توحش الانقلاب والسلمية الرادعة!!
حسام مقلد *
يندهش الكثيرون من الاتجاه الكارثي الذي يدفع العسكر مصر إليه بقوة وإصرار! ويتعجبون من سعيهم بكل السبل لإشعال حرب أهلية مهلكة بين المصريين، وأعتقد أن العسكر ومن معهم من الانقلابيين قد بنوا استراتيجيتهم على الأسس التالية:
1. أنهم يحتكرون القوة بنوعيها: الخشنة متمثلة في الجيش والشرطة، والناعمة متمثلة في الاقتصاد والإعلام يضاف إليهما القضاء ـ الذي أُفسد ـ إلى جانب الجهاز البيروقراطي العتيق للدولة المصرية.
2. السعي للإيقاع بين القوى الثورية ونزع الثقة فيما بينها، وعلى مدى عامين ونصف جرى بث بذور الفرقة والشقاق والتناحر بين الإسلاميين والعلمانيين الذين اصطفوا في النهاية إلى جانب العسكر والفلول وانقلبوا على مبادئ الديمقراطية التي يدَّعونها!!
3. إعادة تفكيك مشهد 25يناير وتركيبه مجددا بحيث يصبح الإخوان المسلمون هم أعداء الشعب وسبب كل مصائبه، ومن ثمَّ يتم تعبئة الناس ضدهم بكل الطرق والوسائل.
4. بعد انقسام الشعب المصري وتمزقه لن يستطيع الإخوان الصمود أمام ضغط الجزء الذي سينحاز للجيش والشرطة، وفي النهاية تتم شيطنة الإخوان وتوجه ضربة ساحقة إليهم وهم الرقم الأصعب في المعادلة، بعدها يمكن إحكام السيطرة على بقية التيارات السياسية التي لا تتمتع أصلا بظهير شعبي قوي.
5. تخويف الشعب المصري من حرب أهلية مروعة؛ لإرغامه على الاستكانة والاستسلام ، علما بأن جميع القوى المحلية والإقليمية والدولية تدرك تماما أن خيارا من هذا النوع ليس في مصلحة أحد على الإطلاق، وفي مقدمة المتضررين ولا شك لو دبت الفوضى في مصر ـ لا سمح الله ـ إسرائيل والمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة ...!!
لكن المفاجأة الكبرى التي لم يعمل العسكر لها حسابا تمثلت في وعي جماهير الشعب المصري، والصمود الأسطوري لشرائح واسعة منه تمتلك الوعي الكافي والإرادة القوية لرفض الانقلاب على الشرعية وإهدار أصوات الناخبين، وقد ضرب ملايين المصريين أروع الأمثلة في الصبر والتضحية من أجل قضيتهم العادلة!
ومن أبرز ما يتباهى به الثوار سلميتهم الرائعة التي تحكم كل فعالياتهم الثورية، ولكن الانقلاب قد تجاوز كل الخطوط الحمراء في تعامله الوحشي مع الثائرين، ولم يعد الأمر قاصرا على الاعتقال والتعذيب والقتل واستخدام أنواع محرمة دوليا من الرصاص تنفجر داخل الجسم حال الإصابة فتمزقه أشلاء ـ بل تفتقت العقلية الشيطانية لأبالسة الداخلية عن فكرة قذرة تهدف لكسر إرادة الشعب المصري الحر الأبي وإجباره على الاستسلام، وهذه الفكرة الخبيثة هي اعتقال الفتيات واغتصابهن لإذلالهن وقهر معنويات ذويهن!!
وقد حدثت بالفعل حالات اغتصاب لعدد من المعتقلات داخل سجون الانقلاب، وهذا ما تؤكده تقارير منظمات حقوق الإنسان وآخرها تقرير (أذرع الظلم) الذي أعدته 14 جهة حقوقية مصرية، وأعلنته مؤخرا في مؤتمر صحفي بمقر نقابة الصحفيين، وخصصته لاستعراض انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الانقلاب العسكري.
ألم يدرِ هذا الخبيث صاحب هذه الفكرة الشيطانية أنه يمزق مصر تماما بهذه الجريمة البشعة فالمصريون جميعا يقدِّسون الشرف والعِرض ويبذلون أرواحهم ودماءهم في سبيل الدفاع عنهما؟! ألم يفكر أنه يجعل نفسه وأهله وكل من على شاكلته هدفا مشروعا ومُبرَّرا لانتقام ذوي الضحايا؟! أيظن أن الناس ستستكين وتخضع وتسكت على انتهاك أعراضها؟! ألا يعلم أن صيانة الشرف وحماية الأعراض من أهم المكونات النفسية للشخصية المصرية، وأن المصري لا يغفر هذه الجريمة أبدا مهما طال الزمن وإن لم يثأر لكرامته بنفسه فسيوصي أبناءه وأحفاده بذلك؟!
وأكثر ما يثير الأسى والحزن في النفوس أن تجد هذه الأفكار المسمومة آذانا صاغية لدى قطيع من الهمج الجُهَّال من البلطجية والداخلية فيبادرون إلى تنفيذها بكل قسوة!! والحق أن مشاهد انقضاض هؤلاء الخبثاء الملثمين من أفراد الشرطة بكل وحشية على طالبات الأزهر العفيفات وغيرهن من الفتيات والنساء تدل على انعدم المروءة لدى هؤلاء وافتقارهم إلى أبسط معاني الرجولة والنخوة والشهامة!!
والذي يبدو للكثيرين أن المجازر البشعة المروعة التي ارتكبها الانقلاب ـ كمجزرة الحرس الجمهوري والمنصة وفض اعتصامي رابعة والنهضة ـ قد مرت مرور الكرام دون حساب أو مساءلة أو حتى محاولة جادة للتحقيق، وأدَّى ذلك إلى تجرؤ الانقلابيين على سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وانتهاك الأعراض؛ بحجة أن هؤلاء إخوان إرهابيون مستباحو الحرمات... وكأنهم ليسوا بشرا!!
نعم لقد سمحت طيبة المصريين المعروفة بتمادي هؤلاء الطغاة في جرائمهم وعدوانهم، بل إنني أزعم أن الانقلابيين المجرمين قد استغلوا سماحة الشعب المصري وميله إلى الهدوء والاستقرار والسلام ليخوفوهم بالنموذج الجزائري الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية عدة سنوات... وتجنبا لأية احتمالات مشابهة حرص التحالف الوطني من أجل الشرعية على أن يكرر في كل مناسبة تمسكه بالسلمية، ورفضه القاطع لأية أعمال تنافي ذلك.
ورغم تمسك أنصار الشرعية ـ والبالغة نسبتهم نحو 80٪ من الشعب المصري بحسب عدد من استطلاعات الرأي الأخيرة ـ بالسلمية في كل تحركاتهم وفعالياتهم إلا أن الانقلاب الغاشم يصر على دفع الناس للعنف دفعا وكأنه يتعمد إشعال النار في جسد الوطن!!
لقد بُحَّت أصوات الكثيرين وهم يحذرون من هذا الاندفاع الأعمى من العسكر ودولتهم العميقة لإجهاض الثورة والسيطرة على الحكم بأية وسيلة، وكرر الجميع أن مصر اليوم تختلف تماما عن مصر54، وما حدث حينها من انقلاب العسكر على الرئيس اللواء محمد نجيب ورغبته في بناء نظام حكم ديمقراطي رشيد لن يتكرر أبدا ...!!
إن شباب مصر اليوم يختلفون تماما عمن سبقوهم، ومصر بعد 25يناير لن تعود مطلقا لما كانت عليه قبل ذلك ... حتى شباب الإخوان المسلمين قد تغيروا، وهذا طبيعي فهم جزء لا يتجزأ من الأجيال الجديدة، والحق أن جماعة الإخوان المسلمين التي تؤْثِر السلمية دائما إعلاءً لمصلحة الوطن ولو كان ذلك على حساب مصالح أبنائها تبذل قصارى جهدها لإقناع شباب التحالف المؤيد للشرعية بالحفاظ على المنهج السلمي في مقاومة الانقلاب.
ولكن لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيفعله شباب مصر (الذين يشكلون نحو 40٪ من السكان) بعد أن تجاوزت جرائم الانقلاب كل الخطوط الحمراء، ولاسيما بعد تجرد الانقلابيين من كل معاني النخوة والرجولة وإقدامهم على اغتصاب الحرائر، ولا شك أن من حق الشعب المصري الدفاع عن نفسه وحماية عرضه والحفاظ بكل السبل على كرامة بناته وأبنائه، وهذا يستلزم اتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لردع هؤلاء المجرمين وكفهم عن جرائمهم.
والمؤكد لديَّ أن سلطات الانقلاب الغاشم لن تتورع عن ارتكاب مجازر جديدة، ولن تكف عن بطشها وجبروتها في التعامل مع الناس لتمرر دستورها الباطل، وسوف تزوِّر نتائج الاستفتاء ومن بعده الانتخابات لتكريس الأمر الواقع وفرضه على الناس بقوة الحديد والنار، ومن هنا يحق للشعب المصري البحث عن كل الوسائل الرادعة لحماية الوطن وحماية أبنائه في إطار عام من السلمية وعدم الانجرار إلى حرب أهلية مدمرة تأكل الأخضر واليابس في مصر...
ولكن ما هي هذه الوسائل السلمية الرادعة التي سوف تغل أيدي الانقلابيين المجرمين عن استباحة حرمات الشعب، وستحمي مصر بإذن الله تعالى من خطر الفوضى والانهيار... هذا ما ننتظر بشغف أن نراه في الفترة القريبة المقبلة لنعرف ماذا سيقدم لنا هذا الشعب الموهوب المعروف بالطيبة والذكاء ... والبسالة والعناد ...!!
* كاتب إسلامي مصري