطلب الأساسي والاختيار الوحيد للشعب المغربي منذ أن رضي بالإسلام دينا واختاره ليكون له طريقا ومنهجا وحاكما يحتكم إليه في كل أموره . وهو ما عبر عنه المغاربة ورغبوا فيه ، لما أتيحت لهم الفرصة في انتخابات 25 نونبر 2011 ، خلافا لما يدعيه عبد الصمد الديالمي عن كون "التدين الإسلامي السائد ليس إرادة للعيش معا في السلام والتسامح" . كما أن إقبال المغاربة على التدين والتشبث بالإسلام ، ناتج عن تجربة تاريخية عاشها المسلمون في ظل العدالة الإسلامية ، وقناعة إيمانية تامة بإمكانية تكرار تجربة الخلافة الراشدة ، توارثها المغاربة لا شعوريا واستئناف العقل المسلم المغربي دوره في فهم القرآن والحديث وربطهما بالواقع ، فتمكن من حسن إبداع قواعد ونظريات وإجراءات على أساسها تسير الدولة و يساس المجتمع وينشر الوعي الديني ، وليس كما يهرف الديالمي بما لا يعرف إذ اعتبر "أن التنامي الحالي للتدين مبني على الانتقام والاتهام والمحاسبة في خدمته لأجندة سياسية"
إن فساد أخلاق بعض الإنسان المغربي ، يعتبر الديالمي مسؤولا عنه وعن انتشار الأخلاق العلمانية الفاسدة ،التي سماها بالمدنية تمويها و مخادعة ، ثم رمى بها المغاربة مشنعا بهم ، وإن كانت في الحقيقة هي أخلاق شرذمة قليلة وشريحة اجتماعية محدودة، تأثرت بالعلمانية ومبادئها وأخلاقها المستقاة من الفلسفة البرجماتية ، التي تقوم على التفوق والغلبة وتعتبر الأخلاق مجرد سلعة مطروحة في السوق . يقول وليم جيمس [ آية الحق النجاح وآية الباطل الفشل ] والميكيافيلة ترى أن قيمة الفعل تقاس بالنتائج لا بالمبادئ ، فكل الطرق والوسائل مشروعة من أجل الوصول إلى الحكم بما فيها النفاق والكذب والقمع وكل "ما هو مفيد ضروري " من أجل الوصول إلى السلطة والحكم . ونظرية العقد الاجتماعي وصاحبها هوبز تبني الأخلاق على الحق الطبيعي ، أي أن الفرد يملك حرية مطلقة وغير محدودة ، في حالته الطبيعية ولكن الخوف يدفعه إلى التنازل عن هذا الحق لديكتاتور قوي يملكه كل الحقوق ، مقابل الحماية وتطبيق القانون لتسود الأخلاق المدنية .إن الشريحة الاجتماعية ، التي فقدت بفعل الأخلاق العلمانية هويتها الإسلامية أو هي في طريقها لذلك . هي التي ترضى باللواط والمثلية والفاحشة في أهلها - الشيء الذي لم يرضاه المغاربة ، حتى في جاهليتهم الأولى – وهي التي ربتها المدرسة العلمانية وتأثرت بمبادئها ، فأصبحت لا تهتم إلا بإشباع الغرائز الحيوانية وفي قمتها غريزة الجنس دون مراعاة التوفيق بين الدين والعقل الأخلاقي بتعبير كانط ( العقل الأخلاقي كوني ومطلق )من جهة وبين الميولات الغريزة الحيوانية من جهة أخرى ( أي القدرة على تنظيم الغرائز على أساس شرعي ، لا على كبتها وقمعها أو تركها حرة طليقة ) .
إن الجيل الذي ربته العلمانية ، يسهل عليه التضحية بكل القيم الدينية والاجتماعية وحتى بمصالح الوطن العليا ومقدساته، من أجل الجنس أو المادة ، فيبيح كل رذيلة لنفسه ليحقق نزواته الغريزية ورغباته ومنافعه الخاصة ويسحق ما دونه من الكائنات البشرية وغير البشرية ، كما يبيحها لغيره حتى لا يكون شاذا في مجتمعه .
إن العلمانية تحاول أن تحور الأخلاق المدنية النظيفة والمقبولة اجتماعيا ،نظرا لتوافقها مع الفطرة ،لتجعل منها أخلاقا علمانية على مستوى السلوك والقانون الوضعي، يخضع لها الناس ويمارسونها ، حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير الإنسانية والطبيعة من حولهم . دون الاهتمام بالنفع العام ومصلحة الآخرين ،كيف ما كان جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو دينهم ... فالغاية عندهم تبرر الوسيلة والبقاء للأقوى لا للأصلح .
إن الأخلاق الدينية قيمة ثابتة مطلقة مصدرها الوحي ، لا تتغير بتغير الزمان أو المكان ، يلتزم بها المسلم طوعا لا كرها لإيمانه بمراقبة الله الذي لا يخفى عنه شيء في الأرض ولا في السماء . لم تأت لتشطب على الأخلاق المدنية أو النظرية التي أنتجها العقل والعرف وتلغيها، بل تتفق معها وتقرها عندما يتعلق الأمر بفعل الخير والتباع الحق . بدليل قوله صلى الله عليه وسلم [ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ] ( رواه أحمد في مسنده ) أما عندما يتعلق الأمر بفعل الشر والتباع الباطل ، فهي ترفضها وتقاطعها ،بل تحاربها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، على خلاف الأخلاق العلمانية ،فهي شيطان لا تجتمع مطلقا مع الأخلاق الدينية وقد تتقاطع مع الأخلاق المدنية أو القانونية أو العرف في الدعوة إلى الشر والشيطنة .
إن الأخلاق الدينية الإسلامية تطلب الخير بذاته ولذاته ،لأنها تنبثق عن عقيدة الإيمان باستمرارية الحياة ، إلى ما بعد الموت وعن الإيمان بالبعث وما بعد البعث من جنة ونار ... أما الأخلاق التي يدعو إليها الديالمي في قوله : (...تدعو الأخلاق المدنية باعتبارها أخلاقا مواطنة إلى الخير لأجل إنجاح العيش في هناء وفي حرية ،وتعامل المواطنين باعتبارهم راشدين ويتبوأ الإنسان فيها مكانة مركزية )( مقال : التدين الإسلامي السائد ليس إرادة للعيش في سلام وتسامح نشر في هسبريس بتاريخ 1 شتنبر2012 ترجمة هشام تسمارت بتصرف
فهي أخلاق مشتركة بين الإنسان والحيوان ، ليس لها بعد في الزمن الأخروي ، ولا تؤمن إلا بالحياة الدنيا . همها هو العيش في هناء وحرية وهذه هي أخلاق الدهريين المشركين. [ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ] ( سورة الجاثة آية 24 )
إن الأخلاق والتدين في الإسلام ، ليس كما يدعي الديالمي مجرد "محرك سياسي ووسيلة للحكم على الناس في حياتهم اليومية ومطية لنزع الشرعية عن السلطة ....وتنام مبني على الانتقام والاتهام والمحاسبة في خدمته لأجندة سياسية ..." بل هي أخلاق لا تتلون ولا تتبدل ولا تقوم على النظريات الفلسفية والإيديولوجية المرتبطة بالمصلحة الفردية ،كما هو الشأن في الأخلاق العلمانية ، وإنما هي فيض من النفس المؤمنة بعدم الفصل بين عقيدة الأخلاق وشريعة الأخلاق . وأي فصل بينهما يعرض صاحبه لفقدان إيمانه وغضب ربه . بدليل قوله تعالى : [ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ] ( سورة النحل آية 105 ) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن ] ( رواه البخاري ] .
فأي الأخلاق أحق أن تتبع؟